يأتي العام الدراسي علي أولياء الأمور ومواسم الامتحانات بمثابة ناقوس الخطر الذي يعلن عن موعد إرباك الأسرة واستنزاف أموالها وطاقتها بعد ما أصبح التعليم يستنزف من دخل الأسر المصرية 22 مليار جنيه سنوياً وفقاً للدراسة التي أعدها مركز المعلومات بمجلس الوزراء والذي كشف أيضا عن قضاء التلاميذ مليار ساعة سنوياً في حضور الدروس الخصوصية. أصبح التعليم في مصر سلعة تباع وتشتري، وأصبحنا الآن علي هاوية الانزلاق إلي الأمية والرجوع إلي الوراء حيث كان يقتصر التعليم علي أعيان الدولة دون الفقراء منهم بعد أن أخذت مجانية التعليم تتواري خلف الدروس الخصوصية التي سارت سلعة رائجة بعد لجوء المدرسين إلي الإعلان عن أنفسهم علي حوائط و أسوار المدارس، وكأنهم في مزاد للعلم، لن يحصل عليه سوي من لديه المادة غير مبالين بقدسية المعلم والتعليم . فالمدارس المصرية في أمانتها نحو 18 مليون طالب تعاني من أزمة في الجدية و الضمير بسبب المعلمين الذين تجردوا من ضمائرهم وباتوا يتاجرون بالعلم، لا يؤدون واجبهم كما ينبغي في المدرسة اعتماداً علي الدروس المنزلية التي تكون لديهم بمثابة المارد السحري الذي يحقق لهم مطالبتهم المالية في تجاهل منهم لأعباء الأسرة المصرية . وكشفت دراسة أعدها مؤخرا مركز المعلومات بمجلس الوزراء أن تلاميذ المدارس يقضون مليار ساعة سنوياً في الدروس الخصوصية تستنزف 22 مليار جنيه من دخل الأسرة. كما أظهرت أنه علي الرغم من ارتفاع معدلات الفقر، إلا أن الأسر المصرية تنفق 22 مليار جنيه سنوياً علي الدروس الخصوصية، وذلك خلال 34 أسبوعاً وهو عمر عام درسي يقدم فيه 119 منهجاً، حيث يدفع الطالب ما يقرب من 100جنيه في الحصة الواحدة وقد تصل إلي أكثر من ذلك في شهادة الثانوية العامة. كما أشارت إلي أن 44٪ من جملة إنفاق الأسر المصرية شهرياً يتجه إلي الدروس الخصوصية رغم ارتفاع معدلات الفقر بنسبة تصل إلي 43٪. وذكرت أن متوسط إنفاق الأسرة السنوي علي التعليم سجل 4708 جنيهات مشيرا إلي أن متوسط الإنفاق في الحضر بلغ ثلاثة أضعاف الريف الذي وصل إلي 1932 جنيها بمتوسط إنفاق علي الطالب في جميع مراحل التعليم من قبل الابتدائي إلي الجامعي نحو 962 جنيها وسجل الحضر أربعة أضعاف الإنفاق عن الريف والذي بلغ 548 جنيها. واستنكرت الدراسة الوقت الذي يستنفده التلاميذ في حضور الدروس الخصوصية في إشارة إلي أن هذا الوقت وهذه الأموال تكفي لبناء ثلاثة سدود مثل السد العالي أو ثلاث مدن جديدة أو زراعة 50 ألف فدان وأوضحت الدراسة أنه كان يمكن بهذه المبالغ التي أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة أن نبني 30 سدا علي النيل تكفي لتنظيم الري لحوالي 8 ملايين فدان أو استصلاح نصف مليون فدان جديدة أو بناء 30 مدينة سكنية لحل أزمة الإسكان . وأوضحت الدراسة أن أولياء الأمور أرجعوا سبب إنفاقهم علي الدروس الخصوصية إلي عدم كفاية الشرح الذي يحصل عليه أبناؤهم في المدارس وأن نسبة الطلاب الذين يحصلون علي دروس خصوصية في المرحلة الابتدائية 58٪ من إجمالي التلاميذ وفي المرحلة الإعدادية 79 ٪ وفي الثانوية العامة 90٪. كما أن معظم الطلاب الذين يدرسون بالمدارس الحكومية يلتقون دروس خصوصية بنسبة 80 ٪ في مقابل 70 ٪ للذين يدرسون بالمدارس الخاصة، كما كشفت الدراسة عن وجود مليوني طفل لم يلتحقوا بالمدارس و 2.5 مليون آخرين تسربوا من التعليم قبل الحصول علي الابتدائية. استطلعت " آخر ساعة " آراء بعض أولياء الأمور والطلاب والمعلمين حول ملامح هذه المشكلة وكيفية الخروج منها وطرح الحلول التي من الممكن أن تحول بين العبء الذي تتحمله الأسر المصرية وتوغل شبح الدروس الخصوصية. التفكير في تدبير تكاليف الدروس الخصوصية أصبح شغلي الشاغل هكذا بدأ رفعت عبدالحكيم -ولي أمر- لطالب بالثانوية العامة وأخري بالصف الثالث الإعدادي كلماته حينما سألناه عن معاناته مع الدروس الخصوصية فقال إنني أصبحت لا أنشغل مع بدء العام الدراسي إلا بالتفكير في كيفية توفير تكاليف الدروس الخصوصية التي لا بد أن يحصل عليها أبنائي في ظل الإهمال الواضح في العملية التعليمية داخل المدارس؛ فالمدرس أصبح الآن يتعمد عدم الشرح جيدا داخل المدرسة لجذب التلاميذ إلي الدروس الخصوصية، وهو ما يجلنا مضطرين آسفين للجوء إلي الدروس الخصوصية خشية من عدم نجاحهم أو حصولهم علي مجموع ضعيف. أما عن حال التلاميذ فيقول التلميذ إسلام كمال (بالثانوية العامة) اتجه إلي الدروس الخصوصية؛ فالمعلمون لا يشرحون داخل الفصل بما يمكنني من فهم واستيعاب المنهج، غير أنهم لا يتطرقون إلي الكثير من الجزئيات في المادة التي لا يمكنني فهمها بمفردي، لذلك فأنا حريص علي الدروس الخصوصية، لأنه أصبح مطلوباً منا أن نحصل علي درجات مرتفعة في كل المواد، كما أن هناك بعض المواد التي تتصف بصعوبتها، لذلك فلا شيء يمكنني اللجوء إليه سوي الدروس الخصوصية. ويؤكد (شريف محمد) مدرس رياضيات أن الرواتب لا تكفي ولا تفي بمتطلباتنا الأسرية؛ فأنا أب وأبنائي في مراحل التعليم المختلفة، ناهيك عن نفقات المأكل والمشرب ورسوم المدارس وغيرها، وهو أمر لا يقدر عليه أي مدرس إلا إذا اضطر إلي الدرس الخصوصي، ومهما تكن مكافأة الامتحانات؛ فلن تكون الأوضاع المادية للمدرس قادرة علي مواجهة متطلبات المعيشة، فنحن مثلنا مثل أي شخص آخر لدينا أسرة وأولاد وهم بدورهم أيضاً يعتمدون علي الدروس الخصوصية . فيما يقول (عاطف إبراهيم) مدرس لغة إنجليزية يظن الكثيرون أننا فقط الذين نسعي لإعطاء الدروس الخصوصية، ويتغافل هؤلاء عن التلاميذ الذين يلحون علي مدرسيهم لإعطائهم دروساً خصوصية، والتي أحياناً تقابل بالرفض من المدرس لانشغاله طوال الوقت، ولا يملك من الوقت ما يتيح إعطاء دروس لهؤلاء؛ فالقضية ليست متوقفة علينا فحسب، بل رغبة بعض الطلاب للحصول علي الدرجات النهائية في بعض المواد هي التي تدفعهم للدروس الخصوصية حتي لو كان المدرس ملتزماً ويراعي ربه وضميره داخل المدرسة. ومن جانبه يقول د. محمود الناقة خبير مناهج تربوية إن ظاهرة الدروس الخصوصية هي مسئولية ثلاثة عناصرالأول منهم هو المدرس الذي لم يستطع توصيل المعلومة بصورة واضحة وسهلة للتلاميذ، والثاني هو التلميذ الذي لم يفهم جيداً، ويطالب ولي أمره بمساعدته بدرس خصوصي، أما العنصر الثالث، فهو ولي الأمر الذي يستجيب لرغبة الابن أو الابنة ويتحمل نفقات الدروس الخصوصية مضطرا . وعليه فإن تفشي تلك الظاهرة يرجع إلي تقصير المدرس فضلاً عن أن الكتاب المدرسي ذاته بحاجة إلي ثورة شاملة من حيث التقسيم، والتفسير والفهرسة، وشرح المصطلحات الصعبة، كما يجب أن تصاحب المادة رسوم توضيحية وبيانات وصور وخرائط وإخراج جيد كي تخلق حالة من الارتباط بين الطالب والكتاب المدرسي، فلا يلجأ إلي الكتب المساعدة التي يقبل عليها الطلاب بمجرد بدء العام الدراسي، إلي جانب ذلك نحن بحاجة إلي إعادة النظر في نظام الأسئلة، فالحلول لابد أن تبدأ من أول السلسلة، بأن نركز في المناهج علي إلغاء ظاهرة الحفظ، والتقييم علي أساس المجموع ومخاطبة المهارات التربوية، ومن هنا يبدأ الحل من الكتاب المدرسي ثم الاتجاه المجتمعي، وسياسة التقييم والامتحانات، وحين تتكاتف كل هذه الآليات لتصدير كتاب لا يعتمد علي الحفظ، وإعطاء تقييم يعطي قدراً أقل من الدرجة النهائية للحد من اتباع أسلوب الحفظ دون الفهم لدي الطالب المصري، وتوزيع باقي الدرجات علي المهارات التي نقرها في نظام التعليم الجديد كالمناقشة والتمرين والتوضيح والبحث، ولن يكتمل ذلك إلا بإعداد سياسة مالية واضحة للمعلم تجعله يصل إلي حد الكفاية والاقتناع بأن ما يمارسه من دروس خصوصية مسألة لا أخلاقية في المقام الأول، تعصف به وبالعملية التعليمية . بينما يقول (كمال مغيث) خبير تعليم مؤكدا أنه مع بدء العام الدراسي بشكل عام واقتراب موسم الامتحانات بشكل خاص تنتاب أولياء الأمور حالة من الخوف الشديد من إخفاق أبنائهم في مادة ما، أو الرسوب بمادة أخري، ويبدأ التطلع من اليوم الأول إلي كيفية النجاح والتفوق لهؤلاء الأبناء، والذي لن يتأتي في اعتقادهم إلا بالدروس الخصوصية، وهنا يحدث الاختلال في مواعيد الالتزامات الأسرية من مواعيد الطعام والخروج والنوم واللقاء الجماعي، أو حتي الواجبات الاجتماعية في محيط الأسرة الكبيرة.