"الفيس بوك وتويتر"بمجرد سماع اسميهما تنتابك حالة من الإشراق والتفاؤل خاصة بعدما أصبحا مصدر السعادة والمؤانسة للكثيرين بالإضافة لنجاحهما الساحق في إشعال ثورة الشباب وتحطيم قيودهم التي تحملوها طيلة الثلاثين عاما الماضية ودفعهم ذلك للنزول إلي الميدان والمطالبة بحقوقهم المهضومة في مشهد أثار إعجاب العالم كله، إلا أنهما يعدان أيضا من الأسلحة الحادة والتي قد تفتك بالعلاقات الاجتماعية بين الأصدقاء وتهدد صحة الأفراد والأدهي من ذلك أن تهدد الأمن القومي وتصبح إحدي وسائل التجسس الناجحة. وإن كنا نتحدث عن العلاقات الاجتماعية والجلسات العائلية فإن الحياة الزوجية أصبحت في خطر شديد بسبب تلك الوسائل التكنولوجية، فمن الغريب أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي أحد أسباب ارتفاع معدلات الطلاق ليس في مصر فحسب بل في معظم البلدان العربية. ذكرت دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن حالة من حالات الطلاق تعود لاكتشاف شريك الحياة وجود علاقة إلكترونية مع طرف آخر عن طريق موقع الفيس بوك فضلا علي أن هذا الموقع سهل للعديد من الأشخاص خيانة الآخر بحيث يمكن للزوج أو الزوجة اللذين يشعران بالملل العثور بسهولة علي حبهما الأول وعلاقتهما القديمة وهو ما ينذر بحدوث أخطار تهدد الحياة الزوجية للأسرة المسلمة ولم تكن تلك الدراسة وحدها التي أشارت لخطر تلك المواقع بل إن هناك دراسة أخري صدرت أواخر العام الماضي من جهاز التعبئة والإحصاء ذكر أن مصر شهدت أكثر من 75 ألف حالة طلاق في العام الماضي، وأشارت الإحصائية إلي أن 40ألف حالة من حالات الطلاق حدثت بسبب استخدام الزوج للإنترنت وانشغاله عن زوجته من خلال الدردشة علي مواقع التواصل "الفيس بوك وتويتر" فضلا عن أن ما يقرب من 66٪ ممن شملتهم الدراسة انشغلوا بمشاهدة مواقع إباحية أصبحت بديلا عن الزوجة وبالطبع تعتبر مثل تلك الدراسات بمثابة جرس إنذار للأزواج والزوجات من مدمني تلك الوسائل. المثير للدهشة أن تلك الدراسات حملت لجنة الفتوي بالأزهر الشريف أن يصدر فتواه بتحريم الدخول علي مواقع التواصل الاجتماعي واعتبار زواره آثمين شرعا ويحضون علي نشر الفساد بين جنبات المجتمع، كمحاولة من الأزهر لدحض تلك الفتنة التي من شأنها هدم كيان الأسرة المصرية وتفكيك صرحها الشامخ مما زاد القضية اشتعالا. »آخرساعة« استعرضت بعض حالات "طلاق الفيس بوك"واستمعت لنصائح وإرشادات خبراء علم النفس والاجتماع حول كيفية القضاء علي تلك المشكلة أو الحد من خطورتها في ظل توحش الإنترنت وتغلغله بحياتنا. القصة الأولي "لنادية"تلك الفتاة القاهرية التي حباها الله بقدر عال من الجمال أهلها للارتباط "بمجدي"وهو شاب ينتمي لأسرة عريقة ورثت عن أسلافها عشرات الفدادين الزراعية والعقارات وعاش بطلنا حياة مترفة لم ينقصها وجه من أوجه الراحة التي قد يتخيلها عقلنا ناهيك عن وسامته وأناقته. ولم يمر سوي ثلاثة أشهر حتي تم عقد القران وزف العروسان إلي عشهما الصغير تصحبهما دعوات المحبين بحياة سعيدة وأن يرزقهما الله بالذرية الصالحة وكعهد كل الأزواج فبمجرد انقضاء شهر العسل دبت الخلافات بين العروسين ولم يحاول كل منهما التوصل إلي حلول قاطعة وسريعة لها مما كان له عظيم الأثر في تدهور العلاقة بينهما. فقد انشغلت "نادية"بمولودتها الجديدة وتفرغت لها تفرغا تاما ولم تلق بالا بزوجها الذي تحول إلي وحش كاسر وكثيرا ماتعدي عليها بالضرب المبرح والألفاظ البذيئة وانصرف عنها تماما فقد وجد ضالته وحياة أخري بمواقع التواصل الاجتماعي فأدمن استخدام الفيس بوك والشات حتي وقع في العديد من العلاقات المحرمة وأصبح صيدا سهلا لبائعات الهوي .. وتدهورت العلاقة بين الزوجين خاصة بعد أن ساورت الزوجة شكوك حول أسباب إدمان زوجها الفيس بوك وعدد الساعات التي يقضيها أمام شاشة الكمبيوتر وحاولت جاهدة حل ذلك اللغز حتي أطلعها مجدي علي نيته بالزواج من إحدي الفتيات التي تعرف عليها عن طريق الفيس بوك فما كان من البائسة إلا أن طلبت الطلاق وغادرت منزل الزوجية. وإذا كان الفتور والانفصال الروحي بين الزوجين وعزوفهما عن حل مشكلاتهما سبب الطلاق الأساسي إلا أن إدمان الفيس بوك وخيانة الزوج أجج من حدة الخلاف ودمر الحياة الزوجية. تقول سلمي فايق ربة منزل: بمجرد ظهور الفيس بوك نجح في جذب آلاف الشباب إليه خاصة أنه أحد مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح للكثيرين العثور علي أصدقائهم القدامي أو حتي إقامة علاقات صداقة جديدة وقد أنشأت صفحة خاصة بي لتمكنني من الاستفادة بمميزات الموقع، لكني أحرص علي معرفة من أضيفهم لقائمة تعارفي، وغالبا ما أضيف صديقاتي في الدراسة والعمل، ولكي أحمي نفسي من الوقوع في أي خطأ أحرص علي مشاركة زوجي في التصفح معي، ونتبادل النصائح والنقاش حول ما استجد علي الموقع. وعن تأثير هذه المواقع علي الحياة الزوجية تقول: الحياة الزوجية أقدس من أن يدنسها موقع إلكتروني لا يقوم إلا علي الصور المزيفة والحقائق المغلوطة، لكن كي يتجنب الزوجان أيا من هذه الملوثات فعليهما إحكام التعامل مع مثل هذه التكنولوجيا، وعدم إضافة أي شخص غير معروف لديهما حتي الأقارب، وكذلك عدم تصفح هذه المواقع بصورة فردية. ويتفق معها خالد زكي (محاسب): لا أحد ينكر دور الإنترنت والفيس بوك في إنجاح ثورة يناير فقد استطاع تجميع الشباب المصري علي قلب وكلمة رجل واحد علي الرغم من جهل معظمهم لبعضهم البعض ناهيك عن استخداماته التجارية والعلمية المتنوعة إلا أن الكثير قد يسيء استخدامه فيقبل بنهم علي مواقع الدردشة ليقيم علاقات صداقة أو حب مع طرف خفي لم يقابله في الواقع لقتل الشعور بالملل وهروبا من المشكلات الزوجية وقد يلتقي بمن يشعر معها بالأمان والحب المزيف ويقرر الانفصال عن شريك العمر ويضحي بسنوات الزواج السعيدة فينهدم البيت ويضيع الأولاد. ويري زكي أن الحل الأمثل لتلك المشكلة هو القيام بندوات توعية للشباب لبيان أخطار ومضار التكنولوجيا بالإضافة إلي المحاولة الجادة من الطرفين لإشباع طموحاتهم العاطفية والحرص علي الاحترام المتبادل بينهما وحل مشكلاتهما بعيدا عن تدخل الأهل. وبعد أن استعرضنا آراء بعض الشباب حول تلك المشكلة قمنا بطرحها علي أساتذة علم النفس والاجتماع لمعرفة الآثار المترتبة عليها ورأي بعض رجال الدين حول فتوي تحريم الفيس بوك.. في البداية يقول الدكتور لطفي الشربيني أستاذ علم النفس بجامعة الإسكندرية: يعد الفيس بوك مثله مثل وسائل الاتصال الحديثة التي سهلت التقارب بين الناس وأتاحت لهم تكوين علاقات صداقة تعتمد علي التشابه والاندماج كما أنه أيضا قد يساهم في تسهيل إقامة علاقات محرمة بين الجنسين في الخفاء وهذه ورطة اجتماعية كبري تعصف بالكيان الأسري فبعض الرجال من السهل استقطابهم لمثل تلك العلاقات خاصة إذا كان يعاني من مشكلات مع شريك الحياة فيدخل في علاقة صداقة مع إحدي الفتيات التي لم يتسن له رؤيتها وقد تتحول تلك الصداقة إلي علاقة حب يتوجها الرجل بالزواج وتطليق شريكة العمر علي حين أن هناك جزءا آخر من هؤلاء الرجال يستخدمون الفيس بوك لمتابعة المواقع الإباحية والدردشة الجنسية. ويضع الشربيني خطة لمقاومة خطر الإنترنت وحماية كيان الأسرة فيقول: لابد أن يتوافر الوضوح والصراحة والحوار المتواصل بين الزوجين، والسعي الحثيث لحل المشكلات الصغيرة منها والكبيرة بشكل يومي، وسيجد الطرفان أن هناك مشكلات يمكن لهما بالنقاش والحوار الهادئ الوصول فيها لحل، وهناك مشكلات تحتاج لتدخل طرف ثالث قد يكون كتابا أو برنامجا تلفزيونيا أو عالم دين أو خبير علاقات زوجية وليس معني هذا هو البعد عن التكنولوجيا الحديثة، ولكن الاستفادة منها بتوازن، فيمكن للطرفين أن يستثمرا هذه المواقع في علاقاتهما كتبادل رسائل الحب بينهما أو تبادل الحوار . أما الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع فتري: أن الفيس بوك والمواقع الإلكترونية عموما ليست السبب الأساسي وراء ارتفاع حالات الطلاق بل إن هناك أسبابا جذرية أخري علي رأسها الانفصال العاطفي بين الزوجين وعدم التوافق بينهما بالإضافة إلي تدخلات الأهل مما يولد العديد من المشكلات التي يعجز الطرفان عن حلها فيقرران الهرب بعيدا إلي الوسائل التكنولوجية وعلي رأسها مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة فلابد من معالجة تلك الأسباب الحقيقية حتي لانفاجأ بارتفاع حالات الطلاق أكثر من هذا. أما عن رأي رجال الدين في فتوي تحريم الفيس بوك لدحض مثل تلك المشكلات يقول الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، إن الفيس بوك شأنه شأن أي شيء في الحياة حلاله حلال وحرامه حرام، فمن يستخدمه في اكتساب المعلومات وإجراء الحوارات والاستفادة منه في كل سبل الحياة فلا حرمانية عليه في شيء. ويضيف قائلا: ومثل مواقع الدردشة مجرد محادثة، وهذه المحادثة ربما تكون مشروعة وربما تكون غير مشروعة، فالحديث في حد ذاته ليس محرما أو مرفوضا، لكن المرفوض هو سياق الحديث إذا خرج عن مراعاته للآداب الشرعية .