عبدالناصر مع رئىس وزراء استراليا عام 6591 الذى رأس لجنة لبحث مشكلة تأمىم القناة دارت نقاشات طويلة حول مدة تصفية قاعدة قناة السويس، فاقترح محمد نجيب أن تكون ثلاث سنوات بعد انتهاء الثمانية عشر شهرا التي يتم فيها جلاء القوات البريطانية، في حين كان الجانب البريطاني يتمسك بأن تكون المدة اثني عشر عاما، وفي ضوء وجهتي النظر ثار خلاف أكبر أيضا حول حق العودة للقاعدة إذا تمسكت بريطانيا بذلك ولكن يحدد هذا علي نحو منضبط يقتصر علي حدوث هجوم مسلح علي مصر أو الدول العربية المشتركة في ميثاق الضمان الجماعي العربي في حين دخل الانجليز في تعميمات حول العودة في حالة حظر الحرب أو قيام حالة دولية مفاجئة، ثم انتهوا إلي المطالبة بإضافة تركيا وإيران ثم استبعدوا إيران وأصروا علي تركيا وأخيرا استبعدوها وأقروا وجهة نظر مصر كاملة. وكان الأمريكان في ذلك الحين يتوسطون لتقريب وجهات النظر خارج القاعة التي تجري فيها الاجتماعات واستطاعوا أن يصلوا مع البريطانيين إلي اتفاق علي أنه إذا زدنا مدة التصفية فقد يتنازلون عن عسكرة الخبراء وبعد التشاور مع المختصين المصريين وافق محمد نجيب علي ذلك. إلا أنه في الاجتماع التالي.. فوجئ الجانب المصري برئاسة محمد نجيب، أن البريطانيين قد عدلوا هذه الموافقة السابقة وماتم الاتفاق عليه من قبل.. وسبب ذلك أنه كانت هناك خلفية أخري! كان هناك اتصال بين عبدالناصر والنائب البريطاني كروسمان الذي عرض عليه عبدالناصرت مرونته إذا ماتولي هذه المفاوضات، كما كان اتصاله بالجنرال روبرتسون كبير المفاوضين العسكريين سرا في هذه المرحلة من المفاوضات لعقد صفقة بينه وبينهم بوضع العراقيل أمام محمد نجيب حتي تقطع المفاوضات ليتولي هو مكانه فيها، وهذا ماحدث بالفعل عندما تراجع الجانب البريطاني عما سبق وأبداه من موافقة علي شروط محمد نجيب وخاصة ما يتصل بمدة التصفية وعودة القوات البريطانية في حالة الحظر علي تركيا، حيث كان يري نجيب أنها خمس سنوات ونصف ويري عبدالناصر أنها يمكن أن تكون سبع سنوات.. ولم يكتف عبدالناصر بهذه الاتصالات الخفية بالخصم وهو المحتل الانجليزي، إنما حاول أن يؤكد أنه صاحب القرار الفعلي علي مائدة المفاوضات، فأثناء الجلوس حول مائدة المفاوضات، كان بعض أعضاء الجانب المصري يكتبون أوراقا صغيرة ويمررونها إلي عبدالناصر الذي كان يقرؤها ويشير إلي مرسلها بهزة رأس خفيفة.. ولاحظ الانجليز ذلك أيضا، ولأن هذه الحركة كانت لاتأتي إلا من العسكريين فقط، ولذا فقد أحس المفاوض الانجليزي كما يقول محمد نجيب بأن جبهة المفاوض المصري بها ثقوب وغير متحدة، وهذا ماكنت لا أسعي إليه وأنا في القاعة حيث لابد أن نبدو متماسكين متحدين لا خلاف بيننا. ولكن الغرض الأساسي من هذه الحركة بالطبع أن يؤكد عبدالناصر للجانب الانجليزي أنه الرجل الفعلي وصاحب القرار علي هذه المائدة.. ورغم لوم محمد نجيب لعبدالناصر عن هذه الحركة التي توحي بالفرقة والانقسام في جبهة المفاوضين المصريين أمام المفاوض الانجليزي إلا أن عبدالناصر استمر يأتي بهذه الحركة. بل إن هناك حادثا كان قد وقع، وله تأثير كبير علي مفاوضات نجيب مع الانجليز حيث اختطف بعض الفدائيين المصريين جاويشا بريطانيا من منطقة قناة السويس.. مما سبب هياجا شديدا للبريطانيين وطالبوا بعودته وحاصر القائد البريطاني مدينة الاسماعيلية وعزلها تماما للتفتيش عنه وأرسل أيضا إنذارا لوكيل المحافظة باتخاذ إجراءات عنيفة ضد المدينة.. بل وصل الأمر إلي البرلمان الانجليزي الذي ناقش الانذار وأقره.. ولكن محمد نجيب رفض هذا الإنذار وأصدر أمره إلي وكيل المحافظة برفضه أيضا، بل وعندما طلب مستر هافكي الوزير المفوض البريطاني مقابلة محمد نجيب رفض الأخير تلك المقابلة.. كل هذا أدي إلي قطع المفاوضات مع محمد نجيب.. وتحقق الهدف. المفاوضات.. برئاسة عبدالناصر وعادت المفاوضات للمرة الثالثة برئاسة عبدالناصر، حيث وقع اتفاقية الجلاء بالأحرف الأولي في 72 يوليو 4591 وقد نصت علي أن مدتها سبع سنوات وأن جزءا من القاعدة البريطانية سيظل في حالة تأهب للعمل فورا حسب النص التالي: »في حالة هجوم أي قوة خارجية علي مصر أو علي أي دولة من دول الجامعة العربية أو تركيا والتي رفضها محمد نجيب فإن مصر سوف تقدم المساعدات الضرورية لتجهيز القاعدة وعليها أن تستعد لذلك، كما نصت علي أن تجلو القوات البريطانية عن كل الأراضي المصرية في خلال 02 شهرا ابتداء من يوم توقيع الاتفاقية، وأن تحظي بريطانيا بمركز الدولة الأولي بالرعاية في استخدام التسهيلات المصرية. وفي هذا الصدد كان هناك أحد الشهود الرئيسيين علي سير هذه المفاوضات ومادار حولها وخلفها.. بل كان أحد قيادات الفدائيين الذين قادوا العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال الانجليزي قبل وبعد الثورة في قناة السويس، حيث إنه من معاصري هذه الظروف والملابسات الخاصة بالمفاوضات أيضا ونقصد به حسن التهامي حيث كشف الرجل من خلال أوراقه الخاصة كثيرا من الحقائق حول هذه المفاوضات قائلا: كان الرئيس محمد نجيب يستند في ضغطه علي البريطانيين في مفاوضات الجلاء علي قوة الوطنية المصرية الممثلة في العمليات الفدائية بقناة السويس ولاسيما أنه كان علي معرفة بمعظم عناصرها منذ حرب فلسطين عام 8491، وكان بطبيعته المصرية البسيطة يأتلف مع هذا الفكر المصري الوطني.. بينما كان جمال عبدالناصر يناور بقدرته علي كسب العمل الفدائي مقابل قياداته ورئاسته للتفاوض بدلا من محمد نجيب كما طلب منه ذلك الأمريكان والانجليز عكس ماطلبوه من محمد نجيب وهو إنهاء قوة العمل الفدائي في القناة حتي يشعروا بالاطمئنان وخاصة أن البرلمان في عهد إيدن ومن بعده كانت تقوم فيه زوابع من الانزعاج علي ماأطلقوا عليه حينئذ »حياة أولادهم وأبنائهم ومستقبل حياة أسرهم المقيمة في منطقة القناة في ظل حماية العلم البريطاني.. كانت في خطر.. وكانت أشهر تلك الانزعاجات تلك التي أثيرت عقب عملية مرشح المياه بالتل الكبير والذي قتلت فيه كل القوة الدفاعية البريطانية عن هذا المرشح، مما دفع بإيدن وقتئذ ورئيسه ونستون تشرشل أن يعلنا أنهما سيعملان كل مايمكن عمله لتأمين حياة البريطانيين المقيمين في منطقة القناة في مواجهة هتافات البرلمان البريطاني من أعضائه والتي كانت تردد: إن بقاءنا علي أراضي القناة لا يساوي مانضحي به من أبنائنا علي هذه الأرض. أهداف عبدالناصر الخاصة ويستطرد التهامي بقوله: وكانت هذه الانزعاجات والهلع الذي يصيب البرلمان البريطاني نتيجة قوة التأثير السياسي للعمل الفدائي المصري الوطني في منطقة قناة السويس.. وكان عبدالناصر لعلمه وصلته المباشرة بأعضاء التنظيمات العسكرية التي يقودها ضباط مصريون في العمل الفدائي، فكان يناور بهذه الطاقة الفدائية وقدراتهم علي التأثير من خلف ظهورهم لصالح أهدافه الخاصة والذي كان يخطط لها، وحيث كان يمثل له ذلك العنصر الوطني المصري أداة لتحقيق ماتصبو إليه نفسه وأهدافه الخاصة فقط. وكان يزامل التهامي بالقناة في هذه العمليات الفدائية كمال رفعت الذي اختفي بقطاع واحد في قطاعات الضرب علي الموقع. ثم يعود التهامي لأمر المفاوضات قائلا: إن الاقتراح الذي تقدم به عبدالناصر إمعانا في إظهار مرونة إزاء البريطانيين، وهو مدة السبع سنوات وهي تقع بين المدة المقترحة من محمد نجيب وهي خمس سنوات، والاثنتي عشرة التي كان يراها البريطانيون، فإنه رغم ذلك فقد اتخذ هذا الاقتراح كدلالة لانقسام الجانب المصري وذريعة لقطع المفاوضات مع نجيب، حيث أرسل وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن برسالة إلي وفده بالقاهرة ليرفض هذا الاقتراح أيضا، وعندئذ تأجلت المفاوضات إلي أجل غير مسمي في انتظار التوافق بين الأفكار المصرية والبريطانية، وبالطبع فإن رسالة وزير الخارجية البريطاني أتت بنتيجة لما سبق عرضه من تصرفات واتصالات سرية بين عبدالناصر والمفاوضين الانجليز. ويستطرد التهامي بقوله: إنه رغم وقوفه مع حق محمد نجيب في استمراره علي كرسي رئاسة الجمهورية في أحداث مارس 4591 وعمله الدءوب لدرء التصدع في القيادة المصرية ومنع الشيوعيين علي يد خالد محيي الدين من تولي السلطة بمعاونة عبدالناصر المباشرة، وعمليات عبدالناصر الخداعية في ذلك الحين، فإنه يقول أيضا: إنه مهما كانت الدوافع للقائمين علي المسئولية في مصر فكان لابد من معاونة المفاوض المصري علي تحقيق آمال وأهداف مصر الوطنية. فقد تناقش التهامي مع عبدالناصر عند استلام هذا الأخير مسئولية المفاوضة مع الانجليز، حيث كان التهامي مؤيدا لوجهة نظر محمد نجيب في المدة وهي الخمس سنوات لتصفية القاعدة البريطانية في منطقة القناة، وحول عودة القوات البريطانية إلي القاعدة وكذلك أسلوب إدارة القاعدة وحفاظ القوات المصرية علي منشآت القاعدة دون وجود أي جنود أو ضباط بريطانيين أو عسكريين.. وقد تحدث معه أيضا عن وجود العمل الدولي لتأييد مصر في موقفها عن الجلاء البريطاني عن القناة والذي لابد منه وحيث إنه أحد أهداف الثورة الرئيسية بل كان يعد قمة العمل الوطني قبل الثورة وبعدها مباشرة.. وفي ضوء ذلك يروي التهامي قائلا: لقد قلت لعبدالناصر: إنني علي استعداد لتصعيد العمل الفدائي علي ضفتي القناة وإن أدي هذا إلي إعادة تنفيذ خطة إغلاق قناة السويس أي تكرار عملية اللغم الذي أسماه أنور السادات فيما بعد »التيتل« وبالتالي سأدفع البريطانيين إلي طلب الانسحاب والجلاء حفاظا علي أرواح أبنائهم ونستغل بذلك ردود الفعل السياسية داخل الحكم البريطاني نفسه ولاسيما أن هناك سابقة لذلك في معركة مرشح المياه كدرس سياسي ضاغط.