الآن ونحن نرسم خريطة مستقبل زاهر في أشد الحاجة إلي العقلانية.. لا ننساق وراء الخرافات والأوقام والأساطير، بل تكون وسيلتنا إلي التقدم هي العقلانية، وبالعقلانية يمكننا أن نبني الجسور التي توصلنا إلي غد أكثر أملا وعلما وإشراقا. وقد توقفت طويلا عند دراسة مطولة عن (الفكر الإسلامي وآفاقه الجديدة) للدكتور زكي نجيب محمود، إنه يري أن ما ينبغي لنا أن نفعله بفكرنا الإسلامي اليوم، هو أن نصنع بمشكلات حياتنا، مثل الذي صنعه الأوائل في مشكلات حياتهم، فلا نتكلف المسائل، ولا نتصنع الصعوبات ولا نعيد مشكلات السلف وندعي أنها هي مشكلاتنا، إذن فالخطوة الصحيحة الأولي علي الطريق الصحيح، هي أن نسأل أنفسنا صادقين مخلصين: ما هي معوقات السير التي تفيد خطانا في عصرنا، وماذا تكون حلولها من منظور إسلامي، بمعني أن تجيء الحلول غير متعارضة ولا متناقضة مع العقيدة وشريعتها، وهناك فرق بين أن نبحث عن تلك الحلول فيما بين أيدينا من كتب السلف، وبين أن نصب فاعليتنا العقلية الخاصة علي المشكلات التي تعترضنا، مراعين ألا تجيء نتائجنا الفكرية غير متعارضة مع أصول العقيدة والشريعة، وبمثل هذه الوقفة وحدها يمكن القول بأن لنا ما يصح أن يطلق عليه اسم (الفكر الإسلامي) لأن الفكر في هذه الحالة هو فكرنا، والمشكلة مشكلتنا، وليس للسلف علينا درجة، تبيح أن ننقل عنهم المسائل وحلولها، لأن لنا مسائلنا وينبغي أن تكون لنا حلولها، وبعد أن يستعرض الدكتور زكي آراءه حول أهمية أن نفكر في المسائل بعقلية معاصرة، يحدثنا عن محمد إقبال وكتابه (تجديد الإسلام) ويري أن أبرز حقيقة مما أورده في ذلك الكتاب هو دور (العقل) في حياة المسلم كما أرادها له القرآن الكريم.. فلقد كان الإسلام هو الديانة الوحيدة التي أحالت الإنسان إلي (عقله) فيما تستحدثه له الحياة من مشكلات. ومن هنا كان الإسلام آخر الرسالات الدينية، لأن الرسالة بعد ذلك أصبحت منوطة بعقل الإنسان، وإذا أخذنا باحتكام الإنسان إلي عقله، فقد اعترفنا بضرورة احتكامه إلي (العلم) بما يكشفه من حقائق العالم بمنهجه في البحث، وهو منهج فصلت القول فيه الكتب المتخصصة بهذا الجانب من الفكر العلمي، وحسبنا هذه اللفتة الإقبالية لنتجه بالفكر الإسلامي نحو آفاقه الجديدة. وباختصار شديد بالعقلانية وحدها، يمكننا أن نتجه نحو المرافئ الدافئة، والمستقبل الجميل.