هل يمكن أن يتصور عاقل أن إسرائيل سوف تكف عن اعتداءاتها أو أن توقف انتهاكاتها لكل القيم الإنسانية والأعراف والمواثيق الدولية التي فاقت كل وصف؟ إسرائيل التي سلكت طريق العدوان منذ إنشائها قبل ستين عاما لن تتوقف بالتأكيد إلا إذا كان هناك رادع قوي يوقفها عند حدها.. وهذا الرادع القوي يتمثل في موقف دولي حازم وحاسم يجبرها علي عدم التمادي في غيها وأساليبها العدوانية. والسؤال الآن هو كيف يأتي هذا الموقف الدولي الحاسم وحال أمتنا العربية بهذا الشكل المؤسف ناهيك عن حالة التشرذم التي يعاني منها الإخوة الفلسطينيون الذين أرادوا أن يحاربوا أنفسهم بدلا من أن يحاربوا إسرائيل.. إن وحدة الصف الفلسطيني وتماسكهم هي بالتأكيد أساس حل قضيتهم العادلة بالإضافة إلي تضامنهم مع مصر التي قدمت لهم كل المساعدات والتضحيات وواجهت كل التحديات والضغوط بل وسالت دماء الآلاف من الشهداء في حروب ومعارك متعددة دفاعا عن القضية الفلسطينية. وليعلم الإخوة الفلسطينيون أن انقساماتهم وصراعاتهم الداخلية وخضوعهم لقوي مغرضة تهدف إلي تحقيق مطامع لها وفي مقدمتها قادة إيران هي سبب غطرسة إسرائيل وتعنتها وإصرارها علي مواقفها وتحديها للمجتمع الدولي. عندما قام الرئيس الراحل أنور السادات بمبادرته التاريخية لتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط وهي المبادرة التي هزت وجدان وضمير العالم كله وحازت علي إعجاب وتقدير معظم قادة ورؤساء الدول ومكنت مصر من استرداد كامل ترابها الوطني وقف الإخوة الفلسطينيون ضد هذه المبادرة واعتبروها »خيانة قومية« وراحوا يحاربون مصر بالقول والفعل في مختلف المحافل الدولية. ولقد أكدت مصر مرارا وتكرارا أنها عندما وقعت اتفاقية السلام لم تكن أبدا تسعي إلي إقامة سلام منفرد مع إسرائيل وإنما كان هدفها هو تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط وحصول كافة الأطراف وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني علي حقوقه كاملة ورفض السادات التحدث باسم الفلسطينيين لأنهم أصحاب القضية والقرار قرارهم ومصر تدعمهم وتؤيدهم للحصول علي كافة حقوقهم المشروعة طبقا للمواثيق الدولية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف عقد مؤتمر مينا هاوس عام 1977 الذي دعت مصر إليه لحل المشكلة الفلسطينية علي المستوي الدولي وحضرت الوفود المشاركة في المؤتمر ورفعت الأعلام فوق فندق مينا هاوس بما فيها العلم الفلسطيني وظل الجميع ينتظرون وصول الوفد الفلسطيني للمشاركة في المؤتمر دون جدوي »نعم نحن أصحاب الفرص الضائعة« وماذا كانت النتيجة: مصر حصلت علي أرضها كاملة وبدأت تزاول سيادتها عليها بحكم القانون واعتراف كافة الدول الراعية لاتفاقية السلام وبدأت في تنمية وتعمير سيناء باعتبارها بوابة مصر الشرقية. واستمر الإخوة الفلسطينيون في صراعاتهم الداخلية حتي كانت الطامة الكبري عندما قام قادة منظمة حماس باعلان انفصال قطاع غزة عن الضفة ومحاولة إقامة »إمارة اسلامية« وقدموا بذلك فرصة سانحة للإسرائيليين للتنكيل بهم وحصارهم وتجويع الشعب الفلسطيني من أبناء غزة. ولكي يبرروا مواقفهم وسوء توجهاتهم بدأوا يوجهون الاتهامات لمصر وهو خطأ جسيم ليس في صالحهم أبدا حاولوا أن يختزلوا القضية الفلسطينية في »معبر رفح« علما بأنهم يعلمون تماما أن هناك شيئا اسمه »اتفاقية المعابر« وهي اتفاقية دولية تنظم عمليات العبور بين الأراضي الإسرائيلية والأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال المعابر الخمسة التي تسمح بمرور البضائع والأفراد كما اختلقوا »مشكلة الانفاق« التي تعد انتهاكا لسيادة مصر علي أراضيها لكي يعمقوا من خلافاتهم مع هذا البلد الذي قدم لهم ولقضيتهم أكثر من أي طرف آخر يريد أن يتاجر بقضيتهم. والشعب اليهودي الذي ذاق علي مدي تاريخه أشد وأقسي أنواع الاضطهاد وكان آخرها »المحرقة« التي تعرض لها علي الحكم النازي في ألمانيا وراح ضحيتها كما يدعون ملايين من اليهود عليه أن يراعي ضميره ويكف عن الظلم واغتصاب حقوق الآخرين. ولقد فوجئ الجميع من إقدام السلطة الإسرائيلية علي منع وزير التعاون الدولي الألماني من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة لتفقد أحوال الفلسطينيين وهو ماسوف يثير بكل تأكيد مشاعر أبناء الشعب الألماني الذين أصبحوا يشعرون بالظلم والقسوة في تعامل الإسرائيليين مع أبناء الشعب الفلسطيني العزل.. أليسوا هم الذين يرددون شعار »حتي لا ننسي« في محاولة لاستمرار إذلال أبناء الشعب الألماني.. وهو مادعا المستشار الألماني السابق جيرهارد شريدر إلي أن يعلن أنه من جيل يشعر أنه غير مسئول عن جرائم النازية ضد اليهود وهو ماكان بمثابة صدمة جبارة للإسرائيليين جميعا وعلي كافة المستويات الشعبية والرسمية. إسرائيل لن ترتدع إلا إذا شعرت أن هناك وحدة صف فلسطيني وتضامنا عربيا حقيقيا يعمل له العالم ألف حساب ويؤدي في النهاية إلي حل عادل للقضية الفلسطينية.