الملك فاروق (وقد أطلق لحىته) وإلى جانبه الملكة فرىدة فى الأعوام الأولى من الزواج ذات يوم ذهب فاروق ليتناقش مع زوجته فريدة في الوضع بينهما الذي وصل إلي أسوأ حالاته، فقالت له: »اذهب وتزوج«، وخطر له أن يتزوج مرة أخري دون أن يطلقها، ومن ثم يحرر نفسه ولا يعطيها الحرية، ولكن هذه الفكرة لم تنضج، كما ينتفي شرط العدل، ولم يأت منتصف نوفمبر 1948 إلا وانتشرت الشائعات عن قرب الطلاق، وأختار فاروق الوقت الذي تموج فيه مصر بالانفعالات لحرب فلسطين، أيضا حرص علي أن يكون طلاق أخته مقرونا بطلاقه حتي يمتص غضب الشعب الذي يخشاه، وكان قد سبق أن طلب من الشيخ المراغي قبيل وفاته، وعندما راودته مسألة الطلاق إصدار فتوي تحرم علي فريدة الاقتران بزوج آخر، لكن الشيخ رفض كما عارض أن يصدر ما يمنعها من رؤية بناتها، حيث لا يتفق هذا ولا ذاك مع الشريعة الإسلامية، فتعرض لتأنيب من الملك لذلك الموقف.. وعليه تتضح درجة الأنانية التي تمتع بها فاروق، وامتزجها بالرغبة في التعذيب والقسوة، وتلك من قسمات شخصيته. طلاق فاروق لفريدة وفي 19 نوفمبر 1948 صدر بلاغ رسمي من الديوان الملكي عن طلاق فاروق لفريدة وطلاق شاه إيران لفوزية، وتم الإشهار، وأصر الملك علي أن يكون بائنا، وعد ذلك كرما منه، وبين أنه كان في إمكانه الزواج بغيرها ثم ردها إلي عصمته، لكنه لم يرد الإيذاء. وواضح أنه قطع أي أمل في العودة، وأعلن تنازله لها عن تفتيش الفريدية والمجوهرات التي أهداها لها وحريتها في الإقامة، واستردت اسم صافيناز، وانتقلت إلي بيت والدها وأصطحبت فادية صغري بناتها لحضانتها واشترط فاروق أنه في حالة زواج الأم تعود حضانة الابنة إليه وتركت فريال وفوزية بالقصر، وصدر الأمر بأن يكون لفريدة مكان خاص في البروتوكول يأتي بعد الأميرات والنبيلات. وتلقي الناس الخبر بوجوم وغضاضة.. ويكتب السفير البريطاني عنه للندن: »بدون شك فإنه استقبل استقبالا سيئا من الشعب وساعد علي تخفيض مكانة جلالته«.. ثم يعود ويذكر أنه قامت مظاهرة أو اثنتان لصالح الملكة السابقة وبالطبع لم تشر الصحافة لذلك، كما ذكر أنه كان للحدث رد فعله علي النساء المسلمات، وبالفعل خرجت بعض مدارس البنات تهتف لها، وبذلك خسر فاروق الكثير بخروجها من قصره إذ كانت تمثل رمز النقاء والشرف أمام الأعين، وجلست في بيتها وحيدة وعندما ذهبت يوما إلي السينما في وقت تقرر فيه زواج الملك من ناريمان هتف الناس لها »لا ملكة إلا فريدة«، ومرة أخري دخلت مكتبة لتشتري كتبا، فالتفت حولها الجموع وتعطلت حركة المرور، وأخرجتها الشرطة من الزحام، وحذرها البعض من أن رصاصة طائشة قد تصيبها، وكان المقصود تخلص فاروق منها، بعد أن امتلأ حقدا وغيره من مكانتها بين الشعب في وقت فقد فيه أي اعتبار لديه. وتعصب فاروق من أن اسم الملكة مازال يدوي، ففي 9 أبريل 1950 اتصل كريم ثابت المسئول عن الصحافة بالقصر الملكي بالسفير البريطاني معربا عن استيائه حول تقرير وصل من عبدالفتاح عمرو حول مقال تحت عنوان »الاسم كان جنة ولكن الحياة كانت جحيما« في طريقه للنشر، وطلب الملك منع النشر، ويبلغ كامبل حكومته لتنفيد الرغبة الملكية، خاصة أن إجراءات الزواج الثاني تجري، كما بين أن المقال سيكون له أثره الهدام علي العلاقات معه.. ولم تغفل الصحافة المعارضة الإشارة لصافيناز والتي حملت الكثير من المعني.. أما هي فقد هنأت فاروق علي زواجه الثاني وعلي ولادة ولي العهد.. وكان في ذلك علو منها وسمو وبخاصة أن الأمر حساس، لكن قلبها لم يحمل كرها ولا ضغينة، ولذلك احتفظت بحب الجميع لها لدرجة أنه بعد تنازل الملك عن العرش، تصدرت صورتها غلاف مجلة »المصور« وعلق عليها »حبيبة الشعب« وبذلك يتضح كيف أثر الزواج الأول لفاروق علي حياته الخاصة. الملك يفتقد مقومات الشباب أما عن ارتباط حياة فاروق بهوي النساء ومغامراته معهن ونزواته العاطفية كما تذكر الدكتورة لطيفة محمد سالم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية آداب بنها فقد أرتكزت علي اعتبارات معينة، إذ جاء إلي الدنيا بعد طول الانتظار، وأقترن منذ نعومة أظافره بالجنس الآخر »أمه ومربيته وأخواته« وأعطي له الاهتمام الخاص بوصفه ولدا ووريثا للعرش، فأحس بقوة عنصره، وعندما سافر إلي بريطانيا للتعليم، وبحكم اندماجه مع بعض الزملاء عرف طريق الفتيات، حيث إن ظروف المجتمع تجعل مثل هذه الأمور مسألة عادية، وعقب عودته لمصر، حَّد ارتباطه بفريدة من التوسع في مثل تلك العلاقات، كما إن حبه لها ألزمه في بداية الزواج بالإخلاص لها، ولكن الحال لم يستمر لأكثر من عامل: الحاشية المقربة وعلي رأسها بوللي الذي زين له أعمال الشيطان، ورغبته الكامنة في الاستيلاء عنوة علي المرأة، وبخاصة إذا لم تكن خالية وهذا يدخل تحت حبه اقتناء أملاك الغير، وذلك الإحساس بأن كل شيء مسخر له وخاضع لإرادته، ومن ثم فإن سعادته تكتمل باستسلام النساء له وخضوعهن لرهن إشارته شأنهن في ذلك شأن رجال الدولة. ولعل أهم عامل ماكان يعانيه فسيولوجيا،. فقد ذكر حسين سري للسفير البريطاني أنه تأكد من حقائق معينة جعلته يثق بأن الملك لا يذهب مع النساء إلي آخر المطاف. هذا وقد قرر طبيبه أن بعضا من غدده لاتؤدي وظائفها تماما حتي أنه كانت هناك فكرة لإجراء عملية للغدد الخاملة، وهنا سأل لامبسون رئيس الوزراء كيف أنه أنجب بنتين، فأجابه بأنه ليس عقيما وإنما يفتقد مقومات الشباب ويعلق لامبسون لحكومته: » وهذا التركيب غير الطبيعي لا يستبعد انعكاس تأثيره علي عقله« ويطلب من إيدن سؤال طبيب عن مثل تلك الحالة، وعليه تم الاتصال بالدكتور هنري وكان قد سبق أن أجري الكشف عليه عندما كان في لندن، وفي ذلك مايفيد بأن هذا الخلل لم يكن طارئا، ولكنه يعود لفترة ماقبل الزواج، ورأي الطبيب الانجليزي أن يقوم كونصلتو من أطباء الجيش الموجودين في مصر بفحصه لو أراد، كما أبلغت الخارجية البريطانية سفيرها للاتصال بالطبيب المذكور، وعمل التسهيلات اللازمة له إذا كانت زيارته للملك ضرورية. ولكن علي مايبدو أن الحالة استمرت علي ماهي عليه، وبالتالي انعكس ذلك علي تصرفاته، فأراد أن يظهرها بما يدل علي أنه في كامل قواه الشبابية، وتجمعت العوامل لتعطي نتيجة واحدة وهي انجرافه في درب الهوي دون الأكتراث بالدين أو التقاليد، مؤمنا بأن حياته الشخصية ملك له وحده. وبدأ يسبح مع هذا التيار عقب بداية الحرب، وكان بوللي قواده الأول، وتردد الحديث بين الناس عن تعلقه بالأجنبيات، وبالطبع فإن للإيطاليات مكانة خاصة حتي إنه بتدخل من القصر أطلق سراح المعتقلات من القوادات الأجنبيات المشهورات في الاسكندرية وأحيانا كانت عيناه هي التي تختار المرأة المفضلة له ولو بصحبة رجل ويتولي بوللي إحضارها بأي طريقة، وأحيانا أخري يتولي الأخير الاختيار، فينصب شباكه ويدفع بالصيد لمليكه. ويذكر أن الأميرة شويكار أسهمت بنصيب في خلق أجواء دفعت الملك إلي الرذيلة، وهي الزوجة الأولي لفؤاد لكنه طلقها، فأنتابها شعور دفين بأنها أحق من نازلي في المكانة التي أحتلتها، ومن ثم رأت استدراج إبنها إلي تلك الحفلات التي أقامتها لتبعده عن الطريق المستقيم وتنتقم لنفسها من أمه، وأن المدعوين لها أصبحوا بطانة الملك فيما بعد وعلي رأسهم هيلين موصيري وهي سيدة يهودية من القوادات المعروفات.