هناك شخصيات خلقت في دنيانا وهمها أن تنغص حياة الآخرين، بلا سبب إلا لإطفاء نار حقدهم وحسدهم وتأنس نفوسهم المريضة برؤية مصائب الآخرين.. بلا مبرر إنها نفوس طبعت علي الغدر والخسة، ولايرتاحون إلا برؤية مآسي الآخرين.. إنهم مشعلو الحرائق بلا مبرر. دارت هذه الخواطر في نفسي وأنا أقرأ أحداث التاريخ من خلال كتاب (قيام دولة) للباحث إبراهيم الإبياري، إنه يتحدث عن قيام الدولة العباسية علي أنقاض الدولة الأموية،ومافعله العباسيون بالأمويين في أول عهدهم بالخلافة، بعيد كل البعد عن سماحة الإسلام وعن المبادئ والقيم الإسلامية والإنسانية، فقد سفك أبوالعباس عبدالله بن محمد، الذي أطلق عليه السفاح كثيرا من الدماء عندما تولي الخلافة مايفوق أي تصور وخيال، والعجيب أن البعض من مشعلي الحرائق، شجعوه علي ما يفعله من قتل ووحشية، بدلا من أن ينصحوه بالتسامح الذي أمر به الإسلام، وليس بالانتقام البشع الذي اقترفته يد هذا السفاح. و.. ما أكثر القصص التي رواها هذا الكتاب عن الانتقام البشع الذي قام به هذا الخليفة! عندما تولي الخلافة من أعدائه بني أمية.. وما أكثر ماحرضه الآخرون علي ذلك، وهم سعداء برؤية الضحايا والدماء والأشلاء. مثلا يدخل عليه كما يقول المؤلف الشاعر سديف وعنده سليمان بن هشام بن عبدالملك، بعد أن استعطفه فعطف، وبعد أن استرحمه فرحم، وبعد أن استرقه فرق له، وهو إلي جانبه آمن وادع مطمئن، فما هو إلا أن يحركه (سديف) بيتين من الشعر أنسي بهما أبوالعباس عطفه الذي أباح، ورحمته التي أتاح، ورفقه الذي إليه استراح، وإذا هو غادر بهذا كله، ناقض لهذا كله، خارج علي هذا كله. يقول الشاعر سديف: لا يَغُرَّنْك ماتري من رجال إن تحت الضلوع داءً دويَّا فدع السيف وارفع السوط حتي لاتري فوقها أمويا فإذا بالعباس، العاطف الراحم الرقيق، السفاح الغليظ القاسي الجاني، وإذا يداه اللتان انبسطتا لإيناس ضيفه تمتدان لقتله. وصور هواة إشعال الحرائق.. موجودة في عصر.. وستظل طالما وجد علي الأرض مثل هؤلاء الأشرار.. وهم موجودون في كل عصر وآن.