أسدل الستار بالأمس علي ماراثون انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري بجولتيه الأولي والإعادة. بعد معركة تنافسية شرسة بين عدد من المرشحين من مختلف الأحزاب والتيارات السياسية بدت أقرب لبروفة لانتخابات مجلس الشعب التي ستجري بعد شهور قليلة وكذا الانتخابات الرئاسية نهاية العام المقبل.. قوة المجلس وصلاحياته التي اتسعت بعد التعديلات الدستورية الأخيرة عام 2007 ضاعفت من حماسة المعركة الانتخابية، خاصة بعدما بات أداؤه يتميز بالحيوية والفعالية وباتت آراؤه ملزمة في إصدار وتشريع العديد من القوانين الهامة، علاوة علي أن اتساع مناخ الحرية والديمقراطية في الحياة السياسية بمصر في الآونة الأخيرة قد أتاح للأحزاب الشرعية فرصاً متساوية لخوض الانتخابات التشريعية والمنافسة فيها بفاعلية وبدون تمييز.. الاستعدادات المكثفة لمرشحي 13 حزباً إلي جانب عدد كبير من المستقلين منحت معركة الشوري الأخيرة لقب الأسخن منذ إنشائه عام 1982 حيث تباري الجميع في عرض وجهات نظرهم وخطط عملهم بلا أية حواجز أو معوقات.. ما جعل من عملية التنبؤ بنتائجها قبل يومي التصويت أمراً صعباً للغاية.. غير أن صناديق الاقتراع حسمت الأمر لأصحاب البرامج الانتخابية العملية، ولم تنخدع بشعارات براقة أو وعود زائفة، ليحصل الحزب الوطني في الجولة الأولي علي 74 مقعداً وتنال أحزاب التجمع والغد والناصري والجيل الجديد أربعة مقاعد أخري، بينما خرج مرشحو جماعة الإخوان المسلمين بلا أية مقاعد، وقبلها بلا مصداقية لدي القاعدة العريضة من الجماهير، كنتيجة مباشرة لتمسكهم بشعارات طائفية وآليات عمل تخلط الدين بالسياسة.. ورغم أن الانتخابات قد أسفرت لأول مرة عن تحقيق أحزاب المعارضة لمقاعد بمجلس الحكماء الذي تتسم دوائره (علي عكس مجلس الشعب) بالاتساع الجغرافي، إلا أن الوطني نجح في الاحتفاظ بالأغلبية المطلقة، كما فازت علي قوائمه أول سيدة تدخل الشوري بالانتخاب، هدي الطبلاوي، فضلاً عن فوز الأقباط الثلاثة الذين رشحهم من الجولة الأولي وبتفوق واضح. الأمين العام للحزب الوطني، صفوت الشريف، كان واثقاً من تحقيق ذلك الفوز الكبير.. بل "كان أمراً متوقعاً" علي حد قوله، معتبراً "أن مرشحي الوطني كانوا الأقوي في دوائرهم، والأجدر بالفوز بما حققوه من إنجاز والتزام ببرنامج واضح".. بينما كانت فرص المستقلين معدومة، لاسيما أن دوائرهم تضم عدة مراكز أو أقسام يصعب عليهم الفوز فيها مقارنة بمرشحي الحزب الوطني الذي يتمتع بمعدلات انتشار واسعة بين الناخبين، كذلك فقد ساهم افتقاد المستقلين لبرامج عمل واضحة واعتمادهم علي وسائل وشعارات لا تتناغم ووعي المجتمع في ابتعادهم عن المنافسة. كلام الأمين العام يؤشر إلي أن عملاً مؤسسياً دقيقاً دار داخل أروقة الحزب الوطني قبل وأثناء الانتخابات، فأمانات الحزب بالمحافظات كانت تعمل علي قدم وساق ومن خلال غرف عمليات مركزية لدعم المرشحين وبرامجهم في مختلف الدوائر علي مستوي الجمهورية، وعليه جاءت النتائج كثمرة لهذا الجهد الكبير، وفي الوقت ذاته، وحسبما يشير الدكتور محمد الغمراوي أمين الحزب الوطني بالقاهرة إلي الانتخابات، كانت النتائج "معبرة عن قدرات المرشحين وشعبيتهم وبرامجهم القوية التي تعبر عن تطلعات المواطنين وأحلامهم".. ويضع حزب الأغلبية في الشوري أمام نوابه الجدد إضافة إلي النواب القدامي وال 44 عضواً الآخرين الذين سيعينون بقرار جمهوري هدفاً استراتيجياً يرمي لاستكمال البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك بكافة تعهداته وأهدافه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من خلال المشاركة الفعالة داخل الحياة النيابية بمجلس الحكماء، ومن ثم تمت مراعاة عدد من الأسس والسمات أثناء اختيار مرشحي الوطني في الانتخابات، كان أهمها التحام المرشح بالقاعدة الجماهيرية في دائرته، وبالتالي لم يكن مستغرباً أن يتم اختيار مرشحي الوطني في الجيزة مثلاً بناء علي استطلاعات الرأي من الشارع كما يؤكد الدكتور شريف والي أمين الحزب بالجيزة. وهو ما تكرر أيضاً في محافظة حلوان، إذ أوضح عبدالحي عبيد أمين الحزب الوطني بالمحافظة أن الانتخابات عبرت عن مدي تفوق الحزب الوطني الكاسح وتواجده بين المواطنين بدليل أن مرشحه في هذه الانتخابات المهندس اسماعيل نصر الدين حصد أعلي الأًصوات (218445 صوتاً) بين جميع المنافسين، وبفارق كبير عن أقرب منافسيه ورغم كل تجاوزات أنصار مرشح المحظورة.. وفي الاتجاه نفسه لفت الدكتور هاني الناظر أمين الحزب الوطني بمحافظة 6أكتوبر إلي أن مرشح الوطني في دائرة البدرشين علي مقعد الفئات عصام الخولي حقق نجاحاً مستحقاً بفضل ما يتمتع به من شعبية داخل الدائرة، ولتنسيقه الدائم مع أمانة الحزب بالمحافظة خلال المؤتمرات الجماهيرية ما مكنه من حشد أصوات الناخبين من أعضاء الحزب. يشار إلي أن إجمالي عدد أعضاء مجلس الشوري 264 عضوا يقوم رئيس الجمهورية بتعيين ثلثهم، بينما يتم تجديد الثلثين الآخرين في انتخابات تجري كل ثلاث سنوات، وكان عدد من لهم حق التصويت في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري25 مليونا و435 ألف ناخب، حضر منهم 7 ملايين و899 ألفا بنسبة مئوية جاوزت 30 في المائة، وبلغ عدد اللجان الفرعية 28 ألفا و690 لجنة، وجرت الانتخابات علي مقعد واحد في 45 لجنة فيما جرت علي مقعدين في 10 لجان.. النواب الجدد لمجلس الشوري والذين يدخلون مجلس الحكماء لأول مرة، كانوا الأكثر سعادة بين المرشحين الفائزين في الانتخابات، الأمر الذي انعكس في حرصهم علي التواجد بين أروقته في اليوم التالي لإعلان النتائج.. كما بدأوا علي الفور في إتمام إجراءات الالتحاق بالمجلس و ملء الاستمارات واستخراج الكارنيهات. وفي المقابل حرص صفوت الشريف رئيس المجلس علي استقبال النواب داخل بهو مبارك والاطمئنان علي سهولة ويسر إتمام الاجراءات الخاصة بهم وتذكيرهم بالمهمة الثقيلة التي باتت علي عاتقهم. وقد صافح الشريف النواب الجدد من لحظة دخوله إلي بهو المجلس، وهنأهم بفوزهم في الانتخابات وداعب أعضاء الأمانة العامة المسئولين عن إنهاء الإجراءات ومدير تصوير المجلس خالد مشعل قائلاً:"عاوزين صور حلوة للأعضاء الجدد أما القدامي اعملوا لهم صور شابة". يشار إلي أنه لأول مرة يتم تأسيس ستديو تصوير داخل المجلس لخدمة النواب وقال خالد مشعل إن الاستديو تم تزويده بأحدث كاميرات التصوير "الديجيتال" لتسهيل عملية تصوير النواب لاستخراج كارنيهات العضوية. كانت أمانة المجلس برئاسة المستشار فرج الدري قد شكلت لجنة استقبال من موظفي الأمانة للإجابة علي أي توضيح أو استفسار للنواب الجدد، وقال رفعت مطاوع نائب الأمين العام للمجلس، المسئول عن متابعة اجراءات سير عمليات ملء استمارات العضوية، إن البيانات التي يقوم النائب بملئها أغلبها شخصية، كمؤهله الدراسي والشهادات العلمية التي حصل عليها، ومجال عمله، فضلاً عن مناقشته واستطلاع رأيه حول اللجنة التي يرغب في اللالتحاق بها. ومن المتبع أيضاً أرشفة صورة من البطاقة الشخصية للنائب وعدد من الصور الشخصية يتم الاحتفاظ بها للاستعانة بها عند الحاجة، كما يتم توزيع حقيبة لكل نائب تضم اللائحة الداخلية للمجلس ونسخة من الدستور، و"شارة" السيارة وشعار المجلس الذي يوضع علي البدلة. هدي الطبلاوي مرشحة الوطني بمحافظة كفر الشيخ والعنصر النسائي الوحيد القادم إلي المجلس عبر صندوق الانتخابات عبرت عن فرحتها الغامرة بالعمل النيابي ست سنوات قادمة داخل أروقة الشوري العريق فقالت: "أشعر بالفخر لأنني المرأة الوحيدة المنتخبة علي قوائم الحزب الوطني، وسعادتي لا توصف لدخولي هذا الصرح العملاق مبني مجلس الشوري الذي هو بمثابة هرم رابع"، مؤكدة أنها لم تكن تتخيل أن يكون المجلس علي هذا القدر من الروعة والجمال خاصة بعد حادث الحريق الذي تعرض له. وهو الشعور ذاته الذي تملك عدداً من النواب الجدد مثل ممدوح قاسم من محافظة البحيرة وسامي الرشيدي (بورسعيد) وأنور كرم (الاسكندرية)، والذين كانوا يتجولون بين أروقة المجلس في سعادة وانبهار لما يتمتع به من فخامة وعراقة وتراث.. النائب ممدوح قاسم من محافظة البحيرة عكست عيناه نظرات فخر واعتزاز فيما كان يتجول داخل بهو مبارك، والبهو المفتوح معبراً عن إعجابه الشديد بالمجلس، مؤكداً أنه شرف كبير له أن يجلس تحت قبة الشوري العريق وأن يكون عضواً وسط كوكبة الحكماء والعلماء. أما سامي الرشيدي النائب الجديد من محافظة بورسعيد، فقد حضر إلي المجلس بصحبة النائب أحمد سرحان الذي أطلعة علي المجلس، وأخذ يصافح النواب القدامي الحاضرين، وقال إنه سعيد بوجوده في هذا المجلس العريق الذي أضيفت له صلاحيات واسعة بعد التعديلات الدستورية الأخيرة وبات الجناح الثاني للبرلمان المصري، لكن الرشيدي كان متلهفاً علي التقاط صورة فوتوغرافية داخل قاعة المجلس الكبري (قاعة الجلسات)، وبالفعل دخل القاعة، والتقط بعض الصور الفوتوغرافية. بينما قال النائب أنور كرم (الاسكندرية) في سعادة غامرة.. أشكر الحزب الوطني الذي ساعدني لأمثل أهالي دائرتي داخل هذا المكان العريق، وأنه شرف لي أن أكون عضواً بهذا المجلس بكيانه التشريعي والرقابي وشرف لي أن أتواجد في هذا المبني الفخم الذي لم أكن أتوقع أن يكون بمثل هذا الشكل فهو تحفة معمارية. ولم يكن النواب الجدد (الزيرو) فقط هم من حرصوا علي الحضور مبكراً لمجلس الشوري، بل رافقهم عدد كبير من نواب المجلس القدامي الفائزين في انتخابات التجديد النصفي، أمثال النواب محمد ماهر ومعوض خطاب (القاهرة)، وخالد خيري (الاسكندرية)، وأحمد سرحان (بورسعيد)، إلا أن ملامح السعادة والفرحة لدي النواب الجدد كانت أكبر بكثير عن تلك التي أظهرها النواب القدامي، الذين يبدو أنهم اعتادوا علي تواجدهم بالمجلس. معوض خطاب الفائز بمقعد الفئات عن الحزب الوطني بالدائرة الأولي (روض الفرج)، أكد أنه خاض الانتخابات وسط تأييد من أهالي الدائرة وحقق الفوز عن جدارة، وتعهد باستكمال البرنامج الانتخابي للحزب الوطني في انتخابات الشوري والمستمد من استكمال تعهدات البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك.كما أشار المرشح الفائز في الدائرة الثانية بالقاهرة محمد ماهر إلي أنه كان فخوراً بتمثيله للحزب الوطني خلال الانتخابات، نظراً لما يمثله الحزب من ثقل سياسي ملئ بالإنجازات، والبرامج التي تضع مصلحة المواطن فوق كل الاعتبارات. ومن المفارقات التي شهدها المجلس أيضاً أن هشام عبدالمجيد موظف بقطاع الشئون المالية بالأمانة العامة لمجلس الشوري خاض انتخابات التجديد النصفي وفاز بمقعد الفئات بالدائرة الثانية مركز الواسطي محافظة بني سويف. ظهور أحزاب المعارضة الشرعية داخل مجلس الشوري للمرة الأولي كان أكبر تأكيد علي شرعية العملية الانتخابية ونزاهتها، وهو ما أكده النواب الأربعة الفائزون في المعترك الانتخابي الانتخابي الأخير حيث قال موسي مصطفي موسي رئيس حزب الغد، الفائز بمقعد الفئات عن دائرة الجيزة (أول)، أنه لا صحة علي الإطلاق لما يروجه البعض عن عقد صفقات مع الحزب الوطني ليفوز بمقعد الدائرة، مؤكداً أن حزبه حقق نتيجة كبيرة خلال الانتخابات أدت لفوزه بالمقعد، مشيراً إلي أنه سيستمر في الالتحام بالجماهير لتنفيذ برامج حزبه وأهدافه السياسية. فيما أشاد أحمد صالح العجوز الفائز بمقعد العمال بالدائرة الرابعة عن حزب الجيل، بنزاهة العملية الانتخابية وسيرها في جو من الشفافية والديمقراطية، مؤكداً أن الانتخابات في دائرته لم تشهد أي تجاوزات خلال عملية الاقتراع. انتهي استحقاق الشوري بما له وما عليه، لكن المنافسة علي حصد أصوات الناخبين بين مختلف الأحزاب السياسية لم تنته بعد، فبعد أقل من بضعة أشهر ستنطلق معركة الشعب الأصعب والأقوي، ولامناص أمام الأغلبية أو المعارضة إلا الاستعداد مبكراً لعبور هذا الاختبار المحفوف بالمخاطر والذي ستتحدد علي إثره ملامح انتخابات الرئاسة المقبلة.