قبل نحو تسع سنوات، كانت الناشطة في مجال حقوق الحيوان رانيا الكردي علي موعد مع القطة الجميلة »إيلسي». جمعت بينهما مشاعر قوية. الكردي اعتبرت إيلسي بمثابة ابنتها. اهتمت بها ووفرت لها كل سُبل الرعاية وأقامت معها في المنزل. وقبل أكثر من عام أصيبت إيلسي بكدمة في ساقها، وعلي الرغم أن المشكلة بدت بسيطة تواصلت الكردي مع طبيب بيطري معروف لعلاج القطة، لكن الحالة تدهورت، وانتهت بالموت! »الإهمال الطبي وصل إلي العيادات البيطرية». هكذا قالت رانيا الكردي ل»آخرساعة»، مؤكدة حدوث خطأ في تشخيص الطبيب البيطري لحالة قطتها، مضيفة: لقد أعطي القطة مضادات حيوية وكورتيزون وعلاجات علي مدار أشهر بهدف التخلص من الكدمة التي أصابت ساق القطة، ما تسبب في هدم مناعتها، وبعدها قام الطبيب بسحب عينة دم من الكدمة لإجراء تحاليل، لكن التورم أخذ في الزيادة، فسحب عينة أخري من الدم ومن عظام الساق من خلال عمل فتحة عند كف اليد، ورغم أن نتيجة التحاليل أوضحت إصابتها بمرض »ميرثا» لم يذكر الطبيب ذلك. ومع تدهور حالة القطة، استشارت الكردي أطباء أجانب خارج مصر، وأرسلت لهم صور التقارير الطبية، فأكدوا أن الطبيب أخطأ في إجراءاته، وأن القطة مصابة ب»الميرثا»، ونتيجة تهدم مناعتها تدهورت صحتها جداً، وأوصي الأطباء الأجانب بسرعة بتر الساق وإلا ستصاب القطة بتسمم في الدم، وبالفعل تم بتر الساق علي يد طبيب آخر. طبيبة أمريكية في الولاياتالمتحدة حين اطلعت علي التقارير الطبية اندهشت من قيام الطبيب بعمل فتحة في قدم القطة من عند كفها لأخذ عينة من العظام، وقالت إن هذا سبب من أسباب تدهور حالتها حيث لم يلتئم هذا الجرح. الكردي اعتبرت أن ما حدث يعكس عدم اكتراث بحقوق الحيوان في مصر، مقارنة بما عليه الحال في دول العالم المتحضر، الذي ينتفض فيه الناس لمقتل قطة أو تعرض كلب لعملية اعتداء، لذا لم تتوان في ملاحقة هذا الطبيب قضائياً، وحركت ضده قضية تتهمه فيها بالتسبب في موت قطتها، وهي القضية المنظورة حالياً في محكمة »جنح التجمع الخامس»، وتعد الأولي من نوعها في تاريخ القضاء المصري. المهتمون بحقوق الحيوان في مصر تابعوا قضية »إيلسي» عن كثب، خاصة في ظل اتهام طبيب بيطري بالتسبب في مصرعها، وقد أجل القاضي النطق بالحكم إلي جلسة 26 فبراير الجاري، بينما حرصت صاحبة القطة، رانيا الكردي، علي الذهاب إلي المحكمة، في الجلسة السابقة، 30 يناير الماضي، واكتفت برفع لافتة كتبت عليها هاشتاج »إيلسي حقك مش حيضيع»، في إشارة إلي تمسكها بالقضية، بينما كتبت علي صفحتها علي موقع »فيسبوك» أنها متفائلة وواثقة من نزاهة القضاء المصري، وقالت إنها ستنفق آخر جنيه في جيبها في سبيل إعادة الحق إلي قطتها. وبعيداً عن الحكم المنتظر، تستعرض »آخرساعة» قصة القطة »إيلسي» من خلال صاحبتها، حيث تقول رانيا الكردي: إيلسي هي قطتي، وبنتي. كانت أجمل شيء في حياتي، خاصة بعد وفاة أمي.. عاشت معي تسع سنوات، وبعد فقد بصرها أصبحت هي نور بيتي. كانت قطة جميلة ونادرة ولم أبخل عليها يوما بشيء حتي آخر يوم في عمرها. بتأثر شديد تتابع: »في يوم من الأيام اتصلت بي العاملة عندي، وأبلغتني أن إيلسي تعرج في مشيتها بشكل بسيط، وبالفعل لاحظتُ وجود ورم بسيط، وهنا تواصلتُ مع الدكتور معتز، باعتباره طبيبا بيطريا ذائع الصيت في أوساط المهتمين برعاية وتربية الحيوانات الأليفة، وفي عيادته كتب لها مضاداً حيوياً ومرهماً، إلا أن الكدمة ظلت موجودة، وهنا سحب عينة دم من الكدمة لتحليله». تواصل الكردي: »بعدها الورم بدأ يزيد جداً وهنا طلب الدكتور سحب عينة دم جديدة لتحليلها، وكذلك عينة من العظام لمعرفة سبب الورم، وبالفعل أخذ عينة الدم وأرسلها إلي معمل »كايرو لاب» للتحليل، رغم أن هذا المعمل كما هو معروف متخصص في تحليل العينات البشرية وليس الحيوانية، بينما أرسل عينة العظام إلي متخصص تحليل عظام بيطري، وبعد ظهور النتيجة لم يخبرني الطبيب بأن القطة مصابة بمرض »ميرثا» وكتب العلاج». وتوضح الكردي أنها عرفت بمرض القطة ب»الميرثا» حين أرسلت صورة من نتائج التحاليل إلي أطباء بيطريين أجانب خارج مصر، وتقول: »الطبيب لم يخبرني بهذا الأمر رغم خطورته، لأن هذا المرض ينتقل من الحيوان إلي الإنسان عبر الدم من خلال أي جرح بسيط، وبالتالي كانت حياتي أنا شخصياً معرضة للخطر، لأنني أربي وأتعامل مع قطط أخري كثيرة، ولا تخلو يدي من »الخرابيش»، وظل مكان سحب العينة في ساق القطة مفتوحاً لفترة، إلي أن تدهورت حالتها وأجريت لها جراحة لبتر ساقها عند طبيب آخر. تتابع: الميرثا مرض يصيب الإنسان أو الحيوان، وينتقل أيضاً من إنسان لآخر، لأسباب عدة من بينها أن تكون غرف العمليات غير نظيفة أو نتيجة استخدام أدوات طبية غير معقمة، وقد واجهت الطبيب بهذا الكلام بعدما اكتشفت إصابة القطة بهذا المرض، فرد وقال إنه عالجها من هذا المرض، لكنني اندهشت من أنه كان علي علم بذلك ولم يخبرني بالأمر لآخذ احتياطاتي! تتابع: كنت علي يقين أن عدم نظافة العيادة هو سبب تدهور حالة »إيلسي» لأن حالتها استمرت في التدهور بصورة ملحوظة خاصة بعد استخدام السرنجة لأخذ عينة الدم من الكدمة، ورغم ذلك كانت ثقتي في هذا الطبيب كبيرة في أن يتمكن من علاجها باعتباره »دكتور شاطر»، لكن للأسف هذه الثقة لم تكن في محلها، وماتت قطتي في 21 يناير 2018 متأثرة بمعاناتها الشديدة مع المرض علي مدار أكثر من عام. »عانت إيلسي كثيراً». قالت الكردي، قبل أن تختتم حديثها بأنها قامت بدفن القطة في نادي الجزيرة، داخل مدفن للحيوانات، أنشيء لهذا الغرض إبان فترة الاحتلال البريطاني لتُدفن فيه الكلاب والقطط النافقة. من جانبه قال المحامي بالنقض محمد درويش الذي يتولي القضية، إنها تعد القضية الأولي من نوعها في تاريخ القضاء المصري، إذ لم يسبق من قبل أن تم توجيه اتهام لطبيب بيطري ب»إتلاف حيوان»، لافتاً إلي أنه لا توجد قوانين في مصر تجرم الإهمال الطبي البيطري، حيث إن هناك نصوصاً في قانون العقوبات تجرم فقط الإهمال الطبي العادي، ولذا يجب أن يسعي البرلمان إلي سن قانون خاص بالحيوانات وحقوقها. يتابع درويش: اعتمدت في هذه القضية علي مادة في قانون العقوبات تعاقب علي إتلاف الحيوانات، وقمنا بالقياس عليها في حالة القطة »إيلسي» حيث إن هذه المادة موضوعة في القانون لأمور تتعلق بالمواشي، مثل حالة مثل سرقة عنزة أو تسبب شخص في مصرع حمار نتيجة دهسه بسيارته أو ما إلي ذلك، حيث إن هذه المادة القانونية تتضمن بنداً خاصاً ب»إتلاف حيوان أليف»، كما قدمنا إلي المحكمة ترجمة معتمدة للتقارير الطبية الخاصة بحالة القطة، لإثبات تعرضها للإتلاف (الموت) نتيجة الإهمال الطبي. ويوضح درويش أن هناك شقاً جنائياً، وآخر مدني في القضية، الأول تتراوح فيه العقوبة (باعتبارها جنحة) من الحبس لمدة 24 ساعة وحتي 3 سنوات بحد أقصي، كما أن القاضي قد يحكم علي المتهم بالغرامة أيضاً، بقيمة تحددها السلطة التقديرية للمحكمة. أما الشق المدني، فيتعلق بالتعويض المؤقت نظراً لوجود خطأ ووقوع ضرر، وفي حالة صدور حكم نهائي بات بإدانة المتهم بالإهمال الطبي والتقصير (الإتلاف في حالة موت حيوان)، يتم تحريك قضية تعويض مادي. ويؤكد درويش أنه متفائل بشأن جلسة النطق بالحكم، المحدد لها يوم 26 فبراير الجاري، وفي حال ثبوت التهمة علي المتهم سيكون من حقه الاستئناف علي الحكم، وإذا أدين مرة أخري وصدر حكم بسجنه مثلاً، يكون أمامه فرصة أخيرة للطعن علي الحكم ولكن أثناء تنفيذ العقوبة. من جانبه، يقول المحامي والحقوقي عمرو عبدالسلام: رغم أن الدستور في المادة 45 راعي حفظ حقوق الحيوانات في مصر وفرض التزاماً علي الدولة بكفالة الحفاظ علي الثروة الحيوانية وحماية المعرض منها للانقراض أو الخطر والرفق بالحيوان، إلا أن القوانين المصرية خلت من فرض أي نصوص قانونية تحمي حق الحيوان في الحياة وتمنع الاعتداء عليه، باستثناء عدة نصوص تصدي فيها المشرع لتجريم قتل الحيوانات عمداً أو الإضرار بها وفرض عقوبة جنائية تتمثل في الحبس والغرامة. وتابع: المشرع لم يفرض نصوصاً قانونية لمواجهة باقي صور تعرض الحيوانات للقتل الخطأ أو نتيجة الخطأ المهني الجسيم الذي يرتكبه الطبيب البيطري كما هو الحال في تنظيم مهنة الطب البشري، فنجد أن قانون إنشاء النقابة العامة للطب البيطري وتنظيم ممارسة مهنة الطب البيطري رقم 48 لسنة 1969 حدد العقوبات المترتبة علي الخطأ المهني الجسيم والإهمال الذي يرتكبه الطبيب البيطري بسبب مخالفته الأصول الفنية والعلمية التي تحددها الأحكام العامة لممارسة المهنة، وحصر تلك العقوبات في العقوبات التأديبية فقط، وتتراوح الجزاءات من التنبيه وتوجيه اللوم أو الإنذار إلي توقيع عقوبة مالية لا تجاوز المائة جنيه أو الشطب من سجلات النقابة والإيقاف عن ممارسة المهنة، إذا ثبت من خلال التحقيق الذي تجريه معه النقابة العامة إهماله أو مخالفته للقواعد العلمية والفنية التي تحددها الأحكام العامة لمباشرة المهنة. ورغم أن الخطأ الطبي البيطري لا يخضع للتجريم الجنائي إلا أنه يصلح أن يكون سبباً موجباً لمسئولية الطبيب من الناحية المدنية، إذا ثبت ارتكاب الطبيب البيطري لأي صورة من صور الخطأ المهني الجسيم، وذلك إذا أخل الطبيب البيطري بالقواعد العلمية والفنية التي تحددها وتفرضها عليه الأحكام العامة وأصول مباشرة المهنة، كما لو كان أخطأ في تشخيص حالة الحيوان أو أخطأ في وصف العلاج له مما نتج عنه وفاة الحيوان بسبب هذا الخطأ، وفي هذه الحالة تختص المحاكم المدنية بتعويض مالك الحيوان عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به نتيجة الخطأ المهني الذي وقع فيه الطبيب البيطري المعالج.