علي إيقاع الدفوف الحزينة كان الختام بعد الإبحار في فن النحت الذي كاد أن ينقرض لولا سيمبوزيوم أسوان الذي أعاد قيمة مصر الحضارية التي كانت رائدة في يوم من الأيام في هذا الفن الذي تركه لنا المصريون القدماء. وتسعي وزارة الثقافة التي لم يحضر وزيرها شاكر عبد اللطيف فاعليات الختام عن إقامة هذا المهرجان الدولي لفن النحت سنويا بمحافظة أسوان وإعادة إحياء هذا الفن الرفيع الذي تميز به المصري القديم مع خلق جيل جديد من النحاتين المتميزين سواء المصريين أو الأجانب من خلال مشاركتهم في ورش خاصة تقام علي هامش السيمبوزيوم. وها هو السيمبوزيوم يبعث الروح في الأحجار الصامدة الصامتة أبدا ويجعلها تتحدث بلغة مطلع القرن 21 وها هي الأعمال الرابضة في أسوان تشهد إبداعا جديدا في فن النحت المصري فبين أيدي المصريين والأجانب تتحول الماده المتحجرة الي نبض، إلي عشق الي أنشودة تعزف لحن العصر وتدفع عن طريقها نظرات التخلف، إنه السيمبوزيم الذي تتداعي تحت أزاميله العقول المتجمدة وها هي تماثيله تدفن تحتها الي الأبد خوف الفنان المصري من التجديد وترفع شعار التحرر من كافة معوقات المبدعين. فأسوان ليست التاريخ فقط. ولكنها الحاضر أيضًا. فبجانب معابد أبو سمبل ومعابد فيلة وكلابشة وبيت الوالي ومقابر النبلاء وضريح أغاخان وزوجته البيجوم أم حبيبة ودير الأنبا سمعان، هي أيضًا المدينة التي أنجبت الأديب العملاق والمفكر عباس محمود العقاد، والمثّال أحمد عثمان1908 1970 أستاذ النحت وأول عميد لكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية. لذا، لم يكن غريبًا أن نجد هذا الحدث الثقافي الذي يتكرر كل عام منذ 17 عاما ، ألا وهو ملتقي النحت الدولي حيث أصبح هذا المشروع الإبداعي الأكثر حيوية والدليل الحي الذي يؤكد قدرة مصر علي فهم واحتضان ثقافات وفنون الآخر. وقد اجتذب »سيمبوزيوم« أسوان نخبة من الفنانين المبدعين.. نحاتين محترفين ينتمون لثقافات متعددة، لهم أفكارهم وانطباعاتهم التي تجعل من هذه الرحلة الفنية مغامرة إبداعية نادرة المتعة والبهجة والإثارة، لغة الحجر في موقع ورشة العمل للسيمبوزيوم وتحديدًا الربوة ذات المستويات الثلاثة حيث يتوزع الفنانون حول كتل الجرانيت التي قطعت وجلبت من المحاجر، وعلي جانب آخر تقبع المعدات ومضخات الهواء المضغوط وإحدي أهم الوسائل المعينة في مساعدة النحاتين والفنيين علي عملهم، دقات الأزاميل وضغط الهواء من الأجهزة تشكل موسيقي تصدح في الأفق حتي ساعات الليل الأولي حينما يخلد الفنانون إلي التوقف لأخذ قسط من الراحة والنوم العميق بعد يوم عمل شاق في الصراع مع تلك الصخور الصلدة، وفي يوم آخر ومنذ الصباح تقوم الرافعات بتعديل إحدي قطع الجرانيت ووضعها في اتجاه يحتاج إليه الفنان ليكمل عمله. إنه حوار يومي يدور بين الفنان وحجره الضخم ليتعامل معه بقسوة وشدة، ومن إحساس ورقة في حذف ما هو زائد من الكتلة مع الحرص البالغ، فلا يزيل أكثر مما يتطلبه التشكيل الذي يريده، فلا مجال هنا للخطأ لأنه لا يمكن تصحيحه. كل هذا عبر جهد يصحبه العرق، يحيط به الغبار من كل جانب، وتتطاير شظايا الأحجار في كل اتجاه، ولا يتوقف عن ملاحظة مقاييسه من عرض وارتفاع حتي لا يعرض نسب عمله إلي أي انحراف.
حورية السيد أصغر نحاتة شاركت في السيمبوزيوم تقول: استطاعت ثورة 52يناير أن تلقي بظلالها علي الكثير من الامور ولا سيما الفن لذلك كان الموضوع الذي اختارته هو الطائر وزهرة اللوتس حيث إن الطائر يعني الحرية وهو الجانب الإيجابي للثورة واللوتس يرمز إلي مصر حيث أطلق بعض الكتاب علي الثورة لقب زهرة اللوتس لقدسية هذه الزهرة في التاريخ الفرعوني. وتعتبر حورية تواجدها العام الماضي في ورشة العمل الملحقة بالسيمبوزيوم تحديا واختبارا لها لكن نجاحها في خلق لغة حوار بينها وبين الجرانيت جعلها مرشحة بقوة في مجموعة العمل الأساسية هذا العام فقد عرفت طبيعة الخامة إلي حد كبير فأصبحت خطواتها أكثر قوة وثباتا ومن خلال تعارفها المستمر علي الفنانين توصلت إلي أقصر الطرق للوصول إلي حلول لقطعة الجرانيت لتقديم الشكل الذي تريده . والعلاقه بينها وبين الجرانيت أصبحت علاقة خاصة لذلك نجد من الوهلة الأولي أن حورية وهي تمسك بأدوات النحت تنفصل تماما عن العالم المحيط وتعود آلاف السنين متحدثة بنفس لغة الحجر فيتحول من مجرد صخرة إلي كيان يتحرك. أيضا الفنان أوسكار كومندادور من كوبا يعترف أن هذا هو اللقاء الأول له مع حجر الجرانيت ولكنه شديد الاحترام لهذا الحجر الأصيل فهو يري تجربته في سيمبوزيوم أسوان وتعامله مع الجرانيت نقلة مهمة في تاريخه الفني وهو في مرحلة متقدمة. أما الفنان كامين تانيف من بلغاريا منذ العام الماضي فقد اعتمد فكرة الأعمال الديناميكية ورؤيته أن العمل النحتي لابد أن يضفي الحركة علي المكان الذي يتواجد فيه وهذا يعود للطبيعة الديناميكية للفنان ويري أن يقدم أعمالا توضح قسوة الحجر ويتفاعل معه وبهذا يخلق لغة حوار بينه وبين العمل لكن محمد زيادة عمل هذا العام علي فكرة تشابة المتناقضات تلك الفلسفة الصينية فلا يمكن أن يكون هناك نهار دون ليل او حرب بدون سلام ويقدم شكلا تجريديا لرجل وامراة عبارة عن كتلتين منفصلتين في هيئة قوسين من الجرانيت الوردي كل منها في ظهر الآخر ويحملان جزءين آخرين وبينهما فراغ ويربطهما ببعض جرانيت أسود والعمل راسي الشكل ميجيل ايسلا من أسبانيا يشعر بالمتعة الكبري أثناء العمل علي الجرانيت هذه الخامة التي يشعر معها بالتواصل ويشعر بأن هناك حالة من تبادل الأدوار بينه وبين الخامة. المهندس أبوسعدة مدير صندوق التنمية الثقافية الراعي للسيمبوزيوم أكد أن الثقافة والفن خط يقود البلد الي بر الأمان ومازلنا نمارس عملنا في مراكز الإبداع بنفس الأسلوب ونفس السياسة ، وأضاف بأن الهدف من إقامة هذا الملتقي الدولي لفن النحت سنوياً بمحافظة أسوان إعادة إحياء وتطوير هذا الفن الرفيع الذي تميز به المصري القديم مع خلق جيل جديد من النحاتين المتميزين سواء المصريين أو الأجانب. أما آدم حنين القوميسير العام للسيمبوزيوم.. فأكد أن نجاح الدورة انتصار علي رعب الانفلات الأمني وأن دورة هذا العام مهداة إلي روح الفنان الراحل صلاح مرعي الاسم الذي يتردد كثيرا في سيمبوزيوم أسوان الدولي للنحت.. إنه فنان المناظر ومهندس الديكور السينمائي وعضو اللجنة العليا للسيمبوزيوم.
في هذا التوقيت من كل عام كانت أسوان تتزين لاستقبال ضيوفها وكانت نسبة اشغالات الفنادق كاملة حيث كانت عروس الصعيد تتألق في موسمها السياحي والآن أراها ترتدي ثوب الحداد، فقد أصبحت أسوان مدينة خاوية بعد خلو فنادقها وبازاراتها من السياح وتعطل مرشديها عن العمل. - سألت اللواء مصطفي السيد عن كيفية حل مشكلة السياحة في اسوان؟. قال إن السائح يشاهد الفضائيات ويعتقد أن جميع محافظات مصر هي التحرير وشارع محمد محمود لذا أطالب الجميع بالهدوء وكثرة المطالب الفئوية والاعتصامات لن تعيد السياحة والاستثمار إلي أسوان. وعلي الجانب الآخر أعلنت النقابة الفرعية للمرشدين السياحيين بأسوان برئاسة عبدالناصر صابر، بالتعاون مع كل من محافظة أسوان ومديرية التربية والتعليم وعدد من الجهات المعنية بالمحافظة، عن بدء تدشين حملة لتنشيط السياحة المصرية وتشجيعها خاصة بمدينة أسوان تحت شعار "جميلة يا بلدي" علي مستوي المحافظة بالكامل.