مجلس قيادة ثورة 1952 تظل قضية محاكمة الطاغية مبارك وزبانيته هي الشغل الشاغل للمصريين خاصة بعد التباطؤ المستميت في سريانها والتطويل الممل في جلساتها مما جعل شعب المحروسة يشعرون أن الثورة لم تنتصر إلي الآن ودفعهم هذا لأن ينصبوا أنفسهم لمحاكمته بميدان التحرير ويصدرون حكمهم الرادع بالإعدام في حق ما اقترفه من آثام وذنوب . ولم يكن هؤلاء البسطاء وحدهم الذين طفح بهم الكيل بل إن النخبة أيضا لم ترتض بمثل هذه المحاكمات التي وصفتها "بالهزلية"فهذا هو الفقيه القانوني الدكتور محمد نور فرحات يقترح قانونا باسم محكمة الثورة أسوة بثورة يوليو والتي شكلها مجلس قيادة الثورة لمحاسبة رجال القصر الملكي الذين ثبت تورطهم في حياكة المؤامرات الداخلية للإخلال بهيبة مصر فشكلت تلك المحكمة وحاكمت أكثر من ثلاثين شخصا أبرزهم إبراهيم عبد الهادي الذي تشابه دوره والاتهامات التي وجهت إليه مع زكريا عزمي الرجل المخلص للفرعون كذلك زينب الوكيل زوجة النحاس باشا التي حاولت بشتي الطرق التدخل في الحكم كما كانت تفعل سوزان ثابت وحوكموا بقسوة وغلظة ليكونوا عبرة ونموذجا لمن يخلفهم. واقترح فرحات معاقبة رموز النظام السابق وتتضمن عقوبة الإعدام للرئيس ورجاله في حال ثبوت تهمة الخيانة العظمي وإفساد الحياة السياسية وتشكل المحكمة بقرار من مجلس الشعب وبعضوية ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف واثنين من الشخصيات العامة. فهل سيقبل المجلس العسكري بإقرار هذا القانون لامتصاص غضب الجماهير التي لاتكف عن المطالبة بالقصاص العادل. ما أشبه الليلة بالبارحة فهناك العديد من أوجه التشابه بين ثورة يوليو وثورة يناير خاصة فيما يشبه الثورات المضادة التي قامت لتشويه نجاح الثورتين وكان آخرها مجزرة بورسعيد التي راح ضحيتها أكثر من سبعين شابا من خيرة أبناء المحروسة وأثبتت المعاينات المبدئية للجنة تقصي الحقائق عن تورط نجل المخلوع في تلك المؤامرة الدنيئة ولكن المعروف أن مجلس قيادة الثورة كان يضرب بيد من حديد علي هؤلاء الخارجين علي القانون فتشكلت محاكم الغدر ومحكمة الثورة وتم إصدار قانون محاسبة الوزراء، وبرأي الكثير من الخبراء السياسيين والقانونيين فإن مصر لاتحتاج أكثر من هذا.وعن تاريخ محكمة الثورة وأسباب تطبيقها يقول الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس: بمجرد قيام ثورة يوليو ونجاحها في إبادة عصر الاستبداد وإزالة غيابات الجهل التي خلفها نظام فاروق المستبد وحاشيته قام مجلس قيادة الثورة برئاسة اللواء محمد نجيب والرئيس عبد الناصر بمحاولة جادة للتخلص من بقايا هذا العصر ومحاسبة كل من تورط في هدم كيان الشعب المصري فيصدرفي 22 ديسمبر 1952 مرسوم بقانون بمحاكمة المسئولين عن جرائم الغدر واستغلال النفوذ من الموظفين العموميين وأعضاء البرلمان أو كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة أو كانت له صفة نيابية وارتكب بعد أول سبتمبر سنة 1939 جريمة من جرائم الغدر وقد اختير هذا التاريخ نظرا لأنه يوم بدء الحرب العالمية الثانية وماصاحبها من تدهور في الأخلاق وانتهاز للفرص للإثراء بطريق غير مشروع علي حساب المصلحة العامة. ويستكمل د.الدسوقي قائلا: ولم تكن هذه القوانين وحدها أحد الطرق بل إنه في يوم 16سبتمبر من نفس العام يعلن الصاغ صلاح سالم بميدان الجمهورية القريب من ميدان التحريرفي مؤتمر شعبي حاشد بحضورالرئيس محمد نجيب وجمال عبد الناصر وجمال سالم عن تشكيل "محكمة الثورة"لمعاقبة كل من أفسد الحياة السياسية المصرية وخان الأمانة التي بعنقه من رجال العهد البائد بعد الكشف عن المؤامرة التي كان متورطاً فيها ثلاثون شخصية من رجال القصر الملكي اتصلوا بالسفارة البريطانية بالقاهرة ليتفقوا علي الإطاحة بمجلس قيادة الثورة ومساعدة بريطانيا علي معاودة احتلال المحروسة وتم تشكيل المحكمة عسكريا وأسندت مهمة رئاسة المحكمة الي عبداللطيف البغدادي أحد أعضاء مجلس القيادة، أما أبرز أعضائها فكان علي رأسهم الرئيس الراحل أنور السادات وحسن ابراهيم قائد أسراب وكان البكباشي زكريا محيي الدين هو رئيس مكتب التحقيق والادعاء بالمحكمة كما كان هناك ادعاء مدني من أعضاء النيابة العامة. ويضيف د.عاصم: أما عن أبرز الشخصيات التي تمت محاكمتها فكان إبراهيم عبدالهادي رئيس الديوان الملكي ورئيس مجلس الوزراء وقد تمت محاكمته بتهم إفساد الحياة السياسية وتوريط مصر في هزيمة حرب 48واستغلال نفوذه في الكسب غير المشروع ولعل التاريخ يعيد نفسه فهذه التهم لابد من توجيهها إلي زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية والذي يحاكم فقط في قضايا الكسب غير المشروع وبالمثل لابد من محاكمة أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق علي تلك الجرائم . كما أدرج اسم زينب الوكيل زوجة مصطفي باشا النحاس في قائمة المتهمين فقد لعبت دورا كبيرا في إفساد الحياة السياسية وهو تقريبا نفس الدور التي كانت تلعبه قرينة المخلوع وتخطيطها لنقل عرش السلطة الي نجلها الأصغر ولكن الأغلبية الوفدية بمجلس النواب أسقطت هذا الاستجواب كما حوكم فؤاد سراج الدين سكرتير عام حزب الوفد علي تهمة إفساد الحزب الذي كان يمثل الأغلبية في ذلك الوقت، ومن المعروف أن هذه المحكمة كانت تتميز بسرعة الإجراءات والبت في القضايا ولم يكن يسمح بالتأجيل، إضافة الي أحكامها الرادعة والتي كانت تصل الي عقوبة الأشغال المؤبدة أو السجن المشدد وذلك كان من أجل امتصاص غضب الشارع المصري المستشيط آنذاك. وختم د.الدسوقي حديثه مطالبا المجلس الأعلي للقوات المسلحة بضرورة الموافقة علي مثل هذا القانون وإقراره لامتصاص غضب الجماهير المصرية والتي استماتت في المطالبة بتسريع محاكمات المخلوع وزبانيته والنطق بأحكام مرضية علي الجرائم التي اقترفوها في حق الشعب المصري خاصة أن هذه المحكمة ليست بالدخيلة علي قانوننا فقد طبقت من قبل بعد نجاح ثورة يوليو وساهمت بقدر كبير في القضاء علي الثورات المضادة التي كانت تهدد عرش مصر. أما د.أحمد رفعت أستاذ القانون فقال: مما لاشك فيه أن المحكمة الثورية" هي الحل الذي يضمن إقامة محاكمات عادلة لرموز النظام الساقط، خاصة مع هزلية المحاكمات التي نراها للرئيس المخلوع "حسني" مبارك" ورموز نظامه التي جعلت الجماهيرالمصرية تتبرم من تأجيلها وتطويلها حتي أنهم نصبوا محاكمة شعبية للمخلوع وقرينته بالميدان في جمعة العزة والكرامة وأصدروا حكمهم بالإعدام شنقا عليهم وهذا يعكس مدي الظلم والقهر الذي عاناه المصريون جميعهم طيلة الثلاثين عاما الماضية. ويستكمل د. رفعت: وبالطبع فإن مثل هذه المحكمة ليست بالجديدة علينا بل هو نظام متبع في معظم الدول التي تنشب بها ثورات وتتم بنجاح فتنصب المحاكمات الثورية العادلة لرموز النظام البائد وقد حدث هذا بفرنسا بعد نجاح الثورة الفرنسية وسقوط قصر الباستيل كذلك بعد نجاح الثورة البلشفية بروسيا وغيرها من الدول وعادة ما تشكل تلك المحكمة من تسعة وعشرين عضواً ممثلين لمحافظات الجمهورية ويتم اختيار باقي الأعضاء بالأغلبية وانتخاب رئيس المحكمة بالاقتراع السري المباشر من بين الأعضاء بالأغلبية المطلقة، وبالطبع سيكون مقر انعقاد المحكمة هو ميدان التحرير تحت سمع ونظر جميع المصريين ولابد من موافقة مجلس الشعب علي مثل هذا القانون وتحدد اختصاصات محكمة الثورة في عدد من المهام، أولها تشكيل لجنة ثلاثية لتقصي الحقائق بشأن مرتكبي الجرائم ضد الثوار منذ اندلاع الثورة وثانيها حصر الفاسدين وأعوانهم من أنصار العهد البائد، الذي انقضي بقيام الثورة، ممن استولوا علي أموال الشعب وأراضي الوطن علي نحو مخالف للقانون وأفسدوا الحياة النيابية علي مدي الثلاثين عاما الماضية ومن المعروف أن الأحكام التي تصدر تكون رادعة ولامجال للتخفيف فيها وغير قابلة للطعن بأي طريقة. وعن توقعاته بإمكانية موافقة مجلس الشعب علي هذا القانون قال: أعتقد أن المجلس العسكري ومجلس الشعب أرادا اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة فيما يخص محاكمة المخلوع وأعوانه فقاما بإصدار الأوامر الخاصة بتجهيز مستشفي سجن طرة علي قدم وساق لاستقبال المخلوع إضافة إلي تشتيت الزبانية كل منهم بعيدا عن الآخر في محاولة لكسر شوكتهم وإضعاف وحدتهم وبالطبع فان كل هذه المقدمات تؤكد أن كليهما حريص علي الإسراع بالمحاكمات لامتصاص غضب الشارع المصري ويمكن في حال تقديم بنود هذا المشروع إلي مجلس الشعب للقيام بدراسته والموافقة عليه اذا ثبت جدواه خاصة أن الأحكام المقترحة تصل لحد الإعدام شنقا في حال ثبوت تهم الخيانة العظمي وهذا ما يطمح فيه المواطن العادي. ويضيف د. أنور سلامة عميد حقوق القاهرة الأسبق قائلا: منذ نجاح ثورة العسكر في 52.. تعرضت مصر لمؤامرات داخلية وخارجية كانت تستلزم الضرب بيد من حديد علي هؤلاء وشكلت محاكم الغدربموجب قانون رقم 344 لسنة 52.. هذا القانون الذي لم يتم إقراره إلي الآن لمعاقبة مسئولي النظام البائد عن جرائم الغدر كذلك إقرار قوانين بعينها لتتماشي مع الفترة الانتقالية التي تعيشها مصر كقانون محكمة الثورة ذلك الذي لايحتكم إلي القوانين العادية فالثورات لها قوانين بعينها كذلك لايجوز الطعن أو التشكيك بأي حال من الأحوال علي الأحكام الصادرة من هيئة المحكمة إضافة إلي التسريع بها وأعتقد أننا لانريد أكثر من هذا فلابد أن يتخذ المجلس العسكري خطوات جادة في هذا السياق ويحاول إقرار هذا القانون. واتفق معه في الرأي الكاتب والأديب يوسف القعيد حيث قال: إن أحدا لم يتعلم من دروس ثورة يوليو التي تتشابه معظم أحداثها مع ثورة ينايرفبعد نجاحها فورا كان لابد من إنشاء محكمة الثورة يوم تنحي الرئيس المخلوع لتحكم وفق قانون جديد لمحكمة الثورة ويحاسب المتورطون في جرائم سرقة الشعب المصري وإفساد الحياة السياسية وقتل الثوار الأبرياء ولاتتم محاكمتهم بالقانون العادي الذي قد يفرج عنهم يوما من الأيام ولا تصلح أبدا القوانين العادية أن تسير محاكمات رموز فاسدة لنظام ساقط في أوقات الثورات كما أن تعطيل الدستور كان يقتضي بالضرورة تعطيل القوانين التي تحكم القضاء العادي وبناء عليه تقوم محكمة الثورة. وأضاف القعيد قائلا: وعلي الرغم من أن محكمة ثورة يوليو كثر حولها الأقاويل إلا أنها حققت هدفا هاما وهو دحض كل المؤامرات الداخلية التي قد تضر بمصالح البلاد وتضعف من همم المصريين وتوقف عجلة الإنتاج كما أنها كانت تضرب بيد من حديد علي من أسمتهم بالخونة ولم تتوقف عند هذا الحد بل أصدرت قانوني الغدر ومحاكمة الوزراء هذان القانونان اللذان تطالب كل القوي السياسية بإعادة تطبيقهما مرة أخري لإعادة الأمن والاستقرار إلي البلاد وليكن المتورطون عبرة لمن يعتبر. أما اللواء عادل عفيفي رئيس حزب الأصالة وعضو مجلس الشعب فقال:من الملاحظ أن الشعب المصري لايتوقف عن الحديث عن محاكمات الفرعون وأعوانه ومن يديرون الثورة المضادة خاصة بعد مجزرة بورسعيد التي راح ضحيتها خيرة أبناء مصر وهذا ما دفعني إلي التقدم باقتراح لرئيس مجلس الشعب للمطالبة بتشكيل محكمة ثورة لمبارك وأعوانه بتهمة الخيانة العظمي فالمادة 85 من دستور 1971 تنص علي أن يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمي أو بارتكاب جريمة جنائية، يكون بناء علي اقتراح مقدم من ثلثي أعضاء مجلس الشعب علي الأقل ولا يصدر قرار الاتهام الا بهذه النسبة، وتكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وتكون إجراءات المحاكمة أمامها ثم تحدد العقاب وبالطبع ستتم مناقشة هذا الاقتراح أمام المجلس للاستفتاء العلني عليه وأتمني أن يتم إقراره في أقرب وقت ممكن لامتصاص غضب الشارع وحتي نقررتلك العقوبة علي من تسول له نفسه إحراق مصر أوسرقتها بعد ذلك.