»هيه دي مصر ياعبلة«.. أشهر جملة قيلت في السينما. فمن هي عبلة؟ هي مديحة كامل التي اختفت فجأة من علي شاشة السينما كما اختفت من الحياة في سن مبكرة.. بعد أن قدمت أكثر من مائة فيلم ثم اعتزلت الفن لتتحجب وتنهي علاقتها تماما بالسينما.. ولم تنظر إلي الوراء ولا تكون عين في ا لجنة وعين في النار.. فقد كانت تعتبرها فترة من حياتها وانتهت تماما لدرجة أنها لم تكمل تصوير فيلمها الأخير »بوابة إبليس«. عرفت مديحة كامل منذ عودتها من لبنان بعد أن هاجرت إليها مع مجموعة من الفنانين بعد أن ساءت حال السينما في أواخر الستينات. وعادت إلي مصر عندما عين يوسف السباعي وزيرا للثقافة.. وأرسل عبدالحميد جودة السحار رئيس قطاع السينما في ذلك الوقت ليعيد »الطيور المهاجرة« ومن بينهم مديحة كامل.. وذلك حوالي سنة 1973.. وبعد أن مثلت بعض الأفلام اللبنانية دون المستوي الفني..
لم تصعد مديحة إلي القمة إلا حينما قامت ببطولة فيلم »الصعود إلي الهاوية« من إخراج كمال الشيخ 1978 المأخوذ عن قصة واقعية لفتاة من عائلة متوسطة جاءتها منحة لتدرس الدكتوراه في السوربون بفرنسا.. وحاول كمال الشيخ أن يسند البطولة إلي نجمات السينما في ذلك الوقت السندريللا سعاد حسني.. وميرفت أمين.. وشمس البارودي.. ونيللي.. لكن الذي حدث أن هؤلاء النجمات رفضن بشدة.. وحين عرض عليها كمال الشيخ الدور راهن عليها وكان رهانا غير مأمون العواقب، كانت مديحة في ذلك الوقت تمثل الأدوار الثانية.. ورحبت مديحة بهذا الدور رغم صعوبته وحساسيته.. ونجح فيلم »الصعود إلي الهاوية« الذي يعتبر من أحسن الأفلام منذ قيام السينما.. ويعتبر محطة أو نقطة تحول في حياتها.. فقد نقلها »الصعود إلي الهاوية« إلي الصعود إلي القمة. وأذكر حينما عرض الفيلم في سينما ميامي.. في نفس الوقت الذي عرض فيه فيلم سعاد حسني »شفيقة ومتولي« في نفس المكان.. أن الزحام علي »الصعود إلي الهاوية« كان كبيرا جدا لدرجة أن تذاكره كانت تباع في السوق السوداء.. بينما فيلم السندريللا لم يكن عليه أي إقبال وأعتقد أن الجمهور في هذا التوقيت بدأ يعي الممثلين وأدوارهم حتي إذا مثلوا أدوار الشر.. هذا الدور نقلها إلي أدوار البطولة بعد أن كانت تمثل الأدوار الثانية. كانت »عبلة« التي اسمها الحقيقي في الواقع هو هبة سليم قد ذهبت إلي باريس لتدرس في السوربون بمنحة من الجامعة.. وفي باريس.. تخذلنا بضعف شخصيتها.. وذلك حين التقطتها امرأة تعمل جاسوسة للموساد هي »إيمان« مارست معها الشذوذ الجنسي.. وعرفتها علي ضابط المخابرات الإسرائيلي »جميل راتب« الذي استطاع ان يجندها هي وخطيبها الذي يعمل مهندس صواريخ في الجيش المصري. استطاعت مديحة كامل أن تودي الدور بكل أحاسيس القلق والارتباك والتوتر.. ونظراتها التائهة.. واستسلامها لليأس حينما تفاجأ مذعورة أنها في مطار القاهرة بدلا من مطار تونس.
بعد نجاحها الساحق في هذا الفيلم اختارها نجوم الإخراج لبطولة أفلامهم.. محمد خان.. وعلي عبدالخالق.. ومحمد راضي وهي أفلام حظيت علي الكثير من النجاح لتصبح من نجمات الصف الأول.. بل إنها بلغت النضج الفني في فيلم رأفت الميهي »عيون لاتنام« واستطاعت أن تقف وجها لوجه أمام فريد شوقي، وأحمد زكي.. ونالت عليه الكثير من الجوائز كما حاولت أن تحافظ علي نجاحها وألا تسقط من القمة.. فأدت »أشياء ضد القانون« محمود ياسين الذي كانت ضحية له حينما مارس الجنس معها قبل أن يصبح وكيلا للنيابة.. ثم تقف أمامه بعد ذلك متهمة بممارسة الدعارة. وفي طريق النجاح قدمت »درب الهوي« إخراج حسام الدين مصطفي، و»شوارع من نار« لسمير سيف وهو الفيلم الذي تقع أحداثه في الأربعينات إبان الحرب العالمية الثانية.. كما قدمت لعاطف الطيب »ملف في الآداب« الذي اتهمت فيه ظلما بممارسة الدعارة.. والتي تفوقت علي نفسها بالبساطة والدهشة والعمق واليأس والغضب لتصبح أهم عناصر نجاح هذا الفيلم. لكن مديحة كامل بعد كل هذا النجاح قررت الاعتزال عام 1992. وكانت السينما في ذلك الوقت تضع نفسها في هوجة أفلام الميلودراما.. فمثلت أفلاما ليست في مستواها مثل »شوادر« لابراهيم عفيفي و»بوابة إبليس« الذي لم تكمل تصويره.. وفشل فشلا ذريعا ولم تظهر مديحة بعد ذلك في الوسط الفني.. وتفرغت للصوم والعبادة.. ولم تنظر إلي الوراء.. إلي العودة للتمثيل. ومن المعروف أن مديحة كامل لقيت ربها في شهر رمضان.. شهر الصوم والعبادة.. رحم الله مديحة كامل.