في ظل عدم استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري منذ قرار تعويم الأخير في 3 نوفمبر 2016، نتيجة عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية العالمية، تزداد مخاوف الاقتصاديين في مصر من تأثيرات ارتفاع أسعار الدولار عالميا وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية علي الاقتصاد المصري، خاصة في ظل التزامات مصر بسداد أقساط الديون الخارجية، فإن الاقتصاد المصري ليس بمنأي عن الاقتصاد العالمي ويتأثر بالمتغيرات الاقتصادية العالمية بشكل كبير. مؤخرا، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) عن رفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة مئوية إلي نطاق من 1.75 إلي 2.00٪ وتوقع زيادتين أخريين للفائدة في 2018، وبزيادته سعر فائدة الإقراض لليلة واحدة فإن مجلس الاحتياطي تخلي عن تعهده بالإبقاء "لبعض الوقت" علي أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة بما يكفي لتحفيز الاقتصاد، وأشار إلي أنه سيسمح بتضخم فوق المستويات المستهدفة علي الأقل حتي 2020. وكان مجلس الاحتياطي قد توقع بوتيرة أسرع قليلا لزيادات الفائدة في الأشهر المقبلة، متوقعا زيادتين أخريين بحلول نهاية العام مقارنة بزيادة واحدة في توقعاته السابقة، وقالت لجنة السوق المفتوحة صانعة السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي في بيان بالإجماع في ختام اجتماع استمر يومين "سوق العمل مازالت تزداد قوة.. النشاط الاقتصادي يزيد بمعدل قوي". خبراء اقتصاد أكدوا أن الحكومة المصرية تعتمد علي الاقتراض الخارجي بشكل كبير، لأن القروض الخارجية عادة تكون طويلة الأجل وتكون شروطها أخف، فضلا عن رغبتها في الهروب من ارتفاع أسعار الفائدة في السوق المحلي لذلك تلجأ إلي الاقتراض الخارجي. وأشاروا في تصريحات ل"آخرساعة" إلي أن رفع أسعار الفائدة سيؤثر بشكل كبير علي التزامات مصر الخارجية وسيزيد من أعباء الديون والأقساط الخارجية والتي وصلت إلي معدلات غير مسبوقة. كانت الحكومة المصرية أكدت في البيان المالي لموازنة العام المالي الجديد، أنها تتجه إلي الخارج في تمويل جزء من احتياجاتها، للحد من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة في السوق المحلية علي خدمة الدين من خلال الاستفادة من مصادر التمويل الميسرة منخفضة التكاليف وطويلة الأجل المتاحة من قبل المؤسسات الدولية أو الأسواق المالية الدولية. كما أكدت أنه من أهم المخاطر العالمية التي تؤثر علي الاقتصاد المصري، رفع الفائدة علي الدولار، والذي يؤدي إلي تدفق رءوس الأموال للولايات المتحدة، وخفض التدفقات المالية إلي الدول النامية والأسواق الصاعدة؛ ومن ثَمَّ وجود ضغوطات محتملة علي أسعار الفائدة والصرف وارتفاع في أعباء خدمة الدين العام الخارجي في الدول الناشئة. واعتبرت الحكومة، أن تشديد السياسة النقدية الأمريكية يؤدي إلي تضييق أوضاع التمويل الخارجي، في وقت تتجه فيه الكثير من بلدان الدول الناشئة لإصدار سندات بالعملة الأجنبية للوفاء باحتياجات تمويل العجز. الخبير الاقتصادي الدكتور مختار الشريف، قال إن رفع سعر الفائدة علي الدولار الأمريكي، سيكون له تأثير سلبي علي الاقتصاد المصري، خاصة أن الحكومة تعتمد علي سياسية الاقتراض من الخارج بشكل كبير، مما سيحمل الاقتصاد مزيدا من الأعباء الخارجية، مشيرا إلي أن رفع أسعار الفائدة عالميًا سيؤدي إلي زيادة أعباء الديون، خاصة أن الحكومة تعتمد علي الاقتراض بعيد المدي. ويصل إجمالي فوائد خدمة الدين العام المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية في الموازنة العامة للدولة للعام المالي "2018 / 2019" نحو 541 مليار جنيه (10.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي) مقابل 380 مليار جنيه بموازنة العام المالي "2017 / 2018" بزيادة قدرها 160 مليار جنيه. وأوضحت نشرة شهر أبريل للبنك المركزي المصري، أن إجمالي الدين العام الداخلي بلغ 3.414 تريليون جنيه (190 مليار دولار) ارتفاعًا من 3.160 تريليون في يونيو الماضي، في حين زاد الدين المحلي بنحو 12٪ مقارنة مع 3.052 تريليون جنيه في ديسمبر من 2016 ، كما ارتفع الدين الخارجي للبلاد بنحو 5٪ إلي 82.9 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي بالمقارنة مع مستواه في نهاية يونيو 2017. بينما يري الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب الدسوقي أن ارتفاع الفائدة علي الدولار سيؤثر سلبا علي الاقتصاد المصري، خاصة الاستثمار في أدوات الدين الثابت التي يعتمد عليها الاقتصاد بشكل كبير. ويضيف: إن الفترة القادمة ستشهد ارتفاعا في أسعار الدولار أمام الجنيه المصري، مما سيؤدي إلي إعادة نظر الحكومة في سياسية الاقتراض مرة أخري خاصة في ظل ارتفاع فوائد وأعباء الديون. وقد حذرت التقارير الدولية من ارتفاع الدين الخارجي لمصر، حيث تم وضع مصر من بين 7 دول من الدول المعرضة لخطر الديون، ما يهدد من قدرتها علي تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، كما أشارت عدد من التقارير إلي أن مصر قد لا تسطيع أن تسدد التزاماتها الخارجية خلال عام 2018، نتيجة لارتفاع الديون والالتزامات المالية. علي صعيد آخر، يري الخبير الاقتصادي عمرو صابر أن الفترة القادمة يجب علي الحكومة أن تعيد النظر في سياسيات التمويل، وعدم الاعتماد علي الاقتراض بشكل كبير، والبحث عن بدائل أخري لتمويل عجز الموازنة. ويضيف: إن الأسواق العالمية بدأت تشهد تقلبات كبيرة واضحًة بسبب أسعار الفائدة الأمريكية، فضلا عن الاتجاه نحو الدولار والاستثمار فيه عن باقي العملات . وتتوسع الحكومة في الاقتراض الخارجي من أجل تمويل برنامج الإصلاح وعجز الموازنة، تزامنا مع ارتفاع تكلفة الاقتراض محليا بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. واقترضت مصر مؤخرا نحو 2 مليار دولار، من جراء طرحها للسندات الدولية لعملة اليورو في شهر أبريل الماضي، فيما اقترضت أيضا في يناير نحو 4 مليار دولار من قيمة السندات الدولارية التي طرحتها وزارة المالية، وكذلك الشريحة الثالثة من قرض صندوق النقد الدولي، والتي حصلت مصر منه علي نحو 6 مليارات دولار، من إجمالي القرض الموقع بين مصر والصندوق بقيمة 12 مليار دولار، وتسعي الحكومة للحصول علي الشريحة الرابعة من القرض، بعد المراجعات التي قامت بها بعثة صندوق النقد خلال شهر مايو الجاري. ويمتلك البنك المركزي احتياطيا من النقد الأجنبي بقيمة 44.029 مليار دولار بنهاية أبريل، مقابل 42.611 مليار دولار في نهاية مارس 2018، وهو مستوي غير مسبوق في تاريخ مصر. وقد حذرت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني، من عدم السيطرة علي الدين الخارجي لمصر، والذي قد يؤثر علي التصنيف الائتماني لمصر فيما بعد، مشيرة إلي أن الضغوط السلبية علي تصنيف مصر قد ترتفع في حال تغير مسار خطة الدولة لخفض الديون، مقابل الناتج المحلي، وهو الأمر الذي تسبب في غياب الاستثمارات عن مصر خلال الفترة الماضية، نتيجة للتخوف الشديد من عدم قدرة مصر علي استكمال برنامجها الإصلاحي. بينما يري الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده أن رفع أسعار الفائدة الأمريكية سيؤثر سلبا علي الاقتصاد المصري، خاصة طرح السندات الدولارية، مشيرًا إلي أن ارتفاع فوائد الديون ستمثل أعباء مالية كبيرة علي الاقتراض. ويضيف : إن الفترة القادمة علي الحكومة أن تعمل علي توفير تسديد التزاماتها من الفوائد، حيث سددت الحكومة المصرية نحو 30 مليار دولار خلال الفترة الماضية، ما بين سندات وديون خارجية لصالح بنوك دولية منها البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، وودائع وقروض من دول منها السعودية وليبيا وتركيا، بالإضافة إلي التزامات علي جهات حكومية منها هيئة البترول والتزامات لنادي باريس. ووفقا لتقرير البنك المركزي سجلت فوائد الديون المقررة علي مصر، ارتفاعا تاريخيا لأول مرة بنحو 42.1٪ بالموازنة الجديدة، حيث وصلت إلي نحو 541.3 مليار جنيه خلال العام المالي المقبل، مقارنة بنحو 381 مليار جنيه بموازنة العام المالي الجاري.