بريق تتجمع خيوطه علي استحياء.. لكنه كفيل أن يبدد الظلام ويبعث في نفوسنا قدراً من التفاؤل.. تفاؤل بالطبع حذر.. علمتنا الأيام ألا نفرط في تفاؤلنا.. وإن لم يفتها أيضا أن تعلمنا ألا نبالغ في يأسنا. عشنا تجربة ثورية رائعة كسرت حاجز الخوف فينا وملأت قلوبنا بثقة في قدرتنا علي صنع المعجزات.. صحيح أن المخاض صعب ومازال أمامنا طريق أصعب حتي يكتب لثورتنا النجاح.. لكن بعد عسرنا حتما سيأتي اليسر هكذا وعدنا ربنا.. فالشعوب إذا أرادت الحياة فحتما سيستجيب القدر كما أخبرنا شعراؤنا.. ولا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس مثلما علمنا زعماؤنا. فلنتمسك ببريق الأمل داخلنا.. ولنحاول أن ننتظر لنصف الكوب الممتلئ.. هكذا أحاول أن أفعل.. ربما تكون استراحة محارب أضناه التعب أو ربما تكون محاولة لإجبار النفس علي هدنة مؤقتة للتخلص من قلق وتوتر استنزف قوانا علي مدار عام بأكمله. أو هي رغبة في البحث عن خيط من أمل يدفعنا للتفاؤل إن غدا سيكون أفضل.. أكثر من خبر يساعدنا للوصول إلي هذه الحالة أولها إخلاء سبيل الناشط السياسي علاء عبدالفتاح ووقف تنفيذ العقوبة علي 09 من المحكوم عليهم عسكريا. صحيح أن هذا القرار يخفي في طياته محاولة لامتصاص الغضب بعد ما حدث من العسكر في موقعة مجلس الوزراء.. لكن دعونا ننظر لنصف الكوب الممتلئ فما أحوجنا لقدر من التفاؤل !! ولا أعتقد أننا سننتظر كثيرا فالتجارب علمتنا أن ضيق الصدر والصبر هي سمة أولي الأمر.. وأن نواياهم الحقيقية سريعا ما تنكشف وسرعان ما يضيقون ذرعا بالثورة وبالثوار. فلنعش إذن لحظات من فرح.. ولنستلهم لحظات من أمل من ابتسامة البطل الدكتور أحمد حرارة الرائعة.. عل ذلك يعيننا علي تحمل ما يأتي من آلام.. فمن رحمة القدر بنا أن الأحزان كما الأفراح لا تأتي فرادي.. فتزامن الإفراج عن المحكوم عليهم عسكريا مع حكم قضائي يقضي بوقف تنفيذ إجراء فحوص كشف العذرية لتنطلق معه البسمة علي شفاه الناشطة القوية الرائعة سميرة إبراهيم التي اعتبرت الحكم هدية تضمد بها جراح كل فتاة نالتها سهام الأيادي القذرة التي امتدت إليهن بالإهانة والتطاول وخدش الكرامة وانتهاك العرض والكبرياء. مشهد فرحة سميرة والنشطاء الذين تجمعوا حولها بعث فينا الأمل وتغاضينا عن هاجس داخلنا لايزال ينتظر حكماً آخر أكثر ردعا يعاقب كل ضابط ومسئول أصدر الأوامر وأشرف علي إهانة المتظاهرات. صحيح أن الهاجس تحول إلي كابوس بعد الحكم ببراءة ضباط قسم السيدة زينب المتهمين بإطلاق النار علي المتظاهرين.. إلا أن صرخة أهالي الشهداء وتمسكهم بحقهم مازالت تحيي فينا الأمل أن الثورة علي الظلم مازالت مستمرة.. فما ضاع حق وراءه مطالب.. وحقوقنا لن تضيع مادام الغضب لايزال ساكناً فينا. غضب نؤججه محاولات لا تتوقف للتآمر علي الثورة.. اتهامات بالجملة للثوار.. وتهديدات مبطنة أحياناً وسافرة أحياناً أخري.. مداهمات لمراكز حقوق الإنسان ظاهرها كشف العمالة وباطنها وأد الأصوات الكاشفة للحقيقة والساعية لنزع الأقنعة وفضح الجرائم.. وتسليط الضوء علي المجرمين.. ما يحدث يدفعنا لليقين بأن طريق الثورة ليس بالقطع سهلاً فمازال أمامنا الكثير.. فلنستعد علي مواصلته بشيء من التفاؤل.. ولنتوقف قليلا علي ما أعلنته مجموعة من الحركات السياسية الشابة عن اتجاهها لتوحيد صفوفها تحت راية واحدة.. خطوة مهمة علي الطريق الصحيح ربما تأخرت كثيرا وربما خسر الشباب كثيرا من هذا التأخير. لكن لايهم أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي مطلقا.. فلنتفاءل ولنأمل أن ينجح الشباب علي الاستفادة من أخطائهم وتداركها والتوحد لتحقيق أهداف الثورة العظيمة. فلنتفاءل أمام تحرك الشباب وأيضا أمام تحرك القوي السياسية التي شمرت عن سواعدها في الفترة الماضية بطرح العديد من الرؤي حول الدستور والانتقال السلمي للسلطة. تحرك ربما يصب في النهاية في صالح تهدئة الأجواء المضطربة وربما يفلح أيضا في رأب الصدع بين الثوار والعسكر هذا إن خلصت النوايا. فزخم التحرك يدفعنا رغما عنا للتوجس عما وراءه هل هو إحساس بالمسئولية أم تأنيب ضمير عما آلت إليه الأوضاع أم هي محاولة لإحراز هدف انتخابي من شأنه زيادة حصة هذه القوي في مقاعد البرلمان.. فلندع الأيام تجيب وأعتقد أننا لن ننتظر كثيرا.. وحتي تتكشف النوايا الحقيقية دعونا نتفاءل بالدعوة التي أطلقتها هذه القوي للم الشمل ونبذ الخلاف ومد جسور التواصل.. صحيح لا أحد يمكنه التنبؤ بمصير هذه الدعوات لكن ربما تكون بداية جيدة وخطوة علي طريق الوفاق. فما أحوجنا إلي التوافق.. ما أحوجنا بتلك الروح التي جمعتنا في الميدان.. حيث الإخواني والليبرالي والسلفي والشيوعي والمنتقبة وغير المحجبة يد واحدة وقلب واحد وهدف واحد هو مصلحة مصر. ليس من الصعب استعادة هذه الروح.. ويكفينا عام من الفرقة والتطاحن والتنافس الأعمي.. دعونا نتعلم فن الاختلاف دون أن نبدد طاقتنا في جدل عقيم.. دعونا نتعلم كيف نتنازل حتي نتلاقي.. دعونا نفتح عقولنا ونتعلم من أخطائنا وندرك أن وقوفنا في منتصف طريق الثورة فيه خسارة للجميع.. لن ينجو أحد لو ضاعت الثورة.. لن يكسب أحد لو خسر الوطن.. فلنجرب التوافق علنا نعبر الوضع المأزوم قبل فوات الأوان. دعونا نتفاءل قليلا ولنحارب خصومنا متسلحين بالأمل حتي لا يهزمونا يأساً في قدرتنا علي استكمال ثورتنا وإصلاح مصرنا.