مبارك يحاول الهروب بالنوم ماحدث يجعل في نظري آية الثورة مقلوبة فالتدليل بدا أكثر من اللازم لمن أفسد الحياة السياسية وفي المقابل ثوار يحاكمون عسكريا مغمض العينين كان »لكنه لم يكن نائما« كل حواسه كانت تبدو منتبهة.. وإن أراد أن يوهمنا بعكس ذلك.. ربما كانت محاولته تلك هدفها الهروب من مواجهة عدسة الكاميرا التي لم يفلح جسدا ابنبه في إخفائه عنها.. ربما أراد أن يخفي تلك الحالة من الغضب والعصبية والملل التي بدت واضحة عليه في بداية الجلسة الثانية.. وإن كان من الأرجح أن يكون ظهوره علي تلك الحالة امتثالا لنصيحة أحد محاميه المتسم بالحنكة والدهاء ليبدو الرئيس المخلوع مبارك كما لو كان غائبا منهكا لينفي بهذا الشكل الانتقادات التي وجهت إليه بعد ظهوره في الجلسة الأولي موفور الصحة والعافية وفي كامل تألقه ليثير بظهوره استهجان واستنكار ادعاءات لم تتوقف عن تدهور حالته الصحية والنفسية. من المؤكد أن مبارك جاهد لمحو تلك الصورة فلجأ إلي إغماض العينين كوسيلة لتحقيق هذا الهدف.. وإن كان الأمر لا يخلو أيضا من احتمال أن يكون ما فعله محاولة لإظهار عدم المبالاة والتعالي والترفع وكأن لسان حاله مازال يردد »خليهم يتسلوا« نفس المعني حمله ظهور ابنة علاء في استقبال والده بلا قيود بدا حرا طليقا لا متهما محبوسا علي ذمة قضيته.. ليس هذا فقط بل جاءت تحيته بنشوة ردا علي أحد الحضور الذي انبري بإطلاق الهتافات المؤيدة لهم فما كان من علاء وشقيقه جمال إلا أن يرفعا أيديهما كما الزعماء تماما كما كانا يفعلا قبل قيام الثورة. هل قامت الثورة حقا؟! سؤال استفزازي جنوني يقفز إلي ذهني ولا يكف عن التكرار في الفترة الأخيرة!! يدفعني إليه تطورات ومشاهد متلاحقة.. تجعل آية الثورة في نظري مقلوبة.. وتجعلني في حاجة دائما لشحذ عقلي وفرك عيني للتأكد من أن ما أراه ليس كابوسا وإنما واقع مضطرب معكوس يعاش. تدليل بدا أكثر من اللازم وممجوجاً لمن أفسد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية علي مدار ثلاثين عاما.. تحية عسكرية.. ومتهم بلا قيود.. وآخر ملقي علي سرير رغم أن حالته لا تشي بهذا الوهن الذي يدفعنا لتقبل ذلك. وفي المقابل ثوار يحاكمون عسكريا.. اتهامات بالجملة تكال لهم.. وأحكام سريعة وحاسمة وربما شديدة تنتظرهم.. سنوات سجن طويلة تهدد مستقبل خيرة شبابنا.. ازدواجية تدفع لدهشة لا تخلو من غضب وأسف وحزن.. هل يعقل أن يعامل الثوار بتلك القسوة بينما يعامل الفاسدون بكل هذا التدليل!! أعتقد أن الأمر في حاجة لإعادة النظر حتي نعيد ميزان العدل إلي نصابه.. من غير المقبول أن نمنح مبارك ونجليه ورجاله كل هذا الكم من الكرم والاحترام بينما يعامل الثوار بكل هذه القسوة والخشونة والعنف. من الاعتصامات الأخيرة بميدان التحرير مرورا باعتصام الشباب أمام السفارة الإسرائيلية قبل الأخيرة وحتي أحداث موقعة العباسية وانتهاء بالمحاكمات العسكرية كل ذلك يدفعنا للخوف حقا علي مصير الثورة والثوار.. صحيح أن هناك يقيناً داخلنا بأن عقارب الساعة لن تعود إلي الوراء وإن حاول البعض جاهدا أن يجعلها كذلك.. إلا أن أحدا لا يتمني أن يراق مزيد من الدماء أو يقع مزيد من المصابين أو يسجن مزيد من الثوار حتي نضمن سير الثورة في اتجاهها الصحيح. قدر من الثقة هو أكثر ما نحتاجه في هذه الفترة.. ثقة من أن الفسدة يعاملون كما يستحقون.. وأن التدليل والحفاوة والترحيب ليست من حق من ضيعوا البلد وخربوها وأن الالتزام بالقانون هو سيف مسلط علي الجميع.. فلا مجال لغض الطرف عن تجاوزات المتهمين مهما كان وضعهم.. من غير المقبول أن نتركهم يتمادون في تجاوزاتهم.. من غير المقبول أن يتكرر مشهد ظهور علاء بلا قيود واثقا وهو يخفي عدسة الكاميرا بيديه من أن أحدا لن ينهره أو يلومه أو يحاسبه.. من غير المقبول أن يسمح لوالدته أن تخرق قواعد الزيارات الرسمية للسجون.. من غير المقبول أن يلقي مبارك كل هذا القدر من الرعاية الصحية بينما يحرم منها مصابو الثورة. ما يحدث يجعلني أوقن أن المحاكمة الثورية كانت هي الوسيلة الأمثل لمحاكمة مبارك ونجليه ورجاله.. لأنها بلا شك ستكون رادعة وسريعة وحاسمة.. ولا أعتقد أن أحدا من الصور والمشاهد الهزلية والتجاوزات كانت يمكن أن تظهر وتجد طريقها في المحاكمات الثورية. رغم قتامة الصورة إلا أن يقينا بداخلي مازال يدفعني للتفاؤل أحاول به التغلب عن قلق يساورني علي الثورة.. مازلت أستمد الأمل من العودة ليناير.. أتنسم عبير وروح الثورة.. أستمد شحنة أستعين بها لأشعر أن ما يحدث مجرد سحابة صيف لا كابوس يصيبنا بالفزع والخوف علي أجمل ما صنعنا.. حقا النجاح صعب لكن الأصعب منه الحفاظ عليه.