»هافيل« و»كيم«.. رحلا في أسبوع واحد ولكن الفرق بين الرجلين شاسع جدا!! فبينما فضل »هافيل« الزعيم التشيكي مصلحة بلده وتحولها للديمقراطية فوق مصلحته الشخصية.. فضل »كيم يونج إيل« الزعيم الكوري الشمالي مصالحه الشخصية عن مصلحة أكثر من 15مليون كوري شمالي يعيشون تحت خط الفقر.. وبينما كانوا يتسولون الخبز والمجاعة.. التي أودت بحياة مليونين منهم كان يونج يستأجر طباخا يابانيا لإعداد السوشي وإيطاليا للبيتزا؟! وفي حين جاء هافيل للسلطة عبر سنوات من القهر والمعارضة والسجن في حكم الشيوعية.. جاء يونج خليفة لوالده الذي سلمه السلطة.. وبينما كان يونج يشاهد أفلامه السينمائية المفضلة عبر 20 ألف فيلم في مكتبته الخاصة.. حرم علي شعبه ذلك وهددهم بالسجن إذا شاهدوا أفلاما يابانية أو كورية جنوبية أو... أمريكية؟! ولم يكتف بذلك.. بل إنه أصر بلا كلل أو ملل أن يواصل تطوير برامج أسلحته النووية والكيماوية والصاروخية.. علي الرغم من أن اقتصاد بلده بلغ حافة الهاوية وتخطاها منذ عقود بعد أن سيطر علي حكمها منذ 63عاما: »كيم الأب« و»كيم إيل سونج« ثم خليفته الآن.. »كيم يونج أون« الذي لم تظهر صوره عبر وسائل الإعلام كثيرا وهي عادة كورية شمالية متعارف عليها، فالراحل »كيم« تسلم السلطة من والده منذ 17عاما وقبلها كان يقبع في الكواليس لعقدين كاملين، أما نقل السلطة مؤخرا فقد تم منذ 15شهرا، لكيم الابن الذي درس مرحلة الثانوية في سويسرا ويعشق كرة السلة ويتحدث الألمانية بطلاقة وهو ضمن سلسلة في أسرة غامضة ومنعزلة. فقد كان والده الراحل من أكثر زعماء العالم انعزالا ورغم ذلك كان عابثا مغرما بالسلطة وشرب الخمر وحب الفتيات في حدائق قصوره الخاصة. وهو الثمن الذي دفعه فقراء شعبه، بينما يري مؤيدوه أنه كان مخلصا وحساسا ولديه كاريزما شخصية طاغية ووصفته وسائل إعلامه الرسمية بالبطل القومي وبأن مولده ارتبط بظهور قوس قزح وبالنجم الساطع وهي علامات الذكاء وحسن الحظ! وداخل الأسرة الحاكمة.. هناك: كيم جونج أون الرئيس الحالي بعد وفاة والده وهو الابن الأصغر من زوجته الثانية الراحلة.. وقد تم تعيينه تحت لقب »الخلف العظيم«. وهناك المرأة القوية »كيم سميونج« عمرها 46عاما وهي شقيقة الرئيس الراحل وزوجة ثاني أقوي رجل في البلاد وهو تشانج سونج تيك.. ولها مناصبها المتعددة في حزب العمال الحاكم وفي اللجنة المركزية أقوي هيئاته.. وهي أول سيدة كورية شمالية تحصل علي رتبة الجنرال. أما زوجها تشانج فقد كان الرجل الفعلي في حكم البلاد في عهد الرئيس الراحل خاصة في أيام مرضه الأخيرة ويحظي بولاء الجيش والسلطة، وهناك الابن الأكبر كيم سونج نام. وكيم جونج الذي وصفه والده بأنه لا يصلح لشيء أبدا ثم ابنته كيم سول من زوجته الأولي.. وهي مسئولة إعلامية بالحكومة وتكافح الأمية.. والأسرة بذلك تحكم قبضتها علي كوريا الشمالية دولة الحزب الواحد بقيادة حزب العمال والمنعزلة إقليميا ودوليا وكدولة اشتراكية ينظر إليها العالم كله كنظام شمولي ستاليني ديكتاتوري، يعيش سكانها ال32مليونا في عزلة تامة عن العالم ومعظمهم لا يدري أن الإنسان.. وصل للقمر، كما أنه من الصعوبة الحصول علي معلومات موثقة حول البلد ذاته.. ورغم ذلك تمتلك جيشا من أكبر 5 جيوش في العالم يضم نحو 2.1مليون شخص مقاتل.. أما دخل الفرد فلا يتعدي سنويا ال057دولارا. وهكذا ترك »كيم« بلده كوريا الشمالية.. ولكن »هافيل« قصة أخري. فقد بدأ حياته كاتبا مسرحيا قبل أن تقلده المعارضة رئاستها.. وساهم بشدة في المقاومة للنظام الشيوعي لبلده قبل انهياره عام 9891.. وبعد انقسام البلد لقسمين: تشيك وسلوفاك.. كان أول رئيس منتخب لجمهورية التشيك حتي عام 3002.. والرجل فنان ومعارض وسياسي. وكانت له صولاته وجولاته في أحداث خريف براج الشهيرة ضد الحكم الشيوعي لبلده عام 8691 والتي انتهت باجتياح القوات السوفيتية لبلده ووضعه علي لائحة القائمة السوداء، ولكن استمر في كفاحه يكتب المسرحيات ويعارض النظام قبل أن يؤسس حركة حقوق الإنسان عام 7791، وحكم عليه بالسجن بعد ذلك بعامين لمدة 5سنوات قبل أن يطلق سراحه لإصابته بالالتهاب الرئوي الذي ظل ملازما له وحتي سنواته الأخيرة وأدي لموته، وحتي بعد توليه السلطة كان الرجل يصر علي أن يمارس طقوسه كفنان ومعارض وسياسي، فكان يكتب خطبه بنفسه ورغم شخصية الرجل الطاغية خاصة في الخارج إلا أنه واجه معارضته في الداخل.. فالبعض وجد فيه ذكريات الماضي الشيوعي الذي حكم البلاد كثيرا ولم يستطع أن يقاومه بينما كان هافيل يذكر شعبه دائما بأنه كان علي رأس طليعة من قاوموه ولم ينهاروا أمام الغزو الروسي لبلده.. وآخرون رأوا في كلماته وخطبه مجرد شعارات لم تذهب بالبلاد بعيدا نحو.. الديمقراطية الحقيقية.. بل كانت بوقا للغرب وتقليدا أعمي لديمقراطيته. وزاد الطين بلة.. ازدياد وتفشي الفساد في داخل أروقة النظام السياسي.. وكانت آراؤه ومواقفه السياسية سببا آخر في انشغال الناس عنه خاصة تأييده لقصف يوغسلافيا السابقة بالقنابل عام 9991.. عندما كان رئيسا لبلده ضاربا عرض الحائط بالتأييد الشعبي للبلد المجاور في مقابل تأييد أمريكا وحلف الناتو وراءها.. كذلك تأييده لغزو العراق عام 3002، وفيه رأي معارضوه أنه انحياز كامل للغرب.. رغم أنه قال إن تأييده للغزو كان لمقاومة انتهاكات حقوق الإنسان العراقي علي يد رئيسه المستبد صدام حسين.. ورغم ذلك فقد كان من أكثر الأصوات داخل بلده وخارجها.. صدقا. وكان معارضا صريحا للقمع والديكتاتورية.. وساعد شعبه علي التصالح مع ماضيه.. فيما تودع كوريا الشمالية رئيسها الراحل »96عاما« وتعطي ابنه الأمل من 03عاما مقاليد السلطة والحكم والسلالة الحاكمة الشيوعية الوحيدة في تاريخ العالم كله.. تودع جمهورية التشيك والعالم كله.. فاتسلاف هافيل »57عاما« زعيم الثورة المخملية كما يطلقون عليه في بلده وأوربا كلها.. وزعيم ورمز من رموز بلده.. اختار أن ينزوي بعد أن ترك السلطة لمن جاءوا بعده كتقليد لم تكن تعرفه دولته قبل الانفصال وتحت حكم الشيوعيين.. والتبعية للنظام السوفيتي العتيق الذي انهار هو الآخر..