في الوقت الذي تتركز فيه أعين الكثيرين في العالم علي ما يجري من ترتيبات لانتقال السلطة في كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي والتوتر المزمن في علاقاتها مع جارتها الجنوبية, خرج كيم جونج نام الابن الأكبر لزعيم كوريا الشمالية كيم جونج ايل ليعلن في مقابلة مع التليفزيون الياباني اساهي يوم السبت الماضي أنه يعارض توريث السلطة لأخيه غير الشقيق كيم جونج اون. الأمر الذي يمكن وصفه بأنه بمثابة إلقاء دلو من الماء المثلج في ليلة شديدة البرودة علي رأس الزعيم الكوري الشمالي ومعاونيه الذين عكفوا في الأيام الأخيرة علي تمهيد الطريق أمام الابن الأصغر لكي يتولي مقاليد السلطة بعد والده الذي يعاني من مشاكل صحية نتيجة إصابته بجلطة في الدماغ عام2008. فقبل اقل من ثلاثة أسابيع منح زعيم كوريا الشمالية ابنه الأصغر كيم جونج اون(27 سنة) رتبة جنرال ليصبح بذلك اصغر جنرال في تاريخ الجيش الكوري الشمالي الذي يبلغ تعداده1.2 مليون شخص ويمتلك اسلحة نووية. وبعد ذلك بيوم واحد فقط حصل كيم جونج اون الذي يطلق عليه اسم' الجنرال الصغير' أو' القائد الصغير' علي منصبين قياديين في الحزب الحاكم حيث عين عضوا في اللجنة المركزية ونائبا لرئيس اللجنة العسكرية المركزية كما نشرت صوره لأول مرة. ثم تسلطت الأضواء والكاميرات علي الجنرال الصغير مؤخرا وهو يحضر إلي جانب والده اضخم مسيرة عسكرية في تاريخ كوريا الشمالية للاحتفال بالذكري الخامسة والستين لتأسيس حزب العمال الحاكم علي يد الزعيم الراحل كيم ايل سونج. الابن الأكبر كيم جونج نام(39 عاما) وهو اخ كيم جونج اون من ام ثانية كانت تعمل ممثلة ورحلت في عام2002 يبدو أنه ضيع فرصته في نيل ثقة والده لخلافته في الحكم نتيجة تصرفاته الشخصية المشينة مثل لعب القمار ومصاحبة الفتيات وزيجاته المتكررة. كما يبدو انه افسد فرصته لتولي القيادة نهائيا بعدما جري ترحيله من اليابان في عام2001 لمحاولته الدخول إليها بجواز سفر مزور للذهاب مع ولده وامراتين للتسلية في منتجع والت ديزني الياباني. صراع علي السلطة رغم أن الابن الأكبر يعيش متنقلا بين ماكاو والصين وروسيا وأوروبا منذ فترة ورغم أنه لا يتمتع بنفوذ ملموس داخل صفوف الجيش الكوري الشمالي ورغم تأكيده أنه سيقبل بخيار والده لأنه لا يسعي لتولي السلطة فإن معارضته العلنية لتوريث السلطة أثارت التكهنات بإمكانية حدوث صراع علي السلطة بعد غياب الزعيم الحالي. ومما يعزز من هذه التكهنات أن الجنرال الصغير يبدو قليل الخبرة في التعامل مع جبل من التحديات الصعبة إذا ما تولي السلطة في المستقبل القريب رغم دراسته في سويسرا في الفترة من1996 حتي2001 ثم دراسته العسكرية في بيونج يانج فضلا عن مرافقته لوالده في رحلاته الداخلية والخارجية منذ فترة طويلة. ولعل من أهم هذه التحديات مسألة إدارة ملف البرامج النووية والصاروخية لدي كوريا الشمالية والتي تسببت في تفجير خلافات عميقة مع القوي الاقليمية الرئيسية في منطقة شرق آسيا خاصة الولاياتالمتحدةواليابان وكوريا الجنوبية. كما سيواجه الزعيم الجديد أيضا وضعا اقتصاديا بالغ الهشاشة في كوريا الشمالية نتيجة استمرار العقوبات الدولية المفروضة من جانب الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة بسبب مواقف بيونج يانج من تطوير برامجها النووية والصاروخية واتهامها بإغراق سفينة حربية تابعة لكوريا الجنوبية في مارس الماضي. ومع ذلك يتفق معظم الخبراء والمراقبين علي أن عملية توريث السلطة للجنرال الصغير ستعتمد في الأساس علي فترة بقاء' الزعيم الغالي' كيم جونج إيل في الحكم وما إذا كان سيتمكن من بناء قاعدة داخلية وخارجية قوية لإتمام عملية التوريث إلي الجيل الثالث من الأسرة الحاكمة التي بدأت بمؤسس الدولة كيم إيل سونج ثم انتقلت إليه في عام1994 وهي في طريقها الآن إلي الحفيد كيم جونج أون. وقد تمثلت آخر الجهود المبذولة لبناء هذه القاعدة في قيام زعيم كوريا الشمالية بإجراء تعيينات عسكرية وسياسية جديدة في نهاية الشهر الماضي بهدف إعادة تشكيل هيكل القوة السياسية في الحزب والدولة. حيث تم منح السيدة كيم كيونج هوي(63 سنة) وهي شقيقة الزعيم الكوري الشمالي رتبة جنرال كما باتت هي الأخري عضوا في اللجنة المركزية واللجنة العسكرية المركزية في الحزب الحاكم. الأمر الذي سيفتح الباب أمامها لكي تكون مع زوجها جانج سونج ثايك الذي يعتبر الرجل الأقوي في النظام بعد الزعيم كيم جونج أيل وصية علي الجنرال الصغير في حال وفاة الزعيم الكوري الشمالي أو اضطراره للتنحي بسبب صحته. ومن جهة أخري عين الرئيس الكوري الشمالي أيضا أربعة أعضاء جدد في رئاسة المكتب السياسي للحزب التي كان ينفرد بها منذ عام1997 ومن أهم هؤلاء الأعضاء كل من كيم يونج نام الذي يبلغ من العمر82 عاما ويترأس البرلمان وتشو يونج ريم الذي يبلغ من العمر81 عاما ويترأس مجلس الوزراء. فهل تنجح هذه التعيينات في ضمان انتقال سلس للسلطة إلي الجنرال الصغير بعد رحيل والده لسبب أو آخر؟.. سنحاول الاجابة عن هذا التساؤل في الأيام المقبلة لأهميتها في ضوء امتلاك زعيم كوريا الشمالية القادم لبرامج نووية وصاروخية متطورة من شأنها تهديد الاستقرار في منطقة شرق آسيا خاصة في ظل التوتر الذي تشهده علاقات كوريا الشمالية مع كوريا الجنوبية وحليفيتها الولاياتالمتحدةواليابان منذ ان اتهمت سول جارتها الشمالية بإغراق سفينتها العسكرية في مارس الماضي.