عهد قطعته علي نفسي ولم أدر أن فيه وعيدي. لم أتردد عندما تعهدت بالالتزام به. وكيف ذلك وصورتها لم تبرح خيالي وطيفها أمام عيني لايغيب وكلماتها يرددها قلبي فتدفعني للتحمل والوفاء. لم أكن أسامح نفسي لو فعلتها ولم يكن يسامحني أولادها لو تخليت عنهم. أختي الكبري توأم روحي التي شاركتني كل تفاصيل حياتي كما شاركتها تلك التفاصيل. ضمتنا غرفة جميلة في بيت كان الدفء أجمل ما فيه. علمنا كيف نحب بعضنا بصدق ونحتضن آلامنا وآمالنا معا . كنا نقضي ليالي طويلة تحدثني عن ذلك الشاب الذي خطف قلبها وتمنت الارتباط به شاركتها الحلم أن يتقدم لها والفرحة يوم أن حدث ذلك. واستعدادها لأجمل يوم في عمرها. كنت معها خطوة بخطوة حتي انتهينا من تأثيث عشها الجميل . كانت في عيني أجمل عروس وبعد شهور أصبحت أجمل أم. خفق قلبي بوليدها عندما جاء إلي النور فكنت أول من استقبلته، ضممته إلي حضني وشعرت أنه أيضا وليدي وبنفس المشاعر استقبلت أخته . نفس اللهفة والحب والفرحة. كنت أتابعهما لحظة بلحظة . شاركت أختي فرحتها بظهور أول سنة وأول كلمة وأول خطوة كلها محفورة في قلبي مثلما حفرت في قلبها . كم كانت سعادتنا بهما . لم يقلل منها سوي علامات المرض التي بدت واضحة علي أختي والتي تعاملنا معها في البداية علي أنها نوع من الإجهاد حتي اكتشفنا حقيقة المرض اللعين الذي أصابها . لاأعرف كيف تماسكت أمامها محاولة التهوين من الأمر وبث قدر من التفاؤل وأمل في الشفاء لكنها وحدها كانت تدرك أنها النهاية. أما أنا فلم أدرك ولم أستطع مجرد تخيل أن يحدث ذلك . ربما هذا ما دفعني للموافقة علي الوعد الذي أصرت علي أن أقطعه علي نفسي أمامها . بدموع أم حلفتني ألا أترك أبناءها لامرأة أخري يمكن أن تحل مكانها بعد الرحيل طالبتني أن أحل أنا مكانها وألا أترك زوجي لأخري . حمل ثقيل طوق عنقي أثقلتني به ورحلت . فوق آلام الفراق كان عليّ تحمل أثقال الوعد . الذي زادت آلامه بعدما أخذ الجميع يحثني علي الوفاء به . بعد عام من وفاتها بدأ الحديث عن زواجي من أرمل أختي وتعامل الجميع معه كأنه أمر مسلم به . كلمات أبي تحثني علي ذلك وكلمات زوج أختي ووالديه الكل يردد نفس النغمات .ولايدري أي منهم أن أرمل أختي هو آخر رجل يمكن أن أفكر في الزواج منه فلم يكن لي إلا مجرد أخ كما أن لي تحفظات كثيرة علي طباعه ربما تحملتها أختي لكني لاأستطع يوما تحملها والأهم من ذلك أن قلبي متعلق بآخر لم أستطع أن أبوح بتلك المشاعر لأختي وهي علي فراش الموت. لذلك اضطررت لقطع الوعد علي نفسي والآن أشعر بالندم ولاأدري أي الطريقين أختار. حائرة بين وعدي لأختي وعهدي لذلك الشاب الذي امتلك قلبي . يزيد حيرتي خوفي علي أبناء أختي إذا ما أقدم أبوهم علي الزواج من أخري لاتكون لهم أما بديلة ويفتقدون معها الشعور بالحنان والعطف فيزداد إحساسهم باليتم . حقيقة أنا في حيرة لاأدري أي الطريقين أختار؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول : ربما يبدو الاختيار صعبا إذا لم تجدي هذا الشاب الذي أحببته لكن أما وقد وجدته فأعتقد أن الأمر ليس بهذه الصعوبة . ودعيني أصارحك أنه من الخطأ أن تقدمي علي الزواج من أرمل شقيقتك فقط تنفيذا لوصيتها ومن منطلق الواجب فقط فالزواج الناجح لايمكن أن يقوم علي أساس الشفقة والواجب إنما يحتاج إلي القبول والرضا والاقتناع . من الخطأ أن تعتقدي أن زواجك منه سيضمن السعادة لأبناء أختك فهذه السعادة لن تتحقق إلا إذا شعرت أنت بنوع من الاستقرار والهدوء في حياتك ففاقد الشيء لايعطيه .أيضا من الخطأ افتراض أن زوجة الأب ستكون غليظة القلب وغير عطوفة فهذه الصورة النمطية التي كرستها الأفلام السينمائية تناقضها حالات كثيرة واقعية كانت زوجة الأب بمثابة أم بديلة .وثقي أن أختك لو كانت تعلم بحبك لهذا الشاب ما طوقتك بهذا الوعد. فاتركي لقلبك حرية الاختيار ولاتجعلي من وصية أختك طوقا في رقبتك فمن السهل تنفيذ وصيتها برعاية أبنائها دون أن يكون ذلك خصما من سعادتك ودفعك للزواج ممن لايهواه قلبك. إنتظار مثل كل فتاة كنت أحلم بالحب .وإن حالت ظروفي الصعبة دون تحقيق الحلم بسهولة. توفي أبي وأنا في سن صغيرة واضطررت للخروج للعمل في هذه السن لأخفف عن كاهل أمي بعضا من أعبائها لكني لم أترك في نفس الوقت دراستي فنجحت بفضل دعوات أمي في الحصول علي مؤهل متوسط اكتفيت به وواصلت العمل في " محل الكوافير الذي احتضنني صغيرة " رغم حياتي البسيطة إلا أنني كنت أحمد الله علي الصحة والستر وإن كان بداخلي شعور بأن حظي في الدنيا قليل . هذا ما دفعني لأن أفتح قلبي بسهولة أمام أول شاب طرقه رسم لي أحلاما صدقتها حتي استيقظت منها علي كابوس عندما اتضح لي أنه حاد الطباع عصبي دائم الشجار حتي في عمله لدرجة أن صاحب العمل فصله وتكرر ذلك في كل عمل يلتحق به لينتهي به الأمر عاطلا. وهو ما اضطرني إلي الانفصال عنه. بعدها تعرفت علي شاب آخر علي النقيض تماما من الأول ظننت معه أن الحظ صالحني لكني اكتشفت كم أنا مخدوعة بعدما تبين لي أنه يتعاطي المخدرات واضطررت للمرة الثانية إلي الانفصال. أصبت باليأس داهمتني حالة من الاكتئاب لم يخرجني منها سوي شاب ثالث جذبني خلقه وطباعه لكن كما يقولون الحلو ميكملش فهذا الشاب مصر علي أن أعمل بعد الزواج لأساعده في تكاليف المعيشة الصعبة لكنني أرفض ذلك فقد تعبت من العمل وأصبت بسببه بآلام في الظهر ولم أعد قادرة علي تحمل المزيد من الآلام . لكنه يرفض ذلك ولا أدري ماذا أفعل ؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول : كثيرا ما تتعرض تجاربنا العاطفية للفشل بسبب تلك اللهفة التي تسكننا وتحثنا علي سرعة الارتباط. لهفتنا تلك هي التي تقودنا لسوء الاختيار وهذا ما حدث لك. تسرعت في الارتباط بشاب لاتعرفين عنه الكثير لتكتشفي بعد ذلك سوء طباعه وتكرر نفس الشيء مع الشاب الثاني أما الثالث فلم يترك لك حرية الاختيار وفرض عليك أمرا لا ترغبينه . وبالرغم أنني لاأوافقك الرأي وأري أن عملك هو سلاح في يدك ومع ذلك فالأمر متروك لك مقدرة تلك الظروف الصعبة التي مرت بك ودفعتك لهذا القرار. عموما إذا كان هذا الشاب يحبك بصدق لتفهم ظروفك . وإذا لم يفعل فلا تندمي وثقي أن نصيبك لم يأت بعد. وبكلمات أخري أقول لك: