تحول في المواقف وتغير في المعادلات علي الأرض يشهده اليمن، ذلك البلد الذي مزقه الحرب الأهلية وجعله أطلالا ووضعه علي شفا أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث.. بدأت التطورات يوم السبت الماضي باشتباكات عنيفة بين الحوثيين، المدعومين من إيران، وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح في العاصمة صنعاء، بعدما كان الطرفان حليفين في انقلاب عام 2014 علي الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي المدعوم من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. علي عبد الله صالح قال إنه مستعد لفتح »صفحة جديدة» في العلاقات مع التحالف بقيادة السعودية الذي يقاتل في اليمن في خطوة قد تمهد الطريق لإنهاء الحرب المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات. ويأتي هذا التحول الواضح في المواقف في الوقت الذي اشتبك فيه أنصار صالح مع المقاتلين الحوثيين علي مدار الأيام الماضية بدءا من الأربعاء الماضي، في العاصمة صنعاء في معارك قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها أسفرت عن سقوط عشرات القتلي وأدت إلي دعوات لحماية المدنيين. وكان هذا أخطر قتال يندلع منذ تحالف الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح ضد التحالف الذي تقوده السعودية والذي دخل حرب اليمن في 2015 في محاولة لإعادة الحكومة المعترف بها دوليا بزعامة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلي السلطة. وتسلط الاشتباكات الضوء علي الوضع المعقد في اليمن حيث تدور رحي حرب بالوكالة بين الحوثيين المتحالفين مع إيران وهادي المدعوم من السعودية مما تسبب في إحدي أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث. وقال صالح في كلمة عبر التليفزيون »أدعو الأشقاء في دول الجوار والمتحالفين أن يوقفوا عدوانهم ويرفعوا الحصار وأن يفتحوا المطارات وأن يسمحوا للمواد الغذائية وإسعاف الجرحي وسنفتح معهم صفحة جديدة للتعامل معهم بحكم الجوار وسنتعامل معهم بشكل إيجابي ويكفي ما حصل في اليمن». وتنحي صالح عن الرئاسة في 2012 بعد أن حكم اليمن لمدة 33 عاما وذلك في أعقاب أشهر من الاحتجاجات ضد حكمه لكنه ظل زعيما لحزب المؤتمر الشعبي العام أكبر حزب سياسي في البلاد. وقال صالح إن البرلمان اليمني، الذي يهيمن عليه حزبه، هو القوة الشرعية الوحيدة في البلاد وإنه مستعد لإجراء محادثات مع التحالف. ترحيب التحالف بقيادة السعودية رحب بتصريحات صالح وتغييره لموقفه. وقال التحالف في بيان بثته قناة الحدث السعودية إنه يثق بأن زعماء حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح سيعودون إلي »المحيط العربي».وقال هادي أيضا في بيان بعد اجتماع مع مستشاريه إنه مستعد للعمل مع صالح ضد الحوثيين. وقال البيان إن »الاجتماع يدعو لفتح صفحة جديدة مع كل الأطراف السياسية علي أساس المرجعيات الثلاث المتفق عليها والمدعومة وطنيا وإقليميا ودولياً لتشكيل تحالف وطني واسع، يتجاوز كل خلافات الماضي ويؤسس لمرحلة جديدة، ويوحد الجميع في مواجهة ميليشيا الحوثي الانقلابية». وقال سكان ووسائل إعلام محلية إن طائرات تابعة للتحالف بقيادة السعودية قصفت مواقع للحوثيين في صنعاء أثناء الليل بهدف دعم أنصار الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في قتالهم لجماعة الحوثي المتحالفة مع إيران. وفي الوقت نفسه، أسرت قوات حزب المؤتمر الشعبي المئات من عناصر ميليشيات الحوثي الإيرانية في أكثر من منطقة بالعاصمة اليمنية صنعاء، وقد وثق مقطع فيديو عملية استسلام جماعي للحوثيين جنوبالمدينة. ونشر موقع حزب المؤتمر مقطع فيديو يظهر فيه استسلام العشرات من عناصر الميليشيات التابعة لإيران، من مقر حكومي جنوبيصنعاء. ويتهم التحالف إيران بمحاولة توسيع نفوذها في الدول العربية بما يشمل اليمن التي لها حدود ممتدة مع السعودية من خلال دعم الحوثيين وصالح. فيما يتهم الحوثيون صالح بالخيانة وتعهدوا بمواصلة القتال ضد التحالف الذي تقوده السعودية. وقال المكتب السياسي لجماعة أنصار الله الحوثية في بيان »غير غريب ولا مفاجئ أن يخرج صالح منقلبا علي شراكة لم يؤمن بها يوما.. الأولوية كانت ولا تزال هي التصدي لقوي العدوان ومخططاتها ومواصلة معركة الكرامة والاستقلال». وتحدث سكان في العاصمة عن اشتباكات عنيفة في وقت مبكر من صباح السبت الماضي في شوارع منطقة حدة السكنية بجنوبصنعاء والتي يعيش فيها الكثير من أقارب صالح ومن بينهم طارق صالح نجل شقيقه. دعوات طائفية الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة لشؤون الخارجية الإماراتي قال، إن قطر حاولت إجراء وساطة لإنقاذ الحوثيين. وكتب في تغريدة علي موقع التواصل الاجتماعي »تويتر» أن الوساطة القطرية لإنقاذ ميليشيات الحوثي الطائفية موثقة، ولن تنجح، لأنها ضد إرادة الشعب اليمني الذي يتطلع إلي محيطه العربي الطبيعي. وتابع »انتفاضة صنعاء واليمن صحوة من كابوس الانجراف وراء الدعوات الطائفية المضللة والمضادة لمصالح الشعب اليمني». وكانت تغريدات قرقاش بمثابة فضح محاولة جديدة للخروج عن الصف العربي والانحياز لحليفتها إيران، حيث تدخلت قطر خلال الساعات الماضية بعرض وساطة علي الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لوقف القتال ضد ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران، وذلك بعدما انتزعت القوات الموالية لحزب المؤتمر السيطرة علي مفاصل صنعاء ومبانيها الحيوية من قبضة مقاتلي الحوثيين. العرض القطري الذي قدمته الدوحة لإنقاذ حليفتها إيران، قابله صالح بالرفض داعياً دول التحالف العربي إلي فتح صفحة جديدة للحوار، في خطوة لتوحيد الصف اليمني، والتصدي للمؤامرات القطرية- الإيرانية التي تحاك منذ سنوات في هذه المعركة. أصل الخلاف قبل أشهرٍ قليلةٍ ، اتهم زعيم جماعة أنصار الله الحوثية، عبد الملك الحوثي، علي عبد الله صالح بالخيانة والاتفاق سرًا مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية، منذ ثلاث سنوات ضد انقلاب الحوثيين في الأراضي اليمنية. ولكن ما حدث صبيحة السبت الماضي أكد أن هناك تفاصيل وراء العداء المفاجئ بين الحليفين السابقين، فقد أبدي الرئيس اليمني السابق استعداده التفاوض مع التحالف العربي وإنهاء حالة الحرب الناشبة في البلاد منذ ثلاث سنوات، ليضرب بذلك المسمار الأخير في نعش العلاقة بينه وبين الحوثيين، المدعومين من إيران، و ليبدأ معها الطرفان اللذان كانا يدًا واحدةً قبل أيام، رحلةً جديدةً من العداء الصريح. في مسرح الأحداث، اندلعت اشتباكاتٍ في أنحاءٍ عدةٍ بالعاصمة اليمنية صنعاء، تمكنت من خلالها القوات الموالية لحزب المؤتمر الشعبي، المؤيد لعلي عبد الله صالح من بسط سيطرتها علي مناطق حيوية جنوب العاصمة اليمنية، بحسب ما أعلنته القوات الموالية لصالح، والتي أكدت أيضًا سيطرتها علي مطار صنعاء ، إضافةً إلي مبانٍ حكوميةٍ كانت تخضع لسيطرة الحوثيين. و قبل أن يحدث هذا ، خرج الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ، الذي أطاحت به ثورةٌ شعبيةٌ في خضم أحداث الربيع العربي، ليضرب علاقته بالحوثيين في مقتلٍ، بإعلانه الفراق عنهم، ووصمهم بالعدوان السافر علي الجمهورية اليمنية، حين قال إن »الشعب انتفض ضد عدوان الحوثيين السافر بعد ما عاني الوطن منه علي مدي 3 سنوات عجاف منذ أن تحملوا المسؤولية بعد فرار الرئيس عبد ربه منصور هادي، لا مرتبات ولا دواء و لا مأكل و لا مشرب و لا أمان، يقومون بتجنيد الأطفال الصغار و يزجون بهم في معارك عبثية». الحوثي يرد رد الحوثيين علي ما قاله صالح جمع بين سياسة تقدير الموقف للحليف الوحيد علي الأرض والهجوم المضاد، فزعيم الجماعة المدعومة من إيران، عبد الملك الحوثي، دعا صالح إلي التعقل وعدم الانجراف وراء من وصفهم بالميليشيات المتهورة التي تسعي لإثارة الفتنة - حسب تعبيره - نافيًا في الوقت ذاته أن يكون أنصاره قد هاجموا أو اقتحموا جامع الصالح في صنعاء. أما الرد العنيف من قبل الحوثيين ، فجاء من المتحدث باسم جماعة أنصار الله ، محمد عبد السلام ، الذي اتهم الرئيس اليمني السابق بقيادة انقلاب علي الدولة اليمنية والشراكة التي تجمع قوات حزب المؤتمر الشعبي بالحوثيين ، حسب قوله ، ليقرن اسمه باسم الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي ، الذي تعتبره الجماعة الحوثية منقلبًا علي الشرعية في اليمن. خلافات متأصلة و لم يكن الخلاف بين علي عبد الله صالح والحوثيين وليد اللحظة علي الرغم من الإقرار بأن التصريحات التي جاء بها صالح اليوم وحملت هجومًا عنيفًا علي الحوثيين كانت فجائيةً. فمتي بدأ الخلاف؟ بدأ الخلاف المتأصل في مطلع عام 2015، حين رفض الحوثيون انعقاد مجلس النواب اليمني للموافقة علي استقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، التي قدمها في 22 يناير من العام نفسه، قبل أن يتراجع عنها لعدم انعقاد جلسة البرلمان التي سيتم التأشير من خلالها علي رحيله عن سدة الحكم في البلاد. خطوة كان يمني صالح النفس بالعودة مرة من خلالها إلي صدارة المشهد في الجمهورية اليمنية ، إلا أن تلك الرغبات اصطدمت بموقف الحوثيين الذي حال دون ذلك حينها. هذا الأمر أكده الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، عارف الزوكا، الذي أكد في شهر أغسطس الماضي أن الخلافات بين صالح والحوثيين بدأت من تلك اللحظة، حيث رأي أن الحوثيين احتلوا مجلس النواب بصنعاء ومنعوا عقد تلك الجلسة علي الرغم من أهمية الجلسةً. اتهامات متبادلة الزوكا من جانبه أيضًا اتهم الحوثيين بنهب 4 مليارات من خزينة الدولة، إلي جانب استمرار سيطرة اللجنة الثورية التابعة لهم علي الميدان، و كل صغيرةٍ و كبيرةٍ، و منعها الوزراء المحسوبين علي الحزب الذي يقوده صالح من دخول الوزارات. و لم تقف حينها الجماعة الحوثية مكتوفة الأيدي تجاه الاتهامات الموجهة لها من قبل حزب المؤتمر الشعبي، فرد المتحدث باسم الجماعة، محمد عبد السلام، الكرة حينها لحزب المؤتمر متهمًا إياه بأنه قضي علي مفهوم الدولة وحولها إلي ممتلكاتٍ حزبيةٍ، حسب قوله ، معتبرًا أن تلك التصريحات تشويهٌ بحق جماعة أنصار الله. جنون الحوثي ويبدو أن التطورات الأخيرة أصابت جماعة الحوثي بالجنون والتخبط، حيث إنها زعمت إطلاق صاروخ كروز صوب مفاعل نووي في أبوظبي، وقالت قناة تلفزيونية تابعة لجماعة الحوثي في اليمن عبر موقعها الإلكتروني إن الجماعة أطلقت صاروخ كروز باتجاه محطة للطاقة النووية في أبوظبي بالإمارات. وأضاف الموقع دون تقديم أدلة »القوة الصاروخية تعلن إطلاق صاروخ مجنح نوع »كروز» علي مفاعل براكة النووي في أبوظبي». ولم يذكر الموقع تفاصيل أخري. ومن جانبها، كذبت هيئة الطوارئ والأزمات الإماراتية، الأحد، مزاعم الحوثيين، وقالت الهيئة إن »الإمارات تمتلك منظومة دفاع جوي قادرة علي التعامل مع أي تهديد من أي نوع». وأضافت هيئة الطوارئ والأزمات: »ومشروع مفاعل براكة محصن ومنيع تجاه كل الاحتمالات».