كانت بداية الظهور في كلية الآداب جامعة عين شمس.. ولأن هذه الكلية كانت تحتل موقعا منفردا عند دوران شبرا وفي مواجهة كنيسة سانت تيريزا.. وكان أساتذة الكلية من عمالقة ذلك الوقت في بداية الخمسينيات من القرن الماضي أمثال الدكتور مهدي علام أستاذ اللغتين العربية والإنجليزية وعبدالرحمن بدوي أستاذ الفلسفة ود. عزت عبدالكريم أستاذ التاريخ والدكتور لويس عوض أستاذ الأدب الإنجليزي ود.علي الخفيف أستاذ الشريعة الإسلامية ود. الساعاتي أستاذ علم النفس، بين كل هؤلاء أو معهم ظهر نجم أنيس منصور الشاب القادم من جامعة القاهرة ليكون أول معيد في قسم الفلسفة شاب في أواخر العشرينات وفي ظل تغير جوهري علي أرض مصر من عصر الملكية إلي عصر الثورة 2591. كان أنيس منصور قارئا جيدا واجتماعيا إلي حد بعيد ومن هنا فقد عقد صداقات كثيرة بين صفوف الطلبة والطالبات ونركز هنا علي الطالبات الجميلات اللاتي رأين في أنيس منصور صورة رائعة من صور بطل الأحلام، الفتي الأول للحياة.. وأشياء أخري كثيرة خاصة أن أنيس منصور كان منطلق اللسان والقلم أيضا محدث بارع وكأنه يستعيد في كل يوم عشرات الكتب التي قرأها ومن هنا يشد انتباهك إليه في اللحظة الأولي التي يتحدث إليك فيها. وربما هذا هو ماشد انتباه أصحاب أخبار اليوم إليه خاصة مصطفي أمين وعلي أمين علي أمين الذي تحيز له وشده إليه، فأسند إليه علي الفور الزاوية الأدبية في جريدة الأخبار والتي كانت في الصفحة الأخيرة للجريدة مرة واحدة كل أسبوع.. وربما هذا ما شد إليه كل أدباء مصر فراحوا يداومون زيارته والظهور في صفحته. وكان الصراع بين التواجد في كلية آداب عين شمس والتواجد في جريدة الأخبار. انشغل أنيس منصور بالأخبار في الوقت الذي شد إليه العديد من شباب الكلية خاصة عندما راح يعلن أنه مؤمن بالفلسفة الوجودية (جان بول سارتر) وآخرين.. وكان هذا ما قدمني إليه في المرة الأولي عام 3591. كنت طالبا في قسم اللغة العربية لكن محبا جدا لقراءاتي في الأدب الإنجليزي والأدب الفرنسي (باللغة الإنجليزية غالبا.. في هذه السنة كانت لي نشاطات رياضية واجتماعية داخل الكلية وخارجها. قمت بالإعداد لرحلة نيلية إلي القناطر الخيرية ولما كان شباب الكلية وشاباتها حريصين علي المجيء في هذه الرحلة فقد حرص أنيس منصور علي الحضور أيضا.. في صباح ذلك اليوم »الجمعة« كان مستندا إلي السور العلوي للسفينة التي حملتنا راح يسأل عن معد هذه الرحلة أشاروا له إلي أنه أنا.. وقالوا هذا الطالب في قسم اللغة العربية. فناداني وسألني: يعني أنت في قسم الفقهاء قسم اللغة العربية مالك أنت ومال النشاط الاجتماعي والرحلات؟ قلت يا أستاذ أنيس هناك ما هو أبعد من هذا قال: ماهو ؟ قلت أنا قارئ للأدب الوجودي أيضا.. قال : مش معقول! قلت له : هل قرأت آخر الكتب: Aga of yeasan قال لا بحثت عنه فلم أجده قلت له لأنها نسخة واحدة التي جاءت إلي مكتبة الأنجلو صبحي جريس.. وهي عندي .. قال: في عرضك أنا عايزها.. قلت له : يا أستاذ أنيس سمعتك وحشة في عملية اقتراض الكتب قال : لا والله حرجعها لك عند انتهائي من قراءتها! وكانت هذه بداية التعارف والصداقة.. صداقة الأستاذ لأحد التلاميذ في ذلك الوقت وأذكر أنه في منتصف السنة 1955 كان أنيس منصور يقف عند السلم المؤدي إلي باب الكلية ورآني وأنا أمشي في قلق ذهابا وجيئة.. فناداني! فيه إيه؟.. قلت له: النتيجة حتظهر دلوقت نتيجة الليسانس؟.. قال: طب استني وراح إلي الكونترول بنفسه وعاد مقطب الجبين نظرت في وجهه وقلت له : إيه أنا سقطت؟ قال : لا نجحت يا الله أنا عازمك علي الغداء عند خرالامبو.. وكان خرالامبو هذا هو المسئول عن مطعم النادي الثقافي في جاردن سيتي وكانت هذه أول مرة أدخل هذا النادي ليدعوني أنيس منصور علي الغداء ويدفع لي خمسة وعشرين قرشا شاملة كل شيء. أنيس منصور ولاشتغاله بالصحافة وظهور اسمه فيها لم يقدم الأبحاث العلمية المطلوبة منه ليرتقي إلي درجة مدرس مساعد في كلية الآداب واضطر إلي تركها ليتفرغ للصحافة التي أصبح لامعا فيه. وكما كان في كلية الآداب محبا للشباب يتحدث إليهم ويتحدثون إليه فقد كان كذلك في أخبار اليوم خاصة عندما عرف بأنني تركت الدراسات العليا وتفرغت للعمل في آخر ساعة وكان أقرب الصداقات إليه أنا وإبراهيم راشد الذي أطلق عليه لقب : القروي لمجيئه من قريته في الشرقية ونشاطه في الإعلانات جنبا إلي جنب مع الصناعة والبترول.