في ظل الشح المائي الذي تعاني منه مصر حاليا والبحث عن وسائل جديدة لترشيد استهلاك الماء يخرج علينا الدكتور أسامة سلام الباحث بالمركز لقومي لبحوث المياه، بمفهوم جديد يسمي "البصمة المائية" والتي تعني حساب كل قطرة مياه تدخل في الزراعة أو الصناعة مما يجعلنا نحافظ عليها كما يدعم موقفنا في سير المفاوضات مع أثيوبيا والتي تستغل أرقاما غير صحيحة لبصمتنا المائية كذريعة لتقليل حصتنا من مياه النيل. "آخر ساعة" حاورت سلام للتعرف علي هذا المفهوم الجديد وكيف أن يوسف الصديق هو أول من تنبأ به بإنشاء صوامع لتخزين القمح تفاديا لإهدار المياه في سنوات الجفاف القاحلة.. • ما هي البصمة المائية؟ يمكننا القول إن البصمة المائية لأي سلعة أو منتج هي حجم المياه العذبة المستخدمة في إنتاج هذه السلعة أو المنتج، ويقاس علي كامل عمليات ومراحل التجهيز والإعداد والإنتاج للسلعة أو المنتج، وهو مؤشر متعدد الأبعاد، يشمل حجم استهلاك المياه، وحجم ونوع التلوث الناتج عن عمليات الإنتاج وهناك مثال مشهور علي ذلك حيث إن إعداد فنجان من القهوة لا يقتصر فقط علي مجرد 125 ملليمترا من الماء والتي تستخدم لإعداده، بل إن هناك حوالي 140 لترا من الماء تتطلبها زراعة البن المستخدم في عمل فنجان القهوة. • هل يعد هذا التعريف حديثا أم له خلفية تاريخية قديمة؟ بالطبع البصمة المائية هي مفهوم حديث نسبيا وبدأ في الانتشار منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي وقد قام فريقان من هولندا واليابان بعمل دراستين منفصلتين لتقديرات البصمة المائية لعدد كبير من السلع والمحاصيل والمنتجات الزراعية والصناعية والخدمات وكذلك قاموا بتقدير البصمة المائية لدول العالم. • ما أنواعها؟ هناك ثلاثة أنواع من البصمة المائية أولها الزرقاء وتشير إلي حجم المياه الزرقاء المستهلكة لإنتاج أي منتج، أو سلعة والتي قد يكون مصدرها مياها جوفية أو مياه أنهار كنهر النيل أو بحيرات أما الخضراء فتشير إلي استهلاك مياه الأمطار، والتي تستخدم مباشرة لإنتاج محاصيل أو تنمية الثروة الحيوانية من خلال المراعي الطبيعية ولك أن تعلم أن 90٪ من موارد أثيوبيا هي خضراء ولكنهم لايعترفون بذلك وأخيرا الرمادية تشير بصفة عامة إلي التلوث، وتعرف بأنها حجم المياه العذبة المطلوبة لاستيعاب حمولة الملوثات الناتجة عن عملية معينة، أما من حيث مصدر المياه فتنقسم إلي بصمة مائية داخلية وتشير إلي بصمة السلع والمنتجات المستهلكة داخليا والخارجية هي بصمة السلع والمنتجات المستوردة من الخارج. • كيف يمكن حساب البصمة؟ البصمة المائية لأي سلعة يمكن حسابها من خلال أبحاث تطبيقية تحدد كمية المياه المستخدمة في كافة مراحل إنتاج السلعة ومن ثم يمكن حساب البصمة المائية للاستهلاك الوطني لأي دولة عن طريق تجميع بصمة السكان وهي عبارة عن البصمة المائية للسلع والمنتجات والخدمات المنتجة باستخدام المياه المحلية والتي يستهلكها السكان مضافا إليها البصمة المائية للسلع والخدمات والمنتجات المستوردة. (مطروحا منها) بصمة السلع والمنتجات المصدرة وقد ألزمت أسبانيا كل من يتقدم لعمل مشروع تجاري أو صناعي بحساب البصمة المائية له تفاديا لإهدار المياه. • هل تختلف البصمة المائية المصرية عن مثيلاتها في العالم؟ كلمة بصمة معناها التفرد فالبصمة المائية تختلف من سلعة إلي أخري وأي محصول أو منتج أو سلعة تختلف البصمة المائية له من دولة إلي أخري وبالطبع ستكون البصمة المائية للفرد المصري مثلا مختلفة عن البصمة المائية لأي فرد في العالم وكذلك البصمة المائية لأي دولة تختلف من دولة لأخري، وعلي سبيل المثال البصمة المائية الكلية للدولة المصرية تزيد عن 115 مليار متر مكعب من المياه سنويا في عام 2015 في حين تبلغ البصمة المائية لأثيوبيا مثلا حوالي 105 مليارات متر مكعب في السنة. • ما مصادرها بمصر؟ البصمة المائية للفرد في مصر تساهم فيها ثلاثة قطاعات مختلفة هي علي الترتيب القطاع الزراعي والقطاع الصناعي والقطاع المنزلي فالبَصمة المائية لاستهلاك الفرد المصري من المُنتجات الزراعية حوالي 1213 متراً مكعباً في السنة منها 79٪من مصادر محلية و31٪ من مصادر خارجية (مُنتجات مستوردة) أما استهلاكه من المُنتجات الصناعية فحوالي 53.3 متر مكعب في السنة منها 88.18٪ من مصادر محلية و11.82٪ من مصادر خارجية (مُنتجات مستوردة) والاستهلاك المنزلي حوالي 74.7 متر مكعب في السنة كلها من مصادر محلية، ومن ثم فيكون إجمالي البَصمة المائية لاستهلاك الفرد المصري حوالي 1341 مترا مكعبا. • هل تختلف البصمة النباتية عن الحيوانية؟ بالفعل البصمة المائية للمنتجات الحيوانية تكون عالية جدا تليها البصمة المائية للمحاصيل الزيتية ثم بعد ذلك تأتي البصمة المائية لمحاصيل الحبوب فعلي سبيل المثال البصمة المائية لكيلو جرام واحد من لحوم البقر في حدود 16 ألف لتر والبصمة المائية للتر واحد من زيت عباد الشمس حوالي 8 آلاف لتر من الماء، في حين البصمة المائية لكيلوجرام واحد من القمح حوالي 2000 لتر من الماء أما الكيلوجرام الواحد من الخضراوات فبصمته المائية حوالي 250 لترا لذا فإنه بحساب المعادلة المائية بطريقة صحيحة من قبل الباحثين فإن ذلك سيساعد في تقوية موقف المفاوض المصري مع دول حوض النيل خاصة وأنهم يقومون بنشر بصمتنا المائية غير الصحيحة والتي يستمدونها من دول الغرب دون اعتراض منا ويستغلونه بعد ذلك في دواعي تقليل حصتنا من مياه النيل. • كيف تساهم البصمة المائية في توفير المياه المستهلكة في ظل الشح المائي الذي نعاني منه؟ تساهم في توفير المياه المستهلكة حيث إن عناصر التخطيط لسياسات الموارد المائية من خلال مفهوم البصمة المائية يمكن إجمالها في ثلاث نقاط هامة هي زيادة كفاءة استخدام المياه عن طريق التوسع في إنتاج المحاصيل ذات البصمة المائية الأقل والقيمة الاقتصادية الأعلي، وكذلك يعطي مفهوم البصمة المائية الحافز والوعي ومن ثم يمكن اتخاذ الإجراءات المناسبة لتقليل الهدر، والفقد أثناء الحصاد، والتخزين للمحاصيل والمنتجات والخدمات وأيضا الهدر في المواد الغذائية كاملة التصنيع بالإضافة إلي العمل علي زيادة كفاءة استخدام شبكات نقل المياه وكذا كفاءة أنظمة الري لتقليل البصمة المائية للمحاصيل والسلع الزراعية بالإضافة إلي ذلك فالبصمة المائية هي أداة لحساب الاحتياجات المائية الدقيقة للدولة. • هناك مفهوم حديث أيضا يسمي المياه الافتراضية.. ماذا يعني؟ يعني المياه اللازمة لإنتاج السلع والتي تدخل أيضا في زراعة المحاصيل وقد كان يوسف الصديق عليه السلام هو أول من اعتمد مفهوم المياه الافتراضية كحل لتوفير الأمن الغذائي لشعبه، حيث قام بتشييد أول وأعظم مشروع منذ بدء الخليقة إلي الآن، فبدلا من تخزين المياه للزراعة قام بزراعة القمح وتخزينه في سنبله، لضمان مياهه، وهي التي يطلق عليها حاليا "المياه الافتراضية". • كيف يستفيد منها المواطن العادي؟ تتمثل أهمية المياه الافتراضية في اعتبارها أحد محاور ترشيد استهلاك المياه في الزراعة كذا تحقيق الكفاءة في استخدام المياه والحد من ندرتها وخلق وعي مائي للأفراد وبيان أثر تجارة المياه الافتراضية علي الحالة الاجتماعية والمحلية والاقتصادية، وينعكس تأثير ذلك علي الأمن القومي وخلق فرص عمل للناس والحد من الفقر. • ما تعريف الاستخدام المنصف والعادل لموارد المياه؟ الاستخدام المنصف والعادل للموارد هو مصطلح أشارت إليه معظم اتفاقيات وقوانين المياه الدولية ويعني أن يقوم سكان كل دولة من دول أحواض الأنهار المشتركة باستخدام المياه بصورة منصفة وعادلة مع الأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة لكل بلد ومدي الاستخدام الفعال للمياه وقدرة كل بلد علي استخدام التكنولوجيات والتي تختلف من بلد إلي آخر وعلي الرغم من ذلك فمازال مصطلح العدالة والإنصاف صعب القياس وخاصة في حالة الصراعات المائية بالإضافة إلي أن قانون المياه الدولي غامض وغالبا ما يكون متناقضا، والطرق التقليدية لتحليل وتقييم الموارد المائية المتاحة واحتياجات كل قطاع من قطاعات المستهلكين ليست كافية لتقييم الاستخدام المنصف للمياه المتاحة. • في ظل أزمة سد النهضة كيف ستساهم البصمة المائية في حل تلك الأزمة؟ تعد البصمة المائية سواء كانت زرقاء أو خضراء أحد مؤشرات الاستخدام المنصف والعادل للموارد المائية وقد يكون من المهم تركيز البحوث العلمية في هذا المجال حيث إن الاستخدام المنصف والعادل للمياه هو أحد مبادئ إعلان النوايا الموقع مع دول حوض النيل وعلي سبيل المثال وطبقا لمفهوم البصمة المائية فتقدر الاحتياجات المصرية بحوالي 115 مليارا في السنة منها حوالي 35 مليارا علي الأقل يتم استيرادها من الخارج علي هيئة محاصيل ومنتجات أما أثيوبيا وهي دولة من دول حوض النيل فتبلغ البصمة المائية للاحتياجات الاستهلاكية لها حوالي 105 مليارات متر مكعب سنويا تستورد منها أثيوبيا فقط حوالي 2.5 مليار متر مكعب سنويا لذا علينا تقليل بصمتنا المائية بشتي الطرق. • وفرة المياه هي أساس رقي الدول فلماذا لا ينطبق ذلك علي أثيوبيا برغم مواردها المائية الضخمة؟ بالطبع تشهد الأراضي الأثيوبية وفرة هائلة في مياهها إلا أنها تفتقر إلي البحث العلمي الذي يجعلها تستفيد منه والتعليم الجيد فقواعد البحث العلمي عند تطويرها يمكنها زراعة محاصيل تجعلهم يكتفون ذاتيا ولايضطرون لاستيراد حاجاتهم من الدول الأوربية إضافة لتوغل بعض الدول هناك والتي لاتريد لهم تعليما أو تطورا حتي يحق لها الاستفادة من جميع مواردها. • ما تقييمك لسير المفاوضات الحالية معها؟ لا شك أن انقطاع العلاقات مع أثيوبيا جعلنا نتناسي ملف النيل ومدي ما يشكله من خطر قومي علينا إلا أن المفاوضات الحالية تحتاج أرقاما حقيقية ودراسات تدعم موقفنا بحسب اتفاق المبادئ لتبين أن مصر مظلومة ولكن أري أن المفاوضات الحالية تسير بشكل سليم وقانوني وننتظر تقرير المكاتب الاستشارية التي ستبين خطر السد علي مصر والسودان. • ما رؤية المركز القومي لبحوث المياه في توعية الأفراد بأهمية ترشيد المياه؟ يعتبر المركز القومي لبحوث المياه هو الذراع الفنية والبحثية لوزارة الموارد المائية والري والتي لديها إدارة متخصصة في الإعلام والوعي المائي حيث يتم تنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة المختلفة بالشراكة مع العديد من الجهات في كافة أنحاء الجمهورية ويتم ذلك من خلال العديد من الوسائل والوسائط الإعلامية المتخصصة للتوعية بأهمية ترشيد المياه ويقوم المركز بتبني العديد من الباحثين والدراسات العلمية التي من شأنها الوصول لطرق حديثة لتوفير المياه وترشيدها.