كان أغلب المسيحيين يؤمنون بتحريم التعدد في الزواج فإن الإسلام واليهودية يتفقان علي تعدد الزوجات، ولم يقتصر الأمر علي الأديان فقط ففي الحضارات القديمة "المصرية واليونانية" كان تعدد الزوجات أمراً شائعاً لبناء أسرة كبيرة مترابطة وقوية. والثابت الذي لا يقبل الشك ووفقا للنصوص التاريخية أن ظاهرة تعدد الزوجات كانت سنة جارية قديماً، وفي التاريخ وإن لم يكن فيه تحديد دقيق لبدء انتشار هذه الظاهرة إلا أن تلك النصوص التاريخية وكذلك الدينية التي يعود زمن وجودها إلي نبي الله موسي ومن بعده عيسي تحدثت وبشكل صريح عن ظاهرة تعدد الزوجات. يوضح د. محمد حامد أستاذ الديانة اليهودية بكلية الآداب جامعة عين شمس أن الديانة اليهودية أباحت تعدد الزوجات بمشيئة الزوج وحسب رغبته، وعرف تعدد الزوجات بين بني اسرائيل حتي قبل بعثة موسي، وبعدها أقر موسي هذا الفعل دون فرض أي قيود علي عدد النساء التي يمكن للرجل أن يتزوجها. ووضع تلمود القدس بعد ذلك عدداً معيناً للزوجات اعتمادا علي قدرة الزوج علي رعاية زوجاته بشكل جيد، واقترح بعض الحاخامات بعد ذلك إصدار قرار بأن الرجل لا يمكنه أن يتزوج أكثر من أربع زوجات، ومع مرور الوقت تم حظر تعدد الزوجات في الديانة اليهودية من قبل الحاخامات وليس بأمر من الله. وقام الحاخام جرشوم بن يهوذا بتحريم تعدد الزوجات في القرن الحادي عشر علي اليهود الأشكناز لمدة 1000عام، أما اليهود السفارديم فقد واصلوا تعدد الزوجات، والقانون المتبع في إسرائيل اليوم أنه يجوز للرجل الزواج بسيدة أخري دون أن يطلق زوجته إذا كانت زوجته عاقرا أو تعاني من مرض عقلي، ويقوم الحاخامات بعد فحص الحالة بإعطاء إذن للزوج بالزواج من زوجة ثانية. وبما أن التوراة من المصادر التشريعية بالنسبة للديانة المسيحية فإن ما ينطبق علي الديانة اليهودية ينطبق علي الديانة المسيحية, ولم يرد في الإنجيل نص صريح يحرم التعدد، وبقي التعدد مباحا بين المسيحيين حتي القرن السادس عشر . ويقول البعض إن الكنيسة حرمت التعدد لقول عيسي عليه السلام: " من اجل هذا يترك الرجل أباه وأمه يلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا". والشريعة اليهودية لا تمنع تعدد الزوجات، وقد حدده الربانيون بأربع حتي لو كانت أحوال الزوج المادية تسمح بأكثر من ذلك ولكن هناك نص يقول: (إذا تزوج الرجل عليها غدراً بها, جاز لها الطلاق لا سيما إذا كانت الزوجة الثانية غير يهودية). وحينما تتكلم التوراة أو الإنجيل عن ظاهرة تعدد الزوجات في تلك العصور نستكشف من خلال ذلك أن لهذه الظاهرة جذورا في أعماق التاريخ تعود أسبابها إلي ظروف قد تكون متغيرة من زمن إلي آخر إلا أن جميعها يمكن أن تشترك وتدخل تحت عنوان (الحاجة)، التي قد تتغير مصاديقها من زمن إلي آخر ومن شخص إلي آخر، فقد تكون ظاهرة تعدد الزوجات لحاجة اقتصادية أو دينية أو جسدية أو غير ذلك من أنواع الحاجة ومصاديقها. وقد ذكرت تلك النصوص الدينية أن اليهود قديما لم يكونوا يقيدون أنفسهم بعدد معين من الزوجات، فقد تحدثت التوراة عن نبي الله سليمان بقولها: "وكانت له سبعمئة من النساء السيدات وثلاثمئة من السراري"، وكان لسليمان نساء أجنبيات كثيرات بينهن كنعانيات ومصريات: "وتزوج سليمان ابنةَ فرعون ملك مصر، وأحضرها إلي مدينة داود، وجمع نبي الله يعقوب بين أربع زوجات هن " بلهة وليئة وزلفة وراحيل"، وهو أبو اليهود وإليه ينتسبون. والتوراة لم تبح الزواج من عدة نساء فحسب، بل وضعت توصيات خاصة تقنن وتنظم هذه الظاهرة فقالت: "إن اتخذ لنفسه أخري لا ينقص طعامها وكسوتها ومعاشرتها". وكان نظام "السراري" أو "المحظيات" شائعا في "إسرائيل" قديما كطريق غير مباشر للحصول علي زوجة ثانية، وكان لها حقوق متساوية مع حقوق الزوجة باستثناء أن العلاقة معها يمكن إلغاؤها بدون إجراءات طلاق. وعن الزواج بأكثر من امرأة في الديانة الإسلامية يقول د. أحمد ناصر أستاذ الشريعة بكلية الآداب جامعة الأزهر إن الإسلام أباح للرجل أن يكون لديه أكثر من زوجة ولكن بشكل محدود ففي سورة النساء في القرآن الكريم أوضح الله تعالي أنه يجوز للرجل أن يتزوج النساء من اختياره اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، ولكن إذا خاف أن يعدل بينهن فليتزوج واحدة فقط، وقبل إنزال القرآن الكريم لم يكن هناك حد أقصي لتعدد الزوجات وكان للرجال عشرات الزوجات وللبعض منهم المئات، وجاء الإسلام فوضع حدا علي أن يكون أقصي عدد للزوجات أربعا فقط بشرط أن يتعامل بعدل معهن، وتعدد الزوجات في الإسلام ليس قاعدة بل استثناء. ونحن هنا أمام حقيقة مهمة وهي أن تعدد الزوجات تعارف عليه الأديان والشعوب، وخاض تجربته الأنبياء والرسل قبل غيرهم من بقية الناس، وفي هذا الصدد يقول أحد كبار المشايخ: "إن دراسة البيئات المختلفة قبل الإسلام تكشف لنا أن تعدد الزوجات دونما عدد معين كان أمرا عاديا وشائعا، لدرجة أن بعض الوثنيين أسلموا وللرجل منهم عشر زوجات أو أقل، من هنا لم تكن مسألة تعدد الزوجات مما أبدعه الإسلام، فإن ما فعله الإسلام هو وضع هذا الأمر في إطار الحاجة والضرورة الحيوية الإنسانية، وتقييده ببعض من القيود والشروط الثقيلة". ويشير إلي أن الشريعة الإسلامية دستور شرعي يجب الالتزام به في السلوكيات والتنشئة، وأنها نصت علي تعدد الزوجات دون إجبار أي شخص علي القيام بهذا الفعل، وحينما أعطي الإسلام الحق في تعدد الزوجات كان مثل الروشتة العلاجية لأمراض إجتماعية. أما عن ظاهرة تعدد الزوجات في الديانة المسيحية فيقول القس بولا منصور إنها كانت متطابقة مع ما هو موجود في الشريعة اليهودية لقرون عديدة، ولكن تغير هذا التقليد وأصبحت ظاهرة "التبتل" أو الاكتفاء بزوجة واحدة كما تفرض التعاليم المسيحية الحديثة، وهو ليس من صلب تعاليم السيد المسيح. وكان عيسي عليه السلام يضرب للناس الأمثال بتعدد الزوجات ليصل عن طريق تلك الأمثال إلي إعطاء درس يساهم في هداية الناس وإرشادهم، فقد ورد في العهد الجديد ما يلي: "حينئذ يشبه ملكوت السموات عشر عذاري أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس". ومحاولة تصوير هذه الحكمة بتلك الصورة ليس إلا لتشبيه المجهول بالمتعارف عليه، فلابد حينئذ أن يكون زواج الرجل الواحد من عشر نساء معروفا في تلك الأيام غير مستهجن ولا مستغرب. وعلي الرغم من وجود تلك الأمثلة علي تعدد الزوجات في العهد القديم إلا أنه أصبح غير مقبول في معظم المذاهب المسيحية، ففي العهد الجديد دعا يسوع إلي توحيد الزواج، حتي أن أغلب الدول الغربية لا تعترف قوانينها بتعدد الزوجات، وتحظر الكنائس المسيحية بشكل قاطع التعدد في الزوجات.