نواصل حديثنا عن مطاعن المستشرقين وأعداء الإسلام تجاه سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم. فنقول وبالله التوفيق: إنهم يزعمون أن تعدد الزوجات عيب يخل بمقام النبوة. وبديهي أن الزنا الصريح أشد عيباً وفظاعة من تعدد الزوجات "علي فرض أن الزواج عيب". وأن الزنا بامرأة القائد المخلص وقتله للاستيلاء علي امرأته أشد فظاعة ونكراً من الزنا العادي "كما يكذبون علي سيدنا داود". وأن الزنا بالبنات والمحارم أشد فظاعة وجرماً من الزنا بامرأة القائد "كما يكذبون علي سيدنا لوط". وأن خيانة الله تعالي وخداعه في أمر الرسالة "كما يكذبون علي سيدنا موسي وهارون وسليمان" أشد جرماً من الزنا في ذاته. وهذه الأمور كلها قد ذكرتها التوراة صريحاً. وألصقتها بأنبيائهم العظام. الذين يعبرون عن بعضهم بأنهم أولاد الله الأبكار. وهم مع ذلك يؤمنون بالتوراة. ويؤمنون بأن هؤلاء الأنبياء الذين ارتكبوا هذه الموبقات والجرائم من كبار الأنبياء الذين ورث عنهم عيسي مجده. لأن من بين هؤلاء يعقوب وداود. علي أن تعدد الأزواج قد وجد في الأنبياء العظام كإبراهيم وداود ويعقوب وغيرهم. فكيف يصح لعاقل "يؤمن بالتوراة المشتملة علي ذلك. ويؤمن بالأنبياء الذين وصفتهم التوراة بذلك" أن يعيب القرآن الكريم الذي أباح تعدد الزوجات. ويطعن علي سيدنا محمد الذي جمع بين عدد من النساء. ألم يفقه هؤلاء أن طعنهم علي كتاب الله ونبي الله بهذه الحالة هو في الحقيقة طعن علي كتابهم المقدس عندهم طعناً مراً. لأن البداهة تقضي بأن يقول الناس إذا كان تعدد الأزواج عيباً ينافي النبوة. فالزنا الصريح والخيانة الواضحة. بل الشرك بالله تعالي ينافي النبوة من باب أولي. فالتوراة التي قالت إن هؤلاء الجناة أنبياء كاذبة فيما تقوله من نبوتهم. ذلك أمر بديهي لا يخفي علي أحد من الناس. والنتيجة المنطقية البديهية لهذا الكلام هي أنهم يكفرون بالتوراة وبالأنبياء الذين وصفتهم بأقبح الصفات كفراناً صريحاً. أشد من كفرانهم بسيدنا محمد وكتابه الحكيم. لأن الموبقات التي رمتهم بها لا يذكر إلي جانبها زواج رجل أجنبي بامرأة آخر طلقها باختياره لا رابطة بينهما إلا أن أحدهما كان يخدم الآخر خدمة خالصة. حتي قال له إنني ابنك فدعاه الناس بابنه. فإذا فرضنا أن العقول الإنسانية قد ألغيت واعتبرت هذا عيباً. فهل يصح أن يكون هذا العيب مماثلا لعيب الرجل الذي يزني بابنتيه وهو لوط النبي بعد أن يسكر فيحبلهما وتأتي كل واحدة منهما بولد يكون رأس قبيلة كبيرة منها جدة إلههم؟ أظن أن الذي يقيس هذا بذلك يكون متعسفاً. لأننا حتي لو فرضنا أن زيداً ابن حقيقي لسيدنا محمد وكانت شريعته تبيح زواج امراة الابن. كان زواج امرأته زينب حسناً. ما كان لهم أن يعترضوا عليه وهم يعلمون أن التوراة قالت إن يعقوب نبيهم العظيم جمع بين بنتي خاله. وإبراهيم أبو الأنبياء تزوج أخته لأبيه. إذ لا شك في أن زواج امرأة الابن بعد طلاقها أهون من زواج الأخت للأب. ومن الجمع بين الأختين.أظن أن هذا ظاهر لا يخفي علي هؤلاء المنصرين ولكنهم يكتمون الحق وهم يعلمون. ولعل العقلاء يريدون أن يعرفوا تفاصيل الفضائح التي نسبتها توراتهم إلي الأنبياء. وإنني أؤكد لهم أنني أخجل من ذكرها. وأعتقد أن الأنبياء منزهون عنها كل التنزيه ومبرؤون منها براءة تامة. وقد أدخلها في التوراة المفسدون المحرفون. حملهم عليها الجهل الفاضح. لأنه قد يقع من الأنبياء بعض الأمور التي لا نقص فيها في الواقع. ولكن يتخيلها بعض الجهلة نقائص. فيشيعونها بينهم علي وجه مشوه. ثم ينقلها أعداء الأنبياء في صورة مكبرة قبيحة. ويحشرونها في الكتب المقدسة لتكون وصمة عار أبد الآبدين. وللحديث بقية.