الناشط السياسى محمد حمد فى »قعدة« خاصة مع أحد أهالى المهدية تصلح قرية المهدية لأن تكون مكانا لأفلام رضوان الكاشف، شوارع تخلو من المارة، وهدوء يطرده صفير الصحراء، بينما ذرات الرمال التي يكنسها الهواء تحجب رؤية البيوت القصيرة لبعض الوقت، لتنكشف الصورة فجأة، فتظهر أجزاؤها تباعا. انطلقت بنا السيارة من الشيخ زويد.. تتجاوز مدينة مفعمة بحياة حديثة، فتسير بنا في صحراء متسعة عبر أسفلت يتلوي، تتناثر علي جانبيه خيام صغيرة تعطي انطباعا بالروح البدوية.. يبدو الطريق وكأنه لن ينتهي، والسيارة تتوقف بين حين وآخر لتطل منها رؤوسنا ونحن نسأل من نصادفه عن المكان.. وبعد قرابة الساعة نجد أنفسنا أمام مدخل قرية المهدية التي تبعد عن الحدود2 كيلو متر ويعيش بداخلها قبيلة السواركة (أهم وأكبر قبائل شمال سيناء).. المنازل الأنيقة تشير إلي ثراء السكان، والرجل الوحيد الذي وجدناه يقف أمام منزله دلنا علي بيت الشيخ إبراهيم المنيعي أحد كبراء القرية.. "لم تتحرر سيناء كما ظن المصريون"، جملة صادمة يبدأ بها المنيعي الكلام وهو يتحدث عما وصفه باحتلال نظام مبارك لسيناء.. ويصور معاناة القبائل طيلة ثلاثين عاما مارست فيها الداخلية كل فنون الظلم والمهانة بواسطة ضباط أمن الدولة مما جعلهم يشعرون أن الاحتلال الصهيوني كان أكثر رأفة بهم من قهر السلطة في عهد المخلوع. وعلي صفحة ملامح وجهه الذي اكتسي بالحزن تطل ابتسامته الساخرة ويستكمل: وصفونا بيهود سيناء(!).. وصورونا علي أننا بلطجية لا نجيد سوي العنف، زعموا أننا نتعاطي الجهل والتخلف داخل الخيمة في محاولة منهم لتبرير إهمالهم لنا وحجب مشاريع التنمية. ويضيف: تمت معاملتنا كمواطنين من الدرجة الثانية في الوقت الذي عشنا فيه 15 عاما تحت احتلال إسرائيلي تفهم جغرافيتنا وطبيعة عاداتنا وتقاليدنا .. واحترموها.. ويتساءل: كيف يشفق عليك عدو ويقسو عليك الأهل.. يتحدث المنيعي عن تاريخ صمود أبناء قرية المهدية أمام أمن الدولة قائلا: جعلنا النظام تركع له، فكانت وقفتنا الاحتجاجية علي الحدود عام 2007 الشرارة الأولي لثورة يناير التي كان من ثمارها خروج المعتقلين وإسقاط الأحكام الغيابية لنظام سمح لأمن الدولة أن تعتقل الآلاف من أهالي المهدية بعد وقوع تفجيرات طابا، وشرم، ونويبع، وتلفق لهم التهم لتصدر الأحكام الغيابية علي شباب هجروا أهلهم هروبا من حفلات التعذيب التي لم يفلت من وحشيتها حتي النساء فرحن يعترفن علي أزواجهن. كل ضباط أمن الدولة في شمال سيناء مغضوب عليهم من الداخلية، وهو ما ينفي الزعم بحبهم للعمل في سيناء، ولذلك فهم قادرون علي تلفيق التهم للأهالي، ليحصلوا علي الترقيات والنياشين، مما جعلهم يصورون سيناء علي أنها جزيرة الشياطين . نسأله عن غياب الشرطة في القرية فيقول: الثقة التي يتميز بها أهالي سيناء بقدرتهم علي حماية أراضيهم تجعلك ترتعد وتضع لهم ألف حساب، ويؤكد نحن في غني عن الشرطة وأصارحك: نعيش براحة بال من وجه أمن الدولة العكر(!) ويؤكد: لا يوجد خلاف بين أي القبائل هنا.. نحن قادرون علي حراسة الحدود، فعندما انسحبت الشرطة أثناء الثورة اتصل أبناء المهدية بالجانب الآخر في غزة وأخبروهم رسالة شديدة اللهجة: "لا تقتربوا من الحدود حتي تنجح ثورتنا ، ومن يقترب سيحترق"، فكان أبناء القبائل التي تعيش علي الحدود يقفون مثل الصقور وسط الجبال، وعلي أهبة الاستعداد اذا اقتربت سيارات إسرائيلية نحو سيناء، وبالفعل قمنا بحماية الحدود وتأمين مداخل مدن شمال سيناء. ويستطرد : نحن نمثل الأمن القومي لمصر لذلك لابد من التعامل معنا علي هذا الأساس، يعترف المنيعي صراحة بأن أغلب رجال القرية يعملون في تهريب المخدرات وتجارة الأسلحة، ويبرر هذه الظاهرة بمواجهة شبح البطالة وانعدام مشاريع التنمية، في الوقت الذي لم يجد أهالي الجبال المحكوم عليهم بأحكام غيابية تصل الي المؤبد إلا تجارة السلاح وتهريبها كحل لحياتهم.. وفي طريق العودة سنمر بأقدامنا علي أرض مزروعة بالبانجو!