الثورة كالزلزال ربما نحتاج لتوابعها بين الحين والآخر لنتأكد من قيامها ولنثبت للجميع أنها بالفعل قامت وأن أحدا لايستطيع إعادتنا للوراء قالها المحامي المخضرم مختار نوح صراحة في حواره معي الأسبوع قبل الماضي.. وقعت الكلمات كالصاعقة أصابتني بالدهشة ويبدو أنه أشفق لحالي أو لعله استسلم أمام محاولتي المستميتة لسوق الأدلة التي حاولت بها أن أثبت لنفسي قبل أن أثبت له أن الثورة بالفعل قامت.. أو ربما فضل في النهاية أن يستخدم وصفا دارجا مقبولا ليكون وقع الصدمة أقل فقرر في نهاية الحوار أن الثورة لم تحقق بعد أهدافها لكنه في نفس الوقت آثر الربط بين ما انتهي إليه وقناعته الأولي بتأكيده أن الاعتراف بقيام الثورة مرهون بمدي نجاحها في تحقيق أهدافها ومن ثم فهو مازال يري أننا في حاجة لمزيد من الثورات!!. أعترف أن كلماته لم تقنعني تماما أو بمعني أدق تخوفت من التسليم بها.. إلا أن تلاحق الأحداث وتتابع القوانين المستفزة والقرارات المناهضة للثورة دفعتني والكثيرين للتشكك في أن ثورة عظيمة بالفعل قامت. بالفعل يبدو أن الثورة لم تقم بعد.. وإلا فلماذا نفسر تقديم الثوار للمحاكمات العسكرية بينما يحاكم من أفسدوا الحياة أمام المحكمة المدنية؟! لم تقم الثورة لأن هناك قانونا يجرم الاعتصمامات وآخر يفرض حالة الطوارئ ويكبل أصحاب الرأي المعارض والثوري المخالف.. لم تقم لأن هناك وزير إعلام يمارس مهامه ويحتل منصبا لاتقره إلا النظم الديكتاتورية؟ ومهما قيل من مبررات بقائه فإن قراراته تجهض محاولات تسويغ وجوده!! ويكفي قراره الأسوأ في منع بث إحدي القنوات الفضائية في مؤشر واضح أن سياسة النظام السابق مازالت تمارس وبنفس الأسلوب وتحت نفس الحجج والمبررات. لم تقم الثورة وأكبر دليل علي ذلك تلك المهزلة التي وقعت أثناء مشاهدة تسجيلات المتحف المصري المتعلقة بأحداث 82 يناير والتي اختفت منها تماما أي مشاهد تتعلق بالأيام الدامية لتقتصر علي مشاهد هزلية لا تشكل دليل إدانة.. ليس هذا فقط بل ويصل الأمر لظهور صور مشوشة يعقبها عرض غير مشوش لفيلم الباشا تلميذ.. ولا أعتقد أن الأمر صدفة ومن غير المعقول أن يتم محو أدلة إدانة ضباط الداخلية ليظهر بدلا منها فيلم يسوق لضابط همام نجح في اختراق شباب مدمن ويكشف عن عصابة للاتجار وتهريب المخدرات. مقارنة ممجوجة فلا مكان لمثل هذا الضابط بين الضباط الذين قتلوا وسحلوا واغتالوا خيرة شباب مصر أولئك النبلاء الذين خر جوا يحملون أرواحهم علي أكفهم يطلبون حقا ضائعا لشعب مقهور ويطالبون بكرامة أغتيلت علي يد نظام فاسد وزبانيته من رجال الأمن. لامقارنة بين هؤلاء الشباب وأولئك الذين غابوا عن الوعي بفعل المخدرات تحت مباركة نظام آثر ذلك الغياب عن صحوة تكلفه خسارة منصبه وجاهه. وعندما وقع مالم يكن في حسبانه ظلت أيادي رجاله القذرة تتواطأ لتمحو آثار جرائمه وتخفي كل دليل يمكن أن يثبت إدانته ومحاسبته ومعاقبته. لم يظهر حتي الآن شاهد واحد يدين مبارك.. يقر بأنه سمع بأذنيه أوامره بإطلاق النار علي المتظاهرين. لم تقم إذن الثورة بعد وإلا فبماذا نفسر أيضا إصرار المجلس العسكري علي العمل بقانون الانتخابات الذي رفضته جميع القوي السياسية ولم يستجب لمطالبها بالتعديلات لإعادة النظر في تقسيم الدوائر وإجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية فقط. رغم كل محاولات المجلس الظهور بالشكل الديمقراطي إلا أن أفعاله تصب في عكس مايدعي.. صحيح أن أعضاء المجلس لم يدخروا وسعا في تمضية ساعات في مناقشات مع القوي السياسية لكن انتهي الأمر في النهاية إلي لا شيء.. تماما كما كان يفعل النظام السابق الذي كان يعمل وفق منطق »اعترضوا كما شئتم ونحن نفعل مانريد«. لم تقم الثورة إذن بعد ما فتح الباب لفلول الحزب الوطني للتسلل مرة أخري للحياة الحزبية.. بعدما سمح لحزب الدكتور حسام بدراوي أن يري النور ومهما قيل عن نزاهة الرجل فهو أيضا مجرد تبرير واه.. فالرجل قيادي عتيد بالحزب الوطني كان مشاركا إن لم يكن مباركا في النظام وإلا لماذا لم ينسحب؟ لماذا لم يحتج بقوة ويفضح جرائم الحزب الفاسد بقياداته ونظامه وممارساته. الثورة لم تقم بعد فمازالت التقارير الأمنية ترفع عن الأساتذة المرشحين لرئاسة الجامعات وعمادة للكليات. هكذا تدفعنا المواقف والأحداث ومحاولات فلول الحزب الوطني المميتة لإعادة النظام السابق.. ومع ذلك مازال داخلي يقين يدفعني للإيمان بأن الثورة بالفعل قامت.. صحيح أنها لم تحقق أهدافها.. وهناك بالقطع عراقيل وصعوبات تحول دون ذلك.. لكن كل هذا يجب ألا يدفعنا للتشكك في قيامها.. هي كالزلازل ربما نحتاج لتوابعها بين الحين والآخر لنتأكد من قيامها.. صحيح أننا لا نريد مزيدا من الدماء ولا مزيدا من الضحايا.. ونريد أن نستعيد ثقة افتقدناها تدريجيا في القائمين علي إدارة شئون البلد لكن بالطبع نحن مستعدون لبذل المزيد من التضحيات لنثبت للجميع أن الثورة بالفعل قامت وأن أحدا لا يستطيع إعادتنا للوراء.