من الشعراء الذين أعجبت بهم الشاعر الكبير خليل مطران، فقد كان شاعراً مجدداً، يعتني بالمعاني، وتخرج من قراءة قصائده بزاد هائل من عمق الرؤية، وأصالة اللغة، وجمال المعاني، كما كان يعجبني في شعره أنه يكتبه بلغة قصصية سلسة، سابقاً بذلك كل شعراء عصره، ومن هنا فقد أعجبتني الدراسة التي كتبها عنه الصديق الراحل الدكتور مختار الوكيل في كتابه رواد الشعر الحديث في مصر فهو يري أن المرأة هي التي تحرك مطران وتحفزه إلي نظم الشعر، فهي التي جعلته يبكي ويئن في شعره الأول (حكاية عاشقين) أنين محب صادق الإحساس، بريء القلب من الأدران وهي التي جعلته يبكي عليها بعد ذلك في قصيدته الرائعة حقاً (الجنين الشهيد) حيث يحركه الإشفاق عليها إلي قوله: وكم ضاجع الجوع الأثيم بهاءها وقبّلها حتي أجف دماءها وكم ساعف الحرّ المذيب شفاءها وكم نازع البرد الشديد نماءها نوائب تأتي كالليالي وتستعلي كما يري الباحث أن الناحية الوجدانية لها أثر كبير في شعر مطران، ومنشأ هذه العاطفة فيما يري حنينه الكبير إلي وطنه ومسقط رأسه، وهو في (قلعة بعلبك) يسمو سمواً عظيماً في التعبير عن حبه العظيم لهذه الديار ولأهلها الأعزاء، ويشعرك بدموعه ويسمعك أنينه في كل لفظة من ألفاظه الصادقة القوية، وإنه ليذكرها ويذكر معها طفولته البريئة بين عرصاتها. ومن أجمل قصائده وهي من عيون الشعر الوجداني قصيدة "المساء" التي قالها أثناء مرضه في مكس الإسكندرية وفيها يتحدث عن نفسه وآلامه ورآه، وغرامه، وعن حياته في الغربة بين المرض والألم والذكري المحضة متفرد بصبابتي ، متفرد بكآبتي، متفرد بعنائي شاك إلي البحر اضطراب خواطري فيجيبني برياحه الهوجاء ثاو علي صخر أصم وليت لي قلباً كهذي الصخرة الصماء ويحلل شاعرنا الناقد تلك القصيدة الرائعة، كما يلقي الضوء علي أشعاره، ويري أنه الشاعر الذي مهد لهذه النهضة الشعرية في العالم العربي التي أثمرت وآتت أكلها، وهو شاعر دقيق المعني في أغلب نظمه، حديث الموضوعات، لطيف المدخل، سهل التعبير سهولة ربما أنقصت الجمال الشعري في بعض المواقف، وهو إلي ذلك أول من اعتني بالقصة في شعره عناية فائقة وأتي بها في ثوب من الفن قشيب.