عزل سياسي وحصار اقتصادي.. عقوبات دولية وقيود تجارية فرضتها واشنطن ودول القارة العجوز علي إيران لتحجيم نفوذها في الشرق الأوسط ووقف برنامجها النووي.. ورغم ذلك، لا يزال لدي طهران وحرسها الثوري أساليبهم وحيلهم التي تجعل منها اللاعب المشاغب والمثير للقلق، بأنشطتهم في مجال غسيل الأموال.. شركات وهمية تعمل علي تمويلها في دول العالم في ظاهرها أعمال خيرية وفي باطنها تمويل الخلايا والجماعات الإرهابية لزيادة مشاريعها التوسعية الطائفية.. وسطاء وعملاء يلعبون دوراً ليبقي أصحاب المصالح في الظل.. مسؤولون مصرفيون وشخصيات كبار بالدولة علي وعي كامل بالقوانين الصادرة، يعرفون ثغراتها وكيفية التلاعب بها.. هذا ما كشفت عنه مجلة "بوليتيكو" الأمريكية بعد أن أزاحت الستار عن عمليات غسيل الأموال التي تقوم به الحكومة الإيرانية داخل الولاياتالمتحدة. داهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي "FBI" منزل عائلة رجل الأعمال الأمريكي من أصل كوري يدعي "ميتشيل زونج" بجنوب كاليفورنيا عقب إصدار مذكرة توقيف بحقه، وعلي إثرها تم مصادرة جميع المجوهرات التي كانت بحوزة زوجته التي تقدر بأكثر من 40 ألف دولار، بالإضافة إلي النقدية التي تم العثور عليها أثناء إجراءات التفتيش والتي تقدر بنحو 24 ألف دولار، والتحفظ علي العديد من ممتلكات العائلة وإلقاء القبض علي زونج نفسه؛ عقب اتهامه بلعب دور في مساعدة إيران علي انتهاك العقوبات الدولية، وغسيل الأموال لصالح اقتصادها علي مدار سنوات. يزعم الادعاء أن ما تم مصادرته من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي يعد جزءا ضئيلا من الأموال غير المشروعة التي تربط زونج بمخطط تهرب إيران من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الحكومة الأمريكية عليها عبر القيام بأنشطة تجارية لغسيل أكثر من مليار دولار من أموال الحكومة الإيرانية خلال 6 أشهر فقط عام 2011. كما كشفت التحقيقات عن تعاون زونج، الذي يمارس عمله مستورداً لسمك السلمون، مع عدد من رجال الأعمال الإيرانيين المقيمين بمنطقة الشرق الأوسط والقوقاز، هذا بالإضافة إلي المشروعات المشتركة مع كبار المسؤولين في القطاع المصرفي بكوريا الجنوبية والعديد من المصدرين وعلي رأسهم والد زونج، أحد مصدري سمك السلمون إلي ألاسكا. وتبدو هذه الرؤية غربية بعض الشيء من مكتب التحقيقات الفيدرالي علي الرغم من وجود الأدلة والوثائق التي تنظرها المحكمة الآن، ووفقاً للمجلة الأمريكية، ما تم الكشف عنه من مستندات ليس خدعة أو أن إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تحاول أن تتخذ موقفا عدوانيا متزايدا تجاه الجمهورية الإسلامية من خلال إثارة بعض الروايات بين الحين والآخر من أجل حشد الحلفاء كوريا الجنوبية وغيرها لفرض مزيد من العقوبات علي طهران وعزلها. لكن قضية زونج أظهرت كيف تمكن مواطن أمريكي بمساعدة عدد من المصرفيين والمسؤولين الحكوميين الكبار من اختراق القوانين الأمريكية والحظر المفروض علي إيران بكل سهولة ويسر.. وهنا أثارت المجلة عدة تساؤلات من بينها، كيف يمكن لفريق ترامب الذي يفتقر إلي حسن الإدارة في الملفات الخارجية أن يستمر في إظهار جديته في عزل إيران عن النظام المصرفي العالمي؟ وماذا سيحدث إذا تجاهلت قوي كبري منافسة للولايات المتحدةالأمريكية عزم الأخيرة علي عزل الجمهورية الإسلامية؟ وتشير المجلة إلي أصول شراكة غامضة جمعت بين المتهم زونج وثلاثة إيرانيين عملوا علي مساعدة طهران علي خرق نظام العقوبات الدولية. وقد نجح ذلك المشروع، كما أظهره مكتب التحقيقات الفيدرالي، جراء ترتيبات غير عادية بين إيرانوكوريا الجنوبية، التي تعد من أكبر مستوردي النفط الإيراني، ولديها لوبي تجاري قوي يشارك في توثيق علاقات متبادلة بين سيولوطهران. فيما ضغطت الولاياتالمتحدة علي كوريا الجنوبية من أجل تخفيف علاقاتها التجارية مع إيران، حيث منحت سيول إذناً محدوداً لمواصلة استيراد النفط من الجمهورية الإسلامية. فواحدة من شركات الطاقة الإيرانية تملك ودائع بقيمة 1.3 مليار دولار بالبنك الرئيسي كوريا الجنوبية منذ الربع الثالث من عام 2014. ووفقاً لتحقيق الذي أجراه الصحفي الأمريكي "ديفيد مارشنت" عام 2010، سمح للبنك المركزي الإيراني بفتح حساب خاص لدي البنك الصناعي المركزي الكوري. حيث تم التعاون المشترك بين "سيفكيت"، المتخصصة في مجال الإنترنت والاتصالات. في ذلك الوقت، كان سيفكيت لا تزال مطلوبة من قبل السلطات الأمريكية لدورها المزعوم في خطة احتيال. وقد سمح ذلك الحساب الذي فتح بالعملة الكورية، لشركات كورية جنوبية بدفع أموال للجمهورية الإسلامية، بعدما حظرت الولاياتالمتحدة عام 2010 إجراء تعاملات تجارية بالدولار مع طهران. ولكن كان يحظر خروج تلك الأموال من البنك الكوري ما لم تنفذ شروط قاسية خاصة باستخدامها، وكان يفترض أن توافق السلطات الكورية علي جميع التحويلات. وحينها كانت طهران بحاجة إلي العملة الأجنبية، وطريقة لتحصل من خلالها علي الأموال الموجودة لدي البنك الكوري الجنوبي لتحويل العملة الكورية الوون إلي دولارات أمريكية. وذلك ما جعل من وسيط مثل زونج، مصدراً ثميناً لتسهيل تلك التحويلات من داخل سيول إلي طهران. وبالفعل بدأت التحويلات البنكية إلي عدة دول، وكلها أرسلت من زونج في كوريا الجنوبية، ووفقاً للوثائق التي أظهرت قيمتها حيث تم إرسال 30 ألف دولار إلي كندا، 58.33 ألف دولار إلي فرنسا، و173.82 ألف دولار إلي إيطاليا، 135.32 ألف دولار إلي ألمانيا. ولكن كان هناك عشرات العمليات بأرقام كبيرة علي مدي بضعة أيام في فبراير 2011. وتظهر التحقيقات قيام الإيرانيين الثلاثة علي مدار شراكتهم مع زونج، بإيداع 10 ملايين دولار كرشاوي في حساباته بالبنوك الأمريكية، حتي وصلت مجموع أرباحه 17 مليون دولار خلال فترة وجيزة. وبعد ذلك، قام زونج بمساعدة عائلته باستخدام الأموال الإيرانية لشراء وحدات سكنية بقيمة 4 ملايين دولار في عدد من الولاياتالأمريكية من بينهم كولورادو، ويوجين، وولاية أوريجون. كما قام بشراء سيارات فاخرة وحصة في يخت بمليون دولار في نيوبورت بيتش، كاليفورنيا. وهذا بالإضافة إلي المجوهرات الثمينة التي عثر علي جزء منها مع زوجته. فيما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن تعاون كبير مراسلي الشؤون الخارجية "جاي سولومون" في عمليات غسيل الأموال، وتورطه مع " فرهاد عزيمة" تاجر سلاح إيراني. وعلي أثر تورطه، قامت الصحيفة الأمريكية بطرده. وكان سولومون يحصل علي 10٪ من أسهم شركة تدعي "Denx LL»" التي يمتلكها عزيمة، الذي نقل أسلحة إلي وكالة الاستخبارات المركزية »IA. وظهر تورط الصحفي الأمريكي أثر تحقيق استقصائي قامت به وكالة "أسوشييتد برس" بشأن رجل الأعمال الإيراني عزيمة، حيث حصلت الوكالة علي عشرات آلاف من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالتاجر الإيراني. وكان سولومون قد أمضي أكثر من عام يكتب عن مشروعات وأعمال عزيمة، دون سبب واضح. وكانت الجمهورية الإسلامية للعام الثالث علي التوالي في المرتبة الأولي في مؤشر بازل السنوي لمكافحة غسيل الأموال، حيث حدد المؤشر عام 2016 إيران كأعلي بلد في العالم تقوم بمثل هذه العمليات من بين 149 بلداً شملتها الدراسة الاستقصائية المتخصصة في رصد مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.