انتصار علي ترامب لا تخطئه العين.. بعد ليلة أخيرة من »مناقشات صعبة»، كما وصفها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول المناخ، افترق قادة مجموعة العشرين علي بيان ختامي موحد. حيث تم التوصل إلي اتفاق مشترك بشأن مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري.. اتفاق مشترك وبيان موحد لم توقع علي أي منهما الولاياتالمتحدةالأمريكية، إذ كان رئيسها دونالد ترامب قد أعلن في الأول من يونيو الماضي عن انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ التي تم التوصل إليها بإجماع دولي في ديسمبر 2015. وتمكنت الرئاسة الألمانية للمؤتمر، الذي انعقد في مدينة هامبورج، من إقناع قادة الدول الأخري »بتجنب إصدار بيان ختامي يقتصر علي 19 دولة فقط»، بحسب إشارة ماكرون، الذي أثني كثيراً علي جهود المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. قالت ميركل للصحفيين في ختام القمة: »في النهاية عكست المفاوضات بشأن المناخ انشقاقا.. الجميع ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية». وتابعت المستشارة الألمانية قائلة: »وحقيقة أن المفاوضات بشأن التجارة كانت صعبة بشكل استثنائي كانت بسبب مواقف بعينها اتخذتها الولاياتالمتحدة». »قادة العالم من الشمال والجنوب عقدوا العزم بشكل واضح وصريح علي مواجهة التغيرات المناخية، لقد تبنوا خطة موحدة حيال الطاقة والمناخ ستسمح بمرحلة انتقالية للتحول إلي استخدام الطاقة البديلة».. هكذا علق الفرنسي لورانس توبيانا رئيس وكالة المناخ الأوروبية لصحيفة لوموند الفرنسية، وأضاف لورانس: »ولكن لا يمكن إغفال أن دونالد ترامب هو الوحيد الذي رفض الالتزام بما جاء في قمة العشرين بخصوص الطقس والمناخ، بل يمكن القول إن القمة جاءت لتكون شيكًا علي بياض تم إهداؤه للرئيس الأمريكي»، ويري لورانس أنه بعد يومين من مناقشات ومباحثات شاقة ومجهدة لكل الأطراف، كان من الواضح »أن الطلاق واقع لا محالة بين القوي الاقتصادية الكبري وواشنطن ثاني أكبر متسبب في انبعاث الغازات المؤدية للاحتباس الحراري علي مستوي الكوكب». ويضيف لورانس أنه في قمة الدول الصناعية السبع الكبري، التي عقدت أواخر مايو الماضي، بمدينة تاورمينا الإيطالية كانت الدول المشاركة بالقمة »تنظر بعين العجز وقلة الحيلة للولايات المتحدة وهي تعلن أنها بصدد مراجعة اتفاقية باريس والتغيرات المناخية وفي قمة العشرين بهامبورج قامت إدارة ترامب بتمزيق عقد الاتفاق، الذي كان بينهما، تماماً». الصيغة التي وقع عليها الاختيار من أجل تمرير الإعلان النهائي حول الطاقة والمناخ، ميزت بوضوح بين الولاياتالمتحدة والشركاء الآخرين، حيث أشار البيان إلي خروج الولاياتالمتحدة من اتفاقية باريس للمناخ وتوقفها عن أي إسهام مادي من إنتاجها القومي للوفاء ببنود الاتفاق، وفي الفقرة التالية من البيان تؤكد كل الدول الموقعة عليه أنه »لا رجعة»عن اتفاقية باريس للمناخ وأن الجميع سيعمل من أجل تنفيذ بنودها. وبذلك فإن قمة العشرين تحولت رغم أنف الجميع إلي قمة ال19+ 1 علي حد وصف مصدر دبلوماسي رفيع لصحيفة لوفيجارو، كما حصل دونالد ترامب علي ما يشبه »التفويض الاستثنائي ليفعل ما يريد». نص البيان الختامي حمل فقرة جدلية أصرت عليها الولاياتالمتحدة حيث جاء في نصها تعهد واشنطن بمساعدة الدول النامية في »الوصول إلي مصادر أحفورية للطاقة»، وهو ما يتنافي تماماً مع سياسة الأممالمتحدة الهادفة إلي تقليل الانبعاثات الكربونية، حتي وإن أكد نص البيان أن ذلك سوف يحدث »بطريقة أكثر نظافة»، ومن الواضح أن ذلك النص لا يخدم إلا مصالح واشنطن، ومما يدل علي ذلك زيارة ترامب لبولندا وعدد من دول أوروبا الشرقية قبل وبعد القمة لإقناعهم بشراء الغاز الأمريكي المسال، استناداً إلي أن تلك الدول تريد تقليص اعتمادها علي روسيا في الحصول علي الطاقة. غير ذلك البيان يكرس في الوقت نفسه للعمل في الاتجاه المضاد للعزلة التي اختارتها واشنطن لنفسها، وذلك من خلال الاعتماد علي مصادر للطاقة أقل تلوثاً وصولاً إلي الاستخدام الكامل للطاقة المتجددة. وهكذا جاءت الخطة الألمانية للعمل من أجل المناخ علي النحو التالي: نشر استراتيجيات التنمية من خلال الاعتماد علي مصادر للطاقة أقل تلويثاً للبيئة، وتعزيز التعاون المالي مع البلدان النامية، والتشديد علي أهمية وصول التقارير البيئية لصانعي القرارت الاقتصادية، وعلي المدي الطويل إلغاء الاعتماد علي الطاقة الأحفورية. بيير كانيه الخبير الفرنسي بشئون البيئة، قال لصحيفة لوموند إن ما يمكن الخروج به من قمة العشرين هو »ترامب يضرب البحر بالسيف.. يحاول إضعاف الجهود الدولية من أجل تتفيذ اتفاقية باريس والانتقال لاستخدام الطاقة النظيفة.. لقد فطنت ال19 دولة لذلك الأمر، فأصروا علي خطة تسرع من وتيرة العمل بالاتفاق»، وبسخرية يضيف كانيه: »يمكن الجزم بأنهم نجحوا في أول اختبار لهم أمام ترامب»، لا سيما مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قمة أخري للمناخ في الثاني عشر من ديسمبر المقبل تزامناً مع ذكري تبني اتفاقية باريس للمناخ منذ عامين. انبطاح هزائم ترامب السياسية لم تتوقف عند هذا الحد، حيث إن لقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حمل كثيراً من معاني الانسحاق والانبطاح، التي طالما عبر عنها ترامب في أثناء حملته الانتخابية، إذ كان دائما ما يتحدث عن »رجل قوي وأنا معجب به جداً»، وهو ما عزز كثيراً من فرضية وجود علاقة مشبوهه بين حملته وموسكو المتهمة بالتدخل في الانتخابات الأمريكية العام الماضي لصالح ترامب ضد منافسته هيلاري كلينتون. صحيفة لوموند الفرنسية نقلت عن مراسلها في هامبورج مبادرة ترامب لبوتين بالقول علي باب الغرفة التي شهدت اجتماع الزعيمين: »إنه لشرف لي أن أكون معك.. أنا مسرور جداً بلقائك.. وأتمني أن يُترجم هذا اللقاء بنتائج إيجابية.. لقد تحدثنا كثيراً عبر الهاتف ولكن المكالمات الهاتفية ليست كافية علي الإطلاق». من جانبها تحدثت الصحف الروسية عن انتصار روسي علي أمريكا، تعليقاً علي مصافحة بوتين وترامب، حيث كتبت صحيفة برافدا: »انظروا إلي إبهام يد بوتين.. إنه يحدد المسار ويسيطر علي الوضع»، كما أكدت أن »»بوتين وترامب وجدا طريقاً للسلام في سورياوأوكرانيا». عقب اللقاء تحدث ترامب عن »أجواء ودية للغاية جرت فيها المباحثات»، خاصة التوصل لتفاهمات غير معلن عنها في أوكرانيا، ومع اتفاق علي وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا بدأ سريانه يوم الأحد الماضي.. اتفاق يشمل أيضاً الأردن، حيث يتواجه في هذه المنطقة القريبة من مدينة درعا قوات من الجيش السوري مدعومة بقوات إيرانية وروسية، وقوات ممن يُطلق عليها المعارضة السورية المعتدلة مدعومة بعسكريين أردنيين ومستشارين أمريكيين. تيلرسون علق علي هذا الاتفاق بالقول إنه »دليل علي قدرة موسكووواشنطن علي العمل معا.. لقد تباحثنا أيضاً حول باقي بلدان الشرق الأوسط.. واتفقنا علي استمرار العمل لإنشاء مناطق أخري بلا توتر في سوريا». ما يجب فعله ترامب فعل ما كان يجب فعله، وإن كان ذلك بضغط عنيف من خصومه الديموقراطيين وكذلك عدد غير قليل من حزبه الجمهوري، والحديث هنا عن مواجهة بوتين بمسألة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام الماضي، وعقب اللقاء قال تيلرسون إن ترامب قبل تأكيداً من الرئيس بوتين بأن موسكو لم تتدخل في الانتخابات الأمريكية، ورفض ترامب الحديث عن تفاصيل ما دار مع الرئيس الروسي بخصوص ذلك الأمر، أو عن كيفية تجنبه في المستقبل، أو ما الذي سيفعله لمعالجة آثار ذلك التدخل في الوقت الحاضر. قبل لقائه مع بوتين كتب ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي لترامب تعبيرا عن »قلقهم الشديد» إزاء تقارير أفادت بأن إدارته تعتزم بحث إعادة مجمعات دبلوماسية في ولايتي ماريلاند ونيويورك إلي روسيا بعد أن أغلقتها إدارة أوباما العام الماضي ردا علي تدخل موسكو المزعوم في الانتخابات. وقال الأعضاء الثلاثة، وهم الجمهوريان جوني إيزاكسون وماركو روبيو والديمقراطية جيان شاهين، إن إعادة هذه المنشآت »ستشجع» بوتين وستشجع روسيا علي بذل المزيد من الجهود للتدخل في الانتخابات بالغرب. ويعلق هيذر كونلي الخبير الأوروبي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن لوكالة أسوشيتدبرس علي ذلك بقوله: »ما رأيناه لاحقاً هو أن روسيا تدخلت بشكل واضح في الانتخابات الرئاسية الفرنسية.. وإذا قلنا الآن إن الأمر قد انتهي بلقاء بوتين-ترامب فإننا بذلك لا نحمي بلادنا بشكل كاف».