يحلم العديد من المصريين بالحق في علاج مجاني يصون كرامتهم ويحقق رغبتهم في إيجاد منظومة صحية شاملة قادرة علي الوفاء بمتطلباتهم وفق ما نص عليه الدستور الذي أكد علي أحقية جميع المواطنين في العلاج، إلا أن تحقيق هذا الحلم علي أرض الواقع يعد ضرباً من الخيال لما يواجهه من عراقيل متعددة، هي بالأساس أسباب مادية ترجع إلي ضعف الميزانية العلاجية، وهكذا أصبح العلاج علي نفقة الدولة يبحث عن عناية مركزة من جانب الحكومة. الأمثلة في هذا الشأن كثيرة ومتشعبة، لعل أبرزها ملف إدارة نظام العلاج علي نفقة الدولة الطبية الذي يأتي علي رأس الملفات الشائكة التي تعوق تطوير المنظومة الصحية بصورة متكاملة، فطالما اصطدمت خطط وزارة الصحة لمعالجة هذا الملف بضعف الميزانية العلاجية التي لا تكفي متطلبات المرضي في ظل ارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية، لترتفع الأصوات المطالبة بإعادة توزيع المخصصات المالية للعلاج علي نفقة الدولة بشكل عادل. وكان وزير الصحة قد صرح بقرب الانتهاء من زيادة الكود العلاجي لجميع الأمراض كما لفت إلي زيادة المبالغ المالية المخصصة إلي مايقرب من خمسة مليارات جنيه في الموازنة الجديدة. ويتماشي هذا الإجراء مع المطالبات المتزايدة بتعديل الأكواد العلاجية الخاصة ببعض الأمراض حتي يتم التيسير علي المرضي في الحصول علي قرارات العلاج علي نفقة الدولة، وهذا بجانب اتخاذ حل جذري يتيح التخفيف من معاناة من طال بهم الانتظار أمام المجالس الطبية المتخصصة حتي يتم إدراجهم علي قوائم الكشف وبيان مدي حاجتهم للعلاج الطبي من عدمه . في هذا الصدد يوضح الدكتور محمد صلاح مدير مستشفي أسوان الجامعي أن الفئة التي تنطبق عليها مواصفات العلاج علي نفقة الدولة هي التي لا تمتلك تغطية طبية من التأمين الصحي سواء من قبل القطاع العام أو الخاص، وفي حال إثبات المريض هذا الأمر من هيئة التأمين الصحي يصبح من حقه التقدم بطلب للعلاج علي نفقة الدولة، كما أوضح أن كل نوعية من الأمراض مثل الأورام وأمراض الفشل الكلوي والسكري والضغط والقلب تندرج تحت كود علاجي محدد في منظومة العلاج علي نفقة الدولة ويتم التعامل من خلاله مع الحالة المرضية. يضيف: كل من يتم علاجه علي نفقة الدولة لا يتكلف أي أعباء مالية إلا إذا كانت الخدمة العلاجية ذاتها غير موجودة بالمستشفي، فقد يتم إصدار قرار لعلاج مريض الكلي في المستشفي ولكنها غير قادر علي صرف الفلاتر الطبية اللازمة لعلاج هذه النوع من الأمراض نظرا لعدم قدرة الشركات الموردة علي توريد المستلزمات الطبية بأسعار ماقبل تحرير سعر صرف العملة. يضيف: المنتج الطبي الذي يتم استيراده من الخارج زادت تكلفته علي المستشفيات بنسبة كبيرة نتيجة قرار تعويم الجنيه في نوفمبر من العام الماضي، وهذا معناه أن أي مريض يتم علاجه علي نفقة الدولة يتسبب في خسارة المستشفيات كون صرف المستلزمات الطبية يتم احتسابه من صندوق المستشفي ذاته، لا من ميزانية الدولة. وتابع قائلاَ: لا بد أن يتم إعادة تقييم الأسعار بالكود العلاجي الجديد بصورة شاملة ولا تكتفي إدارة العلاج علي نفقة الدولة بتسديد النفقات المادية للمرضي فقط، ولكن لا بد أن تقوم بتوفير المستلزمات الطبية مثل فلاتر الكلي ومستلزمات الغسيل الكلوي والأورام وكذلك المدخلات الطبية للعمليات الجراحية والعناية المركزة لعدم وجود بدائل لها، فمن غير المقبول أن يتم ترك هذا الأمر إلي نظام العرض والطلب في السوق المصري كما يحدث حالياً. كما أشار إلي وجود قرار من مجلس الوزراء بتغيير أسعار التعاقد بالمستشفيات بحيث تتناسب مع الوضع الحالي ، ولكن تظل المستشفيات مقيدة بأسعار المناقصات التي تم إجراؤها قبل ارتفاع سعر الدولار ولا يمكنها التصرف قبل إجراء مناقصات جديدة. فيما يوضح الدكتور الدكتور بهاء الطاهرالأمين العام لنقابة أطباء القاهرة أن نظام العلاج علي نفقة الدولة معناه التكفل بعلاج المريض بصورة شاملة دون مقابل مادي، ولكن في الكثير من الأحيان لا تعادل المبالغ التي يتم صرفها إلي المرضي التكلفة الحقيقية لقيمة العلاج، فيضطرون إلي تحمل فارق الأسعار في تكاليف العلاج بعد تعويم سعر الجنيه، فقد يتم تحديد تكاليف إجراء عملية جراحية للمريض بحوالي 1000 جنيه يتم صرفها له من قبل نظام العلاج علي نفقة الدولة بينما تكاليف المستلزمات الطبية الفعلية والأدوات المستخدمة في العملية الجراحية تتجاوز 1500 جنيه. ويري الدكتور بهاء الطاهر إمكانية حل المشكلة الحالية عبر إلغاء نظام العلاج علي نفقة الدولة، علي أن تدخل الميزانية الخاصة بهذا النظام إلي المستشفيات عبرتطبيق نظام صحي يشمل جميع المواطنين علي مستوي الجمهورية أو أن يشمل النظام الحالي للعلاج علي نفقة الدولة جميع العمليات الجراحية غير المدرجة علي الكود العلاجي ولا تقتصر تغطيته المالية علي عمليات بعينها. يتفق معه الدكتور محمد شوقي المنسي نقيب أطباء البحيرة في هذه النقطة حيث يري أن إعلان تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل سيجعل المريض المصري تابعاً لمظلة تأمينية واسعة ما يعني زيادة قدرته علي اختيار المكان الذي يريد العلاج به ومن هنا سيكون التنافس بين المؤسسات الطبية علي تقديم أفضل خدمة علاجية له، كما أنه سينهي حالة الانفصال بين الهيئات الثلاث التي تمثل إدارة العلاج علي نفقة الدولة وهي الهيئة العلاجية وهيئة المراقبة وهيئة التمويل. يضيف: عندما يتقدم المريض بطلب علاج علي نفقة الدولة يتم انعقاد اللجنة المختصة بتشخيص حالته وتقوم بإعطاء بياناته رقم محدد هو بمثابة الكود العلاجي وبناء عليه يتم اعتماد مبلغ مالي يقسم علي مدار شهور السنة ومن خلال هذا النظام يستطيع صرف العلاج الخاص به، والفكرة هنا من هذا تطبيق هذا النظام تكمن في توحيد قرارات صرف العلاج إلي المريض وعدم التضارب فيما بينها حيث كان البعض يلجأ في السابق إلي حيلة تتمثل في تسجيل بياناته في أكثر من محافظة ومن ثم يتم إصدار عدة قرارات علاجية له بالمخالفة للقانون، ولكن بعد أن أصبح قرارالعلاج علي نفقة الدولة يتم وفقاً لبيانات الرقم القومي لم يعد يصدر للمريض سوي قرار علاجي واحد وهذا ساهم في الحد من هذه المشكلة ولكنه لم يقض عليها بصورة نهائية، فمن الوارد أن يحدث تلاعب في صدور قرار بالعلاج علي نفقة الدولة عبر إدخال أسماء غير المستحقين ضمن الكود العلاجي وهو ما يتطلب اهتماما أكبر في الإشراف والمراقبة من قبل الجهات التي تطبق هذا القرار. في المقابل يكشف الدكتور عماد كاظم مدير المجالس الطبية المتخصصة بوزارة الصحة عن أن المجالس تعمل في الفترة الحالية علي مراجعة كافة الأكواد العلاجية المتعلقة بالعلاج علي نفقة الدولة حتي يتم تعديل أسعارها بما يتناسب مع زيادة سعر الأدوية وكذلك زيادة أسعار المستلزمات المطلوبة في العمليات الجراحية مثل الدعامات ومستلزمات جراحة القلب والعظام والعمود الفقري والأشعة التداخلية في المناقصات العامة لوزارة الصحة بعد تحرير سعر صرف العملة، كي لا يتحمل المواطن أي فرق سعري كبير عن القرار الصادر له بالعلاج علي نفقة الدولة.