الأوضاع تتأزم يوماً بعد الآخر، وكادت تقترب من حالة الفوضي الخارجة عن السيطرة، القتلي والجرحي يتساقطون في عدد من بلدان الشرق الأوسط، ولا يزال قادة المنطقة يبحثون ويتداولون حول القرارات التي يمكن اتخاذها، مجازر إنسانية جديدة وجرائم إبادة ترتكب بدم بارد لتحقيق المصالح وجني المكاسب علي دماء وأشلاء أهل المنطقة.. فلا يمكن تجاهل قواعد اللعبة والخطة الأمريكية بخلق شرق أوسط جديد؛ فتتسارع خطواتها بمساندة حلفائها نحو توسيع دائرة الحرب المزعومة في المنطقة من قبل لوجود أسلحة نووية والآن ضد ما أسموه الإرهاب الإسلامي.. بالأمس العراق واليوم سوريا. المنطقة تعيش أسوأ أيامها، تبقي علي صفيح ساخن مع استمرار أحداث العنف، ينتظر أهلها الموت ثمناً لأطماع الغرب؛ وهذا ماتشهده سوريا الآن وقبلها العراق التي لا تزال تنزف دماً، يعتصر قلبها علي أطفالها وشبابها، شيوخها ونسائها الذين تزهق أرواحهم دون رحمة، لم يقترفوا أي ذنب غير البقاء فيها. في صحيفة »الجارديان» البريطانية، كتب »سيمون جينكينز» مقالاً، علق فيه علي الاستهداف الأمريكي الأخير للقاعدة الجوية السورية. حيث قال إنه لا شيء في هذا العالم أخطر من رئيس أمريكي يجلس أمام التليفزيون؛ فعلي خطي الرئيسين »رونالد ريجان»، و»جورج بوش»، عندما تحول كل منهما من رئيس انعزالي إلي رئيس يتدخل في الشرق الأوسط، فسار ترامب الذي تغيرت سياسته البراجماتية تجاه نظام الرئيس بشار الأسد وروسيا تغيراً كلياً، وقصف مطار »الشعيرات» السوري بالصواريخ الأمريكية، لتكون هذه بداية التوسع في العملية العسكرية الأمريكية في سوريا. وصف جينكينز الخطوة التي أقدم عليها ترامب تجاه الملف السوري، بأنه مثل رد فعل ريجان عام 1982، علي مذبحة مخيم »صابرا وشاتيلا» في لبنان، والتي شدت قوات البحرية الأمريكية إلي حرب أهلية لا سبيل إلي الفوز بها، واضطروا في النهاية إلي أن يلوذوا بالفرار. ويري الكاتب البريطاني تبرير الرئيس الأمريكي علي قصف سوريا ما هو إلا هراء، لأن ما تتبعه الولاياتالمتحدة من سياسة الصدمة والترويع في عمليات قصف بدون طيار، إرهاب هي الأخري. وأشار جينكينز في مقاله إلي ازداوجية المعايير الغربية، موضحا أن بإمكان الكثير من الدول التظاهر بالفضيلة من خلال إدانة الهجمات الكيميائية، لكن قنابل الغرب قد تركت ضحايا بين قتيل ومشوه ومشرد. تقتل الهجمات بدون طيار الأبرياء كما تقتل الإرهابيين. قد تكون هذه الهجمات عادلة فقط عندما تكون مهمة للأمن القومي، أما عندما تكون مجرد لفتات للتدخل فإنها لا تعود كذلك. ويتساءل الكاتب »هل ينتوي ترامب أن يتبع تلك الهجمة بنشر قوات علي الأرض، كما حدث في العراق؟ أم أن الأمر، لا يعدو كونه أكثر من مجرد لفتة؟ ويري أن نهج ترامب يزيد بالفعل من المخاطر التي يتعرض لها المدنيون الأبرياء، الذي يعتصر قلبه من أجلهم، والمحاصرون في الحملة العسكرية الأمريكية التي تتوسع يوما بعد الآخر، خاصة أن عدد وفيات المدنيين نتيجة الضربات الجوية الأمريكية في العراقوسوريا ازداد بشكل كبير منذ تولي ترامب مهام منصبه. ومن ناحية أخري، تري مجلة »بوليتيكو» الأمريكية، أن هناك قرارا متفقا عليه بتأجيج جراح الشرق الأوسط وإشعال الحرب في المنطقة مجدداً. فخلال الأيام القليلة التي تلت رئاسة ترامب، أوضح أن أولي أولوياته في السياسة الخارجية هي هدم وتدمير الإرهاب الإسلامي. وعقب أيام من توليه منصبه، زار ترامب البنتاجون؛ لوضع خطة شاملة لهزيمة تنظيم داعش في العراقوسوريا، قائلًا: »أعتقد أنه سيكون ناجحاً جداً». وكانت الولاياتالمتحدة قد امتنعت علي مدار ست سنوات من ولاية أوباما، من اتخاذ موقف حيال الأسد، واكتفت بالتركيز علي قتال داعش والقاعدة وغيرهم ممن تعتبرهم متشددين إسلاميين، وحتي عندما قام الأسد في أغسطس 2013 بارتكاب مجزرة كيميائية صارخة في الغوطة، راح ضحيتها نحو 1450 شخصاً أغلبهم من الأطفال، وبعد أن كانت إدارة أوباما علي وشك توجيه ضربة لقوات الأسد عقاباً علي تجاوزه خطوطها الحمراء، تراجعت في اللحظات الأخيرة، مكتفية باتفاق برعاية روسية يقضي بتجريد نظام الأسد من سلاحه الكيميائي. فيما أقدم عليه ترامب فهو معارض لموقفه المعلن مسبقاً من نظام الأسد، فقد حفلت حملته الانتخابية بالكثير من التلميحات والتصريحات التي تؤكد أولوية الحرب ضد داعش، حيث اعتبر هذا التنظيم هو المشكلة الحقيقية في سوريا وليس الأسد، وقال إن الأسد أقوي من أوباما وأذكي من كلينتون وأن رحيله أسوأ من بقائه، بل نقل عنه أنه غير منزعج من التعاون مع الأسد في التهديدات المشتركة. ووفقاً للمجلة الأمريكية، فهناك رسم مسار جديد لما أسمته الإدارة الأمريكية »مكافحة الإرهاب» في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تبناه ترامب ورفض عناصر من نهج كل من بوش وأوباما، لكنه فعل ذلك بطريقة غير مختلفة بعض الشيء. حيث أمر بزيادة الأعمال العسكرية الأمريكية، في حين أبقي الدبلوماسية بعيدة عن الصراعات المتقلبة. فعقيدة ترامب الناشئة ستؤدي إلي مزيد من الحرب، مع القليل من المكاسب ضد الإرهاب بأهم منطقة في العالم. وتمضي المجلة في تفسير سياسة الإدارة الأمريكية نحو المنطقة، حيث أخذ ترامب صفحة من دراما بوش وتبني الخطاب الذي يشير إلي وجود صراع حضاري وجودي بين الولاياتالمتحدة والمتطرفين الإسلاميين. فعقب أحداث 11 سبتمبر، أعلن بوش حرباً عالمية علي الإرهاب ستواجه فيها الولاياتالمتحدة بقوة التحالف بين دول الشر مثل العراقوإيران. كما أعلن ترامب عن رغبته في سحق أعداء واشنطن، حيث وصف الشرق الأوسط بأنه مستنقع كبير لهم، ويعتقد أن مسؤولية إعادة بناء الدول المدمرة يجب أن تقع علي الجهات الفاعلة الإقليمية والمحلية، فيما يجب علي الولاياتالمتحدة عدم تحمل هذه الأعباء. وخلال أبريل 2016، قال ترامب لأنصاره بولاية »كونيتيكت» إنه سوف ينتصر علي داعش في أسرع وقت. وأضاف أنه لا يريد أن يكون مثل أوباما الذي أعلن قبل بضعة أشهر أنه سيرسل جنوده إلي العراقوسوريا.. لماذا تعلن وتقول للعدو أنك سترسل قوات هناك وتجعلهم هدفاً؟ ويبدو أن ترامب ينشر المزيد من القوات، وينقل تلك الموجودة بالفعل في الميدان إلي أماكن أقرب من المعركة. فخلال الشهر الماضي، تضاعف عدد القوات الأمريكية في شمال سوريا، حيث انضم 400 جندي من المارينز والجيش إلي جانب 500 من قوات العمليات الخاصة الأمريكية التي نشرها أوباما، فيما تشير التقارير إلي أن البنتاجون قريباً سيطلب المزيد من القوات لدعم الهجوم علي الرقة. في الوقت نفسه في الموصل بالعراق، تم إرسال مئات الجنود الأمريكيين لتعزيز الهجوم علي داعش. وأثناء ولاية سلفه أوباما، قيدت الضربات ضد الإرهابيين في العراقوسوريا وأفغانستان وكانت مقتصرة علي أماكن محددة بعيدة عن المدنيين. وإذ كان هناك ضرورة لتوسيع الضربات، كان علي البنتاجون أن يثبت أن هناك تهديداً مستمراً لواشنطن، وكان علي أجهزة استخباراتها التأكد بأنه لا يوجد مدنيون سيقتلون بسبب الغارة. فيما اتخذ ترامب بالفعل إجراءات لعدم إلزام الجيش بهذه القواعد. خلال يوم 25 يناير، وفي نفس العشاء الذي منح فيه ترامب الضوء الأخضر لعمليات 29 يناير العسكرية الكارثية في اليمن، حيث وافق علي اقتراح وزير الدفاع »جيمس ماتيس» بالسماح للجيش الأمريكي للقيام بعمليات ضد القاعدة في مناطق واسعة من اليمن، دون الرجوع إلي البيت الأبيض قبل كل ضربة. وبالفعل، نفذت إدارة ترامب 70 ضربة جوية في اليمن، أي ما يقرب من ضعف عدد ما نفذته إدارة أوباما العام الماضي. كما منح الرئيس الأمريكي توسعا مماثلا للسلطات في الصومال، وستتبعها ليبيا. وبعد أقل من 100 يوم علي تولي الإدارة الأمريكية الجديدة، يبدو أن نهج ترامب لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط يمثل أسوأ ما في العالم كله. فالرئيس الذي وعد بعدد أقل من العمليات العسكرية قد يجد نفسه يغرق في الشرق الأوسط، ويهدر الدم ويحرض علي النكبات الإقليمية دون نهاية. ليس هذا ما وقع عليه الشعب الأمريكي. كما أنها ليست الطريقة التي يمكن أن تقضي علي أعداء واشنطن كما يتوقع. فيما يري بعض المراقبين أن إيران سيكون لها دور في الأيام القادمة، خاصة بعد أن أجل مجلس الشيوخ الأمريكي اعتماد مشروع قانون لفرض عقوبات جديدة علي طهران، بسبب تجارب صواريخ باليستية وغيرها من الأنشطة غير النووية في تجسيد للنهج المتشدد الذي يتبناه الرئيس ترامب تجاه طهران. وجاءت توقعات المجلة نتيجة الحجج الواهية التي برر بها الكونجرس موقفه، حيث أعلن الأخير أن قراره جاء بسبب مخاوف بشأن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في مايو المقبل والتي سيسعي فيها المحافظون في إيران لإزاحة الرئيس »حسن روحاني». وفي سياق متصل، حذر اللوبي الإيراني في أمريكا »ناياك» من عواقب فرض عقوبات جديدة علي إيران، معتبراً هذه الخطوات الأمريكية من شأنها أن تقوض الاتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة 5+1.