باقي من الزمن أسبوع واحد ويحزم الرئيس الأمريكي أوباما أمتعته ويرحل عن البيت الأبيض, تاركا إرثا ثقيلا من الصراعات والدماء التي فاقت سابقه جورج بوش الابن, رغم ما أدعاه في بداية عهده بإحلال السلام, وإنهاء بقايا الغزو الأمريكي الفاشل للعراق وأفغانستان, لكنه أكمل طريق الحروب والدمار بأدوات جديدة, وحصل علي جائزة نوبل للسلام, التي ازدادت سمعتها سوءا. يأتي الرئيس الجديد ترامب بوعود جديدة, أهمها أن أمريكا ستركز علي مشاكلها الداخلية, وستشارك في الحرب علي الإرهاب بشكل مغاير لأسلوب إدارة أوباما, التي كانت تدعم الإرهاب سرا, وتتظاهر بأنها تواجهه, وتسببت في المزيد من الحروب التي وصفها وزير الخارجية جون كيري بأنها أصبحت أكثر تعقيدا, خصوصا في سوريا, التي دخلت فيها دول إقليمية ودولية, لكل منها أهداف متباينة. إدارة أوباما حاولت أن تضع العراقيل أمام ترامب, وتورطه في الاستمرار في الطريق نفسه الذي سلكته, كما أن مواقف ترامب المتناقضة تزيد الأوضاع ارتباكا, فهو يعلن استعداده للتنسيق مع روسيا في حربها علي الإرهاب, بل يمكن أن يتعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد, لكن تصريحاته أكثر ميلا لإسرائيل وعداء لإيران, الحليف الوثيق لروسيا, ويبدو أكثر حماسا للقضاء علي الإرهاب, ويريد تحميل دول الخليج تبعات دعم التطرف, لكن إسرائيل سعيدة بالتقارب غير المسبوق بدول الخليج. لا يمكن الارتكان للتصريحات السابقة في الانتخابات الأمريكية, لأن أهدافها تركز علي كسب الجولة تحت أي شعارات, دون النظر إلي إمكانية وفرص تنفيذها في الواقع, ولهذا سنبدأ نتلمس الخطوات الأمريكية الحقيقية للإدارة الأمريكية الجديدة, خصوصا في العراقوسوريا حيث توجد قوات أمريكية, وما مدي استمرارها في محاولة فرض نفوذها علي منطقتين لأكراد سوريا وسنة العراق في المنطقة الفاصلة بين سورياوالعراق. من الصعب أن يواصل ترامب نهج إدارة أوباما, التي منيت بالكثير من التعثر, حيث فشلت في سوريا وفق اعتراف أوباما, وتخبطت في العراق, بين مساعدة الحكومة المركزية حينا, ومحاولة تغذية الصراعات في العراق أحيانا, لكن القوات العراقية تحقق تقدما كبيرا في معركتها الحاسمة في الموصل وغرب الأنبار ونينوي, واقتربت من القضاء علي أهم معاقل داعش, لتفرض أمرا واقعا جديدا, ليس كما تمنت إدارة أوباما, ولهذا من الصعب أن يتمكن ترامب من تخفيف الفشل الأمريكي في العراقوسوريا, وإن كان أردوغان يأمل أن يجد في إدارة ترامب حليفا له في مغامراته في سورياوالعراق, وأن تشارك في مفاوضات استانا, وتساند تركيا, وتخرجها من العزلة المفروضة عليها, لكن من الصعب أن يثير ترامب غضب صديقه بوتين. لن يكون من السهل علي ترامب أن ينفذ تعهداته بالانسحاب من مناطق الصراع, سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا وحتي في بحر الصين, سواء لأن أوباما وضعه أمام أمر واقع, لا يمكنه من الانسحاب, بما يعني خسارة أمريكية سريعة وكبيرة, أو لأن مراكز التأثير في أمريكا ستواصل ضغطها علي ترامب ليكمل الأهداف التي فشل فيها أوباما, وإن كان بأساليب وأدوات جديدة. قد لا يسكب ترامب الكثير من الزيت علي النيران المشتعلة, والتي أرهقت الكثير من دول العالم, في وقت تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية العالمية, لكنه لن يكون حمامة سلام, أو رجل إطفاء الحرائق التي أشعلتها إدارة أوباما, فأمريكا المثقلة بالأزمات لا تتوقف عن إلقاء أزماتها علي الآخرين, وممارسة الابتزاز والضغوط لتحقيق أهدافها, وضمان تفوق إسرائيل وضمان أمنها, فالأولويات الأمريكية لا تتغير, وإن اختلفت أدوات إدارة الصراعات, وهناك معارك خاسرة لن يضطر ترامب إلي مواصلتها, لكنه سيكون أكثر وضوحا, إلي حد الفجاجة, في التعبير عن وجه أمريكا في أشد أزماتها صعوبة.