الزيارة التي يُجريها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي واشنطن، هي الأولي من نوعها لرئيس مصري منذ عام 2009، وتُمثل مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات »المصرية - الأمريكية»، نظرًا لأهميتها البالغة في مسيرة العلاقات بين البلدين. أهمية تلك الزيارة تتجسد في كونها زيارة رسمية بكل ما تحمله الكلمة من معني، من حيث مراسم الاستقبال الرسمي في البيت الأبيض، ومأدبة الغداء التي سيُقيمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، علي شرف الرئيس عبدالفتاح السيسي، فضلًا عن المباحثات المطولة التي سيُجريها الزعيمان، والتي ستتناول العلاقات »المصرية - الأمريكية» علي جميع المستويات، إضافة إلي الأوضاع في الشرق الأوسط، وعلي رأسها القضية الفلسطينية. تاريخ طويل بدأت رسميًا العلاقات »المصرية - الأمريكية» بفتح قنصلية للولايات المتحدة في عام 1832، وتأرجحت هذه العلاقات بين التعاون والصراع عبر المراحل الزمنية المختلفة، ووصلت قمتها في الصراع عام 1967 حين اتخذت مصر قرارًا بقطع العلاقات السياسية مع الولاياتالمتحدة، إثر قيام الأخيرة بتقديم دعم عسكري غير محدود لإسرائيل في عدوانها علي مصر، واحتلالها لأراضي سيناء المصرية والجولان السورية والضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزةالفلسطيني. وبعد الانتصار التاريخي لمصر علي إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، تم استئناف هذه العلاقات في مارس 1974، وخلال سنوات قليلة استطاعت مصر أن تطور علاقات خاصة مع الولاياتالمتحدة، ومنذ عام 1978 أصبحت الولاياتالمتحدة بمثابة شريك كامل في محادثات السلام »المصرية - الإسرائيلية»، بل والمصدر الرئيسي للأسلحة وأكبر مانح للمساعدات الاقتصادية لمصر الأمر الذي زاد من حدة الانتقادات الداخلية والعربية التي تعرض لها النظام المصري من جراء ذلك إلي حد وصفه بالعمالة للولايات المتحدة. تاريخ طويل من الزيارات لرؤساء مصر إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية، يمتد إلي أكثر من 60 عامًا منذ ثورة 23 يوليو 1952 وحتي ثورة 30 يونيو 2013، حيث كانت البداية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والذي وصلت خلاله العلاقات بين القاهرةوواشنطن إلي أدني مستوياتها، حيث لم تطأ قدم الزعيم الراحل أرض الولاياتالمتحدة بعد أن رفض وصايتها عليه في حكمه، واقتصرت الزيارات علي مستوي وزراء الخارجية فقط وما دون ذلك. ناصر كانت بداية اضطراب العلاقات »المصرية الأمريكية» مع لقاء ناصر ووزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس، عام 1953، والذي وصفته الأوساط بأنه كان لقاءً عاصفًا منذ اللحظة الأولي، حيث كان يريد زعيم الثورة المصرية تعاونًا قائمًا علي الندية والاحترام المتبادل، ودالاس يريد إدخال مصر في حلف ضد الاتحاد السوفيتي، فقدم ناصر أسباب رفضه للعرض الأمريكي، والتي كان في مقدمتها أن الاتحاد السوفيتي لم يقدم علي أي خطوة أو إجراء عدواني ضد مصر، كما أن الشيوعية ليست خطرًا علي الشعب المصري لأن الشعب المصري عميق التدين، وفشلت أولي محاولات أمريكا في استمالة مصر لجانبها لتبدأ مرحلة من العداء الأمريكي التي تصاعدت شيئًا فشيئًا، وحملت محطات عديدة خلال حكم ناصر مرورًا بالعدوان الثلاثي وحتي نكسة 1967، والاحتلال الإسرائيلي. تحولت العلاقات المصرية الأمريكية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، الذي انتهج سياسة مختلفة عن سلفه تجاه واشنطن قائمة علي الانفتاح، والتي ازدادت قوتها بعد أن رعت واشنطن مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل، والتي انتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وكشفت زيارة السادات إلي أمريكا قبل أن يتولي الرئاسة مدي ميله للمعسكر الأمريكي، حيث قام السادات بزيارة لأمريكا في فبراير 1966، بصفته رئيس مجلس الأمة، تلك الزيارة التي استمرت 10 أيام، وكانت في واشنطنونيويورك ثم كاليفورينا، والتقي خلالها بالرئيس الأمريكي، ووزير خارجية أمريكا، ورئيس مجلس النواب الأمريكي، ورؤساء اللجان البرلمانية. السادات وخلال فترة حكمه، زار السادات أمريكا عدة مرات كان أولها في أكتوبر 1975 في أعقاب انتصارات أكتوبر 1973، لبحث تطورات الأزمة ودعم التعاون بين البلدين، وإمداد مصر بالأسلحة الأمريكية المتقدمة، كما ألقي الرئيس المصري في نوفمبر 1975 خطابًا أمام الكونجرس الأمريكي حول الأزمة في الشرق الأوسط، وفي إبريل 1977 كانت بداية المباحثات بين السادات والرئيس الأمريكي جيمي كارتر في واشنطن حول أزمة الشرق الأوسط. وجاءت زيارة السادات التاريخية إلي أمريكا في عام 1978 من أجل التفاوض لاسترداد الأرض، وتحقيق السلام كمطلب شرعي لكل دولة، وخلال هذه الرحلة وقع اتفاقية السلام في كامب ديفيد، برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وقد وقع معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل مع كل من كارتر ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن، عام 1979 والتي عملت إسرائيل علي إثرها علي إرجاع الأراضي المصرية المحتلة إلي مصر. مبارك تولي الرئيس حسني مبارك، الحكم عقب اغتيال السادات، ولم تختلف العلاقات كثيرًا، فعلي مدار 30 عامًا، هي مدة حكم مبارك، سارت العلاقات بين القاهرةوواشنطن علي نفس النهج وتوالت الزيارات بنفس الوتيرة، ومع استقرار العلاقات بين الجانبين تحولت زيارة الرئيس مبارك إلي العاصمة الأمريكيةواشنطن إلي عادة سنوية لم ينقطع عنها، خاصة أن مصر أصبحت شريكة للولايات المتحدة في قضايا المنطقة، خاصة في القضية الفلسطينية، ويعتبر العام 2002 مثالًا علي ذلك والذي شهد قمتين بين مصر وأمريكا إحداهما في شهر مارس والأخري في بداية يونيو من العام نفسه، علي خلفية تصعيد العدوان الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني وتأزم عملية السلام. مرت العلاقات »المصرية - الأمريكية» بمنحني منخفض في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، أدي إلي انقطاع مبارك عن عادته السنوية، وكان ذلك بعد زيارته الشهيرة لمزرعة الرئيس بوش في كروافورد بولاية تكساس عام 2004، والتي قيل إنها شهدت سجالًا حادًا بين الطرفين حول التطور الديمقراطي في مصر، وملف الانتخابات وقضايا حقوق الإنسان وهو ما اعتبرته القاهرة تدخلًا في شؤونها وعبرت عن رفضها له بشدة. جاء باراك أوباما في 2008، واختار جامعة القاهرة ليوجه منها خطابًا للعالم الإسلامي لينهي بذلك قطيعة دامت سنوات، ويقوم مبارك في أعقابها بآخر زيارتين في عهده لواشنطن، كانت الأولي في أغسطس 2009 لبحث التوتر الذي كانت تشهده منطقة الشرق الأوسط في فلسطين ولبنان وسوريا والخطر الإيراني، ثم في سبتمبر 2010 حيث شارك مع نظيره الأردني الملك عبدالله الثاني، والفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في المحادثات التي استضافها البيت الأبيض بقيادة أوباما لحل القضية الفلسطينية. ما بعد 25 يناير مع قيام ثورة 25 يناير 2011 اضطربت مواقف الإدارة الأمريكية من التطورات علي أرض مصر، وتباينت المواقف ما بين المطالبة بالهدوء وضبط النفس في معالجة المظاهرات وصولًا لمطالبة الرئيس أوباما لنظيره الرئيس الأسبق محمد حسني مُبارك بالرحيل الآن، واستخدمت أمريكا كل سُبل الضغط الدبلوماسي والاقتصادي علي كافة الحكومات المتتابعة للحصول علي مواقف تابعة لمواقفها وتوجهاتها. بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية حوارًا مفتوحًا مع جماعة الإخوان »الإرهابية»، وإدارة الرئيس المعزول محمد مرسي بعد ذلك لتحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة، وعارضت واشنطن قيام ثورة 30 يونيو علي نظام الرئيس المعزول وإدارته غير الرشيدة لمقدرات البلاد التي أدت لانقسامات سياسية وشعبية حادة هددت أمن مصر. وتحول الدعم الأمريكي للإخوان إلي حالة عداء تجاه الشعب المصري عقب ثورة 30 يونيو، التي أطاحت بالجماعة الإرهابية وأجهضت مخطط واشنطن، حيث عاقبت الإدارة الأمريكية مصر علي ثورتها بقطع المساعدات العسكرية، التي تقدمها واشنطن وفقًا لاتفاقية كامب ديفيد، وتوتر في العلاقات دام خلال السنوات الماضية. المواقف الأمريكية بدأت في الاعتدال قليلًا بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، بأغلبية أشبه ما تكون بإجماع شعبي، الأمر الذي أدي لاستقرار كبير في الأوضاع الأمنية والسياسية بمعظم أنحاء مصر. ولم يزر الرئيس عبدالفتاح السيسي واشنطن خلال السنوات الأخيرة لعهد أوباما، إلا أن نيويورك شهدت في سبتمبر 2014 عقد قمة بينهما علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أن تأتي زيارته الحالية بعد تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رئيسًا للبيت الأبيض خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة.