(الشاب إسلام نبيل) لاقتناعه التام بضرورة وجود سند للإنسان في الكبر أحب (ماما فاطمة ) من أول نظرة، التي لم تتحرك من سريرها منذ خمس سنوات بل وتنام جالسة و(مي) أعادت إلي (بابا حليم) الصوت بعد سنوات من الصمت ظن فيها فقده النطق وعاش وحيدا لا يجد من يتحدث إليه بعد وفاة كل أبنائه.. و(رباب) أصبحت جليسة (ماما فوفا) التي رفضت قبلها 40 فتاة بل وتعلقت بها لدرجة الجنون (مش عايزة حد يدفني غيرك)، إنهم الأبطال الحقيقيون لقصص واقعية مع كبار السن الذين تخلي عنهم أهلهم وتركوهم يواجهون ظلمات الشارع والمجتمع وبعضهم ليس لديهم أهل وربما لديهم أهل لكن لا يستطيعون رعايتهم لضيق المعيشة. قصص واقعية جعلتني أتساءل هل فكرنا في يوم لن نجد فيه أحدا حولنا أو أولادنا يتخلون عنا أو يرحلون قبلنا ، لا يستطيع أحد انتظار هذا المستقبل الذي شاءت الأقدار أن يصبح واقعا تعيش مرارته أمهات وآباء قدرهم تحمل جحود الأبناء . لكن القدر ذاته كافأهم بشباب تطوع للعمل في مهنة جليس المسنين (ابن بار بدلا من أبنائهم).
إسلام نبيل 25 عاما بدأ قصته مع نشاط الابن البار في مارس 2015 قال: فضولي دفعني لأزور إحدي دور المسنين فاكتشفت عالما من الجمال والرحمة والإنسانية مختلفا عما توقعته وجدت متطوعين يزورون المسنين ويقيمون لهم الحفلات والرحلات ويعتبرونهم آباءهم وأمهاتهم، فتساءلت ما الذي يدفع هؤلاء المتطوعين إلي الجلوس مع أناس لا يعرفونهم ويتعايشون معهم ويتعلقون بهم؟ وجاءتني الإجابة شافية حينما قابلت (ماما فاطمة) ومعرفة حكايتها المثيرة للحزن ففي عمرها الحالي 56 عاما تجلس علي سريرها بلا حركه منذ خمس سنوات كاملة نتيجة للسمنة المفرطة فتآكلت غضاريف الرقبة والفقرات القطنية فتضطر للنوم وهي جالسة فأحببتها من أول نظرة وأحبتني ومازالت تذكرني بأول لقائنا حتي الآن فتقدمت للعمل في نشاط الابن البار لأكون بجانبها أطول وقت ممكن وأساعدها بأي شكل واللحظة الأسعد حين أخبرتها بذلك فجعلت تزغرد من الفرحة، ويضيف كما قابلت (ماما ماهيتاب - ماهي) كما كانت تحب أن نناديها وكانت مثالا للجمال والقلب الطيب في عمر 82 عاما وكانت دائما تبادرنا بإطلاق النكات الجميلة ومطربة رائعة كما في شبابها وقد انضمت لدار المسنين وكانت حزينة في أول الأمر لكنها اندمجت في أجواء المرح والسعادة والأسرة ولم تشعر بعد أول شهر بالغربة أو الوحشة وكذلك (ماما سوسن) التي تخلي عنها ابنها الوحيد من سبع سنوات وكانت مصابة بجلطة سببت شللا نصفيا شاءت الظروف أن يحضرها أهل الخير من الاسكندرية عام 2013.
مي شعبان متطوعة منذ كان عمرها 16 عاما ولمدة عشر سنوات تحكي عن (بابا حليم) رجل من صعيد مصر كان يعمل بالمقاولات واستقر به الحال في الجمعية بعد وفاة أبنائه جميعا و رغم مأساته دائم الابتسام والمرح وفي كل الحفلات والرحلات يمسك عصاه ويرقص ويغني وهو في سن 75 لكن قلبه الشاب اليافع يعطينا نحن المتطوعين دفعة حماس بكلمته الدائمة " يالا نفرح يا ولاد الدنيا مستنيانا) تقول: في أول مرة شاهدته شعرت كأنه جدي أو أبي فهو رجل معطاء لكن الظروف أنهكته وفقد النطق "ظللت أتحدث إليه وأقول له رد عليّ فنطق وقال لي شكرا ،كما قابلت ماما بهية من أتعس الأمهات حظا وجدتها أثناء سيري في إحدي المناطق الشعبية وشاهدت ابنها الوحيد وزوجته يضربانها ويعذبانها وهي تستغيث بالمارة من شباك غرفتها وقد أصابها شلل تام فطلبت من ابنها أن أصطحبها إلي دار المسنين ونظفتها من تراكم الإهمال فوجدت في مشاعرها ما لا يصدقه عقل فرغم كل ما فعله ابنها إلا أنها تدخر من أموالها لتشتري له بيتا كبيرا وكانت ترفض أكل الحلوي والوجبات لكي تقدمها له حين يزورها وما طلبته مني فقط هو شراء "بوسترات لفنانين ولمناظر طبيعية مثل المعلقة في الشوارع" حتي تنظر إليها وتشعر أنها ذهبت إلي التنزه في الخارج. رباب محمد 24 سنة تقدمت للعمل في مهنة جليس المسنين لإحدي الجمعيات الخيرية ورشحتها الجمعية للذهاب إلي منزل دكتورة عفاف أو ماما فوفا 72 عاما التي رفضت 40 جليسة من قبلها لكن بمجرد أن شاهدتها اقترحت عليها أن تأخذها في زيارة إلي زملائها القدامي في الجامعة فأدخل العرض السرور إلي قلب فوفا وأحبت رباب وتعلقت بها مثل بنتها وقد سافر ولداها إلي أمريكا تقول رباب إن ماما فوفا تستيقظ في الساعة 8 صباحا فأعد لها فنجان القهوة وفي وجبة الغذاء تصر علي أن أتناولها معها وإلا رفضت الأكل فقد تعلقت بي إلي حد الجنون "مش عايزة حد يدفني غيرك" ورغم حبي الشديد لها إلا أنني أشعر بالحزن في أوقات كثيرة بسبب هروب "الخطاب مني" فكلما يطلبني عريس يتراجع عندما يعرف بعملي كجليسة تخدم في بيوت الأغراب. هبة الله محمود حكت لي عن ماما نونة التي رفضت رجاء ابنها بالعيش مع أسرته فقد عاشت فترة في الدار ووجدت بينهم البهجة التي تسعد حياتها. عبد الرحمن حسن 14 سنة - أصغر متطوع- مصاب بالتوحد وكان لا يحادث أحدا إلا والدته التي تطوعت لمجالسة المسنين ومشاركتهم حفل عيد الأم ووسط الموسيقي قام فجأة ليغني ويرقص مما أسعد والدته وأصبح يشارك المسنين كل حفلاتهم ورحلاتهم الترفيهية. ماما ثريا 66 سنة أكبر متطوعة تعمل منذ 6 سنوات - حريصة علي التواجد معهم في كل الأوقات تخرج كل يوم صباحا من مسكنها في المرج مستقلة مترو الأنفاق لتتوجه للدار في مدينة نصر تحضر وجبة ساخنة محببة لإحدي الأمهات أوتشجيع المتطوعين علي أهمية تواجدهم بجانب المسنين.
دكتور عبد الخالق عفيفي أستاذ تنظيم المجتمع والأسرة وقد شغله أمر المسنين أعواما أعد دراسة علمية عن احتياج المجتمع لمهنة ( جليس المسنين) إيمانا منه بأن أي عمل هو رسالة وليس وظيفة وبسبب تزايد أعداد المسنين جاءت نتائج الدراسة أن المجتمع في احتياج لخدمة إضافية جديدة للمسنين وتوفير جليس لهم ولاقت الفكرة إقبالا ونجاحا من الشباب وتقدم الكثيرون للعمل فيها ولكن للأسف بسبب النظرة السلبية إليهم بدأ يقل إلاقبال ولم يتقدم لنا أكثر من خمسة شباب رغم مجانية الدورات التدريبية التي تقدم لهم ويضيف ما أفخر به هو أنني صاحب أول مبادرة منذ عام 1988 لتدريب الشباب لمهنة جليس ليس بشكل عشوائي ولكن بإعداد علمي ونظري وقامت الجمعية بعمل بروتوكول مع معهد التمريض ونجحنا بفضل الله في تقديم الخدمة للمسنين والقضاء علي جزء من مشكلة البطالة في آن واحد.