يعيشون علي هامش الحياة بعدما كانوا يشاركون بقوة في صنع أحداثها.. تعبوا وربوا وحققوا الكثير من النجاحات وبدلا من رد الجميل كانت نهاية حياتهم وبدلا من التكريم والوفاء في إقامة في دار للمسنين. البعض ذهب بإرادته اتقاء شر الوحدة وآخرون لم يجدوا غير هذا المكان بعدما هجرهم الجميع ونسيهم الكل وهرب منهم القريب والبعيد والبعض الآخر تضرر منه أهله بعدما صار قعيدا مريضا كل هؤلاء وأكثر تجمعوا في أماكن يسمونها بدار المسنين منهم من تآلف مع مجموعة من البشر ومنهم من خرج ليخفف وحدته فساءت صحبته ومنهم من لم يتغير قط بل عاش ولم يزل في ذكرياته الأولي برغم كل الظروف حتي في العيد. تقول محاسن عبدالحميد, مديرة إدارة إحدي دور رعاية المسنين, إن الدار تضم قسمين أحدهما للأصحاء ويشمل25 مسنا ومسنة والآخر لغير القادرين علي خدمة أنفسهم ويضم42 وهؤلاء نوفر لهم خدمة عمال وتمريض طوال اليوم, وفي أثناء الرحلات والحفلات لابد من وجود طاقم مكون من طبيب باطنة وقلب وعلاج طبيعي مستعد لأي طوارئ. وأشارت إلي أنها اعتادت قضاء طوال اليوم بالدار لمجالسة هؤلاء والإشراف علي الدار ومحاولة دمجهم مع بعضهم البعض خاصة أن من بينهم فنانين ومبدعين وقد كان الفنان محمد رشدي, رحمه الله, يزور الدار بشكل دوري أيضا احتفل بهم خالد عجاج من قبل في إحدي المناسبات وغيرهما من الفنانين. وعن سبب وجود هؤلاء بالدار ردت بكلمة واحدة إنه جحود الأبناء, وعن زيارة الأبناء لآبائهم وأمهاتهم بالدار, قالت إن معظم المسنين يأتي أبناؤهم لزيارتهم, لكن هناك مجموعة لم يسأل أحد عنهم رماهم أولادهم في الدار ولم يدفعوا لهم شيئا وهؤلاء الآباء والأمهات مازال لديهم الأمل رغم كل ذلك في الانتظار لزيارة عطوفة من أبنائهم, وتشير إلي أنها سوف تقضي هذا العيد معهم وبصحبتهم, وأنهم اشتروا بالفعل كعك العيد والبسكويت والحلويات والمأكولات اللازمة وكذلك الترمس والسوداني. وتقول الحاجة سوسن محمد 70 سنة والتي جاءت لزيارة صديقاتها بالدار, إنها سكنت الدار هنا هي ووالدتها, رحمها الله, لمدة4 سنوات ووجدت من العاملين بالدار معاملة حسنة وطيبة لكنها تركتها بعد وفاة أمها, وأضافت أن الاحتفال بالعيد هنا يبدو عند البعض يوما عاديا ولدي آخرين متعة حقيقية. ويقول الحاج أحمد مازن 73 سنة إنه موجود بالدار منذ عامين ونصف العام وكان يعمل قبل خروجه علي المعاش مهندسا بالقطاع العام, وجاء إلي هنا بعد أن أحس بالوحدة والملل خاصة بعدما طلق زوجته التي دامت عشرتهما معا لما يقرب من34 عاما, مما دفعه لأن يبحث عن متنفس وصحبة طيبة يتحدث إليها, وقال إنه في يوم العيد يساعد العاملات في تركيب الستائر المغسولة لكنه لا يخرج في العيد بل يحب أن يقضيه بالدار خاصة أنه يعمل أيضا, ويقول إن لديه ابنا وبنتا يزورانه كل فترة وعن معاملة الدار له فقد أثني عليهم كثيرا وعلي نظافة المكان, وأكمل أنه يحب المجموعة هنا وأنه كان يتوقع حدوث الثورة نتيجة زيادة السكان وقلة الخدمات, وهو يفضل هوايتي المشي والقراءة وأحيانا يجلس علي المقاهي ليشرب الشيشة, أما الحاجة نفيسة حسين 60 سنة وكانت تعمل مهندسة بشركة فيلبس ومقيمة بالدار منذ خمس سنوات, فتقول إنها فكرت للمجيء هنا بعدما توفي والداها وتجنبا للمشكلات مع أخواتها وأبنائهم وتؤكد أنهم يزورنها من وقت لآخر, وتقول إنها تخرج في العيد لتزور أصحابها واختها ولا تحب المشاركة في رحلات الدار, فهي منسجمة مع خمسة أشخاص بالدار فقط. ويقول المهندس أسامة شعبان 65 سنة مهندس معماري ويعيش بالدار منذ سنتين أنه جاء هنا للتخلص من إحساس الوحدة لكن لا جديد فهو يصف نفسه وأمثاله بتنابلة السلطان يأكلون ويشربون وينامون, وكذلك الحال كل يوم, مشيرا إلي أنه طلق زوجته وابنته تزوره أحيانا, ويشير إلي حبه الشديد لسماع إذاعة القرآن الكريم وفي العيد ينتظر دائما زيارة إخواته وابنته وأصدقائه, ويشيد بالدار إلا أن المشكلة التي يراها هو عدم تآلف الجميع مع بعضهم البعض وأنه اختار مجموعة صغيرة ليكون مترابطا معهم طوال الوقت رافعا شعار الوحدة خير من جليس السوء, أما عبدالعظيم محمد 80 سنة وكان يعمل موجها عاما بإحدي المدارس وهو من أقدم ساكني الدار حيث يقطنها منذ15 عاما ويعرب عن حبه لقراءة الصحف, ويذكر أنه جاء إلي الدار بعدما يئس من شفاء زوجته التي أصيبت بمرض نفسي وبذل قصاري جهده هو وابنه في علاجها, فلما اشتد الحال فضل الابتعاد حتي تهدأ نفسها, مشيرا إلي أنه يدفع للدار700 جنيه. وعن العيد يقول إنه يعتبره يوما عاديا ففي الصباح يسمع خطبة العيد ويأكل الكعك والترمس والفول السوداني, ويأتي الأقارب لزيارتي وكذلك ابني الذي يعمل مستشارا في إدارة الجودة بوزارة الصحة معبرا عن سعادته بالثورة وما أنجزته حتي الآن مشيدا بالدار ونظافتها واهتمامها بالمسنين خاصة وهو من أقدم الموجودين بها. وفي مبني آخر توجهت إلي غير القادرين علي خدمة أنفسهم فمنهم من غلبه المرض ومنهم من صار قعيدا ومنهم من كسرت ساقه أو قدمه أو ذراعه لسبب أو لآخر فتحدثت إلي صبري محمد كامل 69 سنة وكان يعمل مديرا بشركة النصر للمسبوكات وبالمناسبة هذا الرجل هو ابن الفنان الراحل محمد كامل. ويقول الحاج صبري إنه جاء للدار بعدما يئس من أفعال ابنه محمد الذي ضيع أمواله فآثر أن يبتعد عنه خاصة عندما مرض بل ويعطيه المال من معاشه الخاص حتي يبتعد عنه ويتقي شره خاصة بعد موت الأم, فهذا الولد كثير المطالب بشكل مستفز وقد رشحت أختي لي هذه الدار, وبالفعل جئت ولي هنا صديق عزيز أرتاح في الحديث معه, ويقول إنه سوف يقضي العيد في السرير لأنه مريض ولكن هذا لا يمنع أن تزوره أخته وأصدقاؤه, وظهرت سيدة في الثمانين من العمر رفضت ذكر اسمها ولكن تبدو وعليها علامات الحزن, وقالت كان زوجي يعمل طبيبا بالقصر العيني وكذلك ابني وتوفي زوجي بجلطة فانسدت الدنيا أمامي, ولما مات ابني بنفس الطريقة أسودت الدنيا في عيني أكثر ودخلت في غيبوبة طلبت بعدما أفقت منها أن يودعني أبنائي في دار المسنين لأني لن أتحمل أن أري نفس الوجوه والأماكن بعد تلك الأحداث, ومع ذلك فأنا هنا لا أنسي الفاجعتين وسأنتظر باقي أولادي في العيد ليأتوا لزيارتي. أما المهندس صلاح الدين غنيم 68 سنة وكان يعمل مهندسا للنسيج بألمانيا لأكثر من عشرين عاما وجاء إلي الدار منذ ثمانية أشهر, فيقول إنه مرض بعد وفاة زوجته ولم يتحمله أولاده ورشحوا له الدار لكنه رفض وبشدة فلما وجد منهم لا مبالاة ولم يسأل أحد فيه, فكل واحد منهم مشغول حتي عن السؤال عني فأعدت التفكير, وها أنا هنا لست راضيا عن الوضع لكني أحاول التكيف معه, ويشتكي من الخدمة بالدار فقط لأنه كلما ينادي علي إحدي العاملات لا تجيبه ما يريد. وعن العيد يقول سوف أقضيه مع الجماعة هنا وينتظر مجيء أولاده لكنه لا ينوي الخروج في رحلات مع الدار حتي لا يتضرر منه أحد فهو مريض ولا يريد أن يسنده أو يحركه أحد حتي لا يضايقه متمنيا أن ينهي علاجه داخل الدار حتي يستطيع المشي وعن سبب الوجوم الذي رأيته علي وجهه قال إن تلك حياة جديدة بها بعض القيود التي لم أكن أحبها خاصة وقد عشت في بلد مثل ألمانيا. وقال وائل أبواليسر إخصائي اجتماعي بالدار إن هناك فروقا عديدة بين المسنين وكل واحد منهم يحتاج معاملة خاصة إلا المجموعات المنسجمة مع بعضها البعض, مشيرا إلي أن زيارات الأهالي تخفف هذا الضيق النفسي المتراكم بداخلهم أما من يزره أحد فهو بالطبع يحتاج معاملة خاصة والجميل في الأمر أن هناك ناسا عادية تأتي إلي المناسبات بأحلي الهدايا لهؤلاء المسنين ويقضون معهم أوقاتا لطيفة للغاية, وعلي الرغم من تلك الصعوبات إلا أن وائل سعيد بعمله جدا لأنه حسب وصفه يستفيد من خبرات هؤلاء الناس فقد تلاطموا مع الحياة, وكما تعرفون كبار السن يحبون الحكاوي وعلينا أن نسمعهم حتي النهاية ونرد بحكايات أخري, مشيرا إلي أن هناك بعض المسنين المصابين بالزهايمر, ولكن نسبتهم لا تتعدي3% مؤكدا أن الدار تحاول اسعادهم في كل المناسبات وليس في الأعياد فقط وأنهم يرتبون برنامجا هذا العيد لإدخال السرور علي قلوبهم. أما راضية يونس إحدي العاملات بالدار وتخدم بها منذ22 عاما فتعبر عن فرحتها ورضاها بمهنتها سائلة الله عز وجل أن يثيبها خيرا, وتقول إن العيد يأتي دائما بالفرح وكعادة المصريين نأكل الكعك مع المسنين والبسكويت ونقضي اليوم معهم ومع زوارهم, وتقول إنها من المحبين لحديث هؤلاء الكبار معتبره ذلك نوع من الفضفضة البناءة.