زعم قيادي الإخوان الهارب، جمال حشمت، أنه يطرح أفكارًا يمكن البناء عليها كمراجعات لسياسات الجماعة بعد 25 يناير 2011، وفي القلب منها تلك التي أديرت بها فترة حكم الرئيس الأسبق، محمد مرسي، ثم فترة ما بعد عزله ونظامه صيف 2013. كتب حشمت عبر نافذة إعلامية موالية للتنظيم، بعضًا من النقاط الحرجة التي تحمل لومًا صريحًا لقيادات الإخوان، منها علي سبيل المثال، ادعاؤه بأنه كان ضد »خوض التنظيم للاستحقاق الرئاسي الذي كان يحتاج إلي مزيد من الحوار داخل التنظيم»، فضلًا عن رفضه »اعتماد سياسة الحشد في الرد علي المناوئين، والتي مثلت خطورة لعدم وضعها في إطار رؤية متكاملة تتعاون فيها الأدوات للوصول إلي هدف محدد»، قبل أن يقر بسيادة »إحساس غريب كان مبالغاً فيه لدي أغلب قواعد الإخوان بعد الثورة (يناير) بأن هذا بداية التمكين، بل شعر البعض أنه صار بديلاً للحزب الوطني، خاصة بعد انتخابات الرئاسة من حيث السلطة والنفوذ، حيث نتج عن ذلك إشكاليات عدة منها الإحساس بأن الإخوان تحملوا مسؤولية مصر منفردين، وهي مهمة ثقيلة لا يمكن أن يتحملها فصيل أو حزب أو جماعة وحدهم أبداً». القيادي الإخواني الهارب كتب كذلك منتقدًا ذلك »التحالف الذي كان جري مع السلفيين »الذين لم يحدثوا أي مراجعات في فتاواهم التي حرمت العمل السياسي، ودخول الانتخابات ودخول البرلمان، ومارسوا كل ذلك من دون مراجعة، في انتهازية غريبة». في النقطة الأخيرة، يبدو الكلام مسرحيًا بامتياز، وكأن حشمت يريد أن يوحي بأن السلفيين وحدهم انتهازيون، متجاهلًا أن فقه التقية والانتهازية السياسية والدينية واللعب علي مختلف الأحبال، إنما هو ماركة إخوانية مسجلة. ثم واصل حشمت الأداء المسرحي بختام كلامه بالإشارة إلي أنه يستهدف منه فتح أبواب أخري »لسلامة الصدور وتنقية النفوس ومعرفة الأخطاء لتداركها، والأخذ بمقتضي الأسباب». البعض، ومنهم الباحث في الحركات الإسلامية والجهادية، ماهر فرغلي، أوّل العبارة الأخيرة بكلام حشمت، باعتبارها موجهة للداخل الإخواني، في إطار المساعي التي تقودها أطراف عدة كالقيادات التي كانت في السابق محسوبة علي التيار الإصلاحي، ومنها حشمت نفسه، أو قامات إخوانية ذات ثقل، كيوسف القرضاوي، من أجل لم شمل التنظيم ووقف تداعيات التشرذم والانقسام بين فريقين متناحرين، الأول وهو المسيطر ماديًا وإداريًا إلي حد كبير تحت قيادة محمود عزت، والثاني المعروف بالفريق الكمالي، نسبة إلي قيادي الجماعة المقتول في مواجهة مسلحة مع الأمن قبل أشهر قليلة، محمد كمال، والذي ينتمي إليه الكثير من القواعد الشابة والوسيطة، ولا يري سبيلاً لاستعادة السلطة إلا المواجهة العنيفة والدامية مع الدولة. غير أن قراءة مغايرة لأحمد بان، استنادًا لخبرته ككادر إخواني سابق، تري في كلام حشمت، رسالة تتعدي في هدفها حدود التنظيم، بل ويجزم بأنها موجهة للدولة، ومفادها أن أجنحة في الجماعة تريد الاعتراف بأخطائها ولو بالتقية ومن ثم الإقرار بالهزيمة وطلب المصالحة مع الدولة.. بان يقصد جناح عزت علي وجه التحديد. وفق تلك الرؤية، فإن الجماعة تبحث عن اختلاق مناخات وظروف تتمكن من خلالها من دفع الدولة، أو علي الأقل تشجيعها، علي التعاطي الإيجابي مع الجماعة، وبخاصة أن الوقت الآن ربما يكون الأكثر مناسبة في هذا الشأن. فمن البديهيات التعامل مع 2017 من جانب القوي المناوئة للسلطة، وبخاصة تلك التي تمتلك اتصالات ودعماً خارجياً كالإخوان، باعتباره عام المساومات. عمليًا، هو العام الأخير تقريبًا في الولاية الأولي للرئيس عبد الفتاح السيسي، علي اعتبار أن 2018 يختص فقط بشهور ستة من الفترة الرئاسية الحالية، وعليه من الواقعي، بل والمتعارف عليه، أن تتصاعد الضغوطات علي النظام ورأسه، إما لإثارة مزيد من العراقيل، بما يؤدي إلي هدر فرص استمراره في مدة جديدة، أو علي الأقل مساومته لنيل مكاسب تحت وطأة ابتزازه بتهييج الشارع بتحركات غاضبة ترفع شعارات اقتصادية وسياسية علي حد سواء، أو حتي بالإرهاب. في النقطة الأخيرة، لا يجب إغفال أن للإخوان، ورغم تبرؤات القيادة، العديد من اللجان النوعية المسلحة والنشطة، أشهرها حسم ولواء الثورة، ناهيك بالخطر الداعشي الظاهر في سيناء وغيرها، وهو ما يتواكب مع هزات معيشية صعبة ومؤلمة تجتاح المصريين جراء الإجراءات الاقتصادية الضاغطة التي اتخذتها الحكومة في الفترة الأخيرة، من تحرير سعر الجنيه وتعويمه وارتفاع الدولار وما ترتب عليه من غلاء مريع لأسعار، ساهم فيه كذلك رفع الدعم بنسب معتبرة عن أسعار الوقود والخدمات الاعتيادية كالكهرباء والغاز وما شابه. بمعني، أنه نظريًا الشارع في لحظة تحتمل ألا يبقي هادئًا.. وبالنسبة لجناح متربص، هو بالأساس لا يألو جهدًا للانقضاض علي السلطة، ومن ثم وحين تقترب الساعات الحرجة، كنهاية ولاية رئاسية والاستعداد لبدء أخري، فإن تحركاته ستزداد شراسة وسرعة وكثافة، بحثًا عن مكاسب أو أطواق نجاة. الإخوان يدركون ذلك الوضع الدقيق أكثر من غيرهم في كل الأحوال، بل ربما يعتبرونه إما موسم الحصاد، أو لحظة الهزيمة النهائية، وعليه لن يتم تفويته من جانبهم دون تحرك جاد، إما لعقد صفقة يتطلعون إليها مع السلطة ولو بالاعتذار والاعتراف بالأخطاء، أو للعمل علي زلزلة الأرض من تحت أقدامها لعلها تسقط، ليصعدوا هم مجددًا إلي سدة الحكم. لكن الطبيعة العابرة للحدود والمهدرة لسيادات الدول الوطنية بالنسبة للإخوان وتنظيمهم المحلي/ الدولي، لن تتحرك في أي اتجاه، دون أن تضع نصب عينيها إشارات القوي الغربية تجاه حكم الرئيس السيسي. غير أن المساومة الإخوانية وحتي الآن، وبناءً علي حسابات الفشل التنظيمي علي الأرض، وجراء ما ترتب من ارتباط الجماعة، أو علي الأقل أجنحة منها، في عجلة التصعيد العنيف والمسلح، دعمًا أو بإسهامات أصيلة علي الأرض، تظل في إطار البحث عن صفقة. الجماعة وعبر رؤوسها الكبار لاتزال تتحدث عن اتصالات من قبل النظام للمصالحة معهم.. قالها يوسف ندا العام الماضي، وكررها إبراهيم منير هذا العام، والأقرب أن التنظيم ورجاله هم من يحاولون الاتصال، ولو عبر وسطاء علي طريقة سعد الدين إبراهيم، وفي عقليتهم التودد من جهة؛ ومن جهة أخري محاولة الترهيب بحرق الشارع والسير في معية النهج الغربي المناوئ.. ولكن لا مانع أن يتم تغليف ذلك بحديث عن مراجعات واعتراف بالأخطاء تنضح بسم التقية والانتهازية لبث الطمأنة والتحفيز، علي طريقة ما كتبه حشمت وتم الإشارة إليه أعلاه.