تدريبات الإخوان فى اعتصام رابعة .. ليس تحولًا في موقف الإخوان، الأمر يرتبط أولًا وأخيرًا ببرجماتية التنظيم التاريخية، والتي تصبح في معظم الأحيان، وعلي وقع الرغبة في حصد أكبر قدر ممكن من المكاسب، انتهازية فجة.. ومن ثم فإن القبول المفاجئ "ظاهريًا" من جانب قادة الجماعة للتعاون مع لجنة تقصي حقائق 30 يونيو، والصادر قرار جمهوري بتشكيلها، برئاسة الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض، بشأن فض اعتصامي رابعة والنهضة، بكل ما يحمله ذلك من اعتراف ضمني بمؤسسات ما بعد الإطاحة بحكم محمد مرسي والأهل والعشيرة، إنما يؤشر إلي أن صناع القرار بمكتب الإرشاد، سواء القابعين في السجن، أو أولئك الهاربين في الخارج، قد رفعوا الراية البيضاء في مواجهة السلطة، بل وعادوا إلي سيرتهم القديمة، بمحاولة البحث عن نافذة سياسية للظهور في قلب المشهد العام بمصر ولو بالانبطاح والركوع أمام الدولة، وعليه فإن كل شيء يهون من أجل اقتناص أي مقعد بمجلس النواب المقبل ولم يكن الإخوان، علي أية حالة، سيلجأون لمغازلة الدولة بقبول التعامل مع اللجنة، علي أمل الوصول إلي البرلمان الجديد، إلا بعد تحقق ثلاثة شروط أساسية، لعل أولها انتصار فريق البرجماتيين ودعاة السياسة والانتخابات من قادة الجماعة، علي فريق التصعيد والتهييج وحرق الشارع، أو علي الأقل، وكما يقول الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، هشام النجار، بالتوافق بين الفريقين علي التوازي في التحرك: الساسة يبحثون عن مكان في خريطة العمل العام الشرعي، وما تبقي من التنظيم علي الأرض يواصل تحركاته المثيرة للعنف للضغط لصالح أنصار فكرة خوض الانتخابات. وفق النجار، فقد ساهم الإنهاك البادي علي التنظيم جراء الضربات الأمنية الموجعة والمفرطة في العنف تارة، والعزل التام له علي وقع كره شعبي غير مسبوق وحظر قضائي بات تارة أخري، في ترجيح كفة فريق السياسة في الإخوان، ولو أهدر ذلك مظلومية ودماء شبابهم في رابعة. الشرط الثاني، أن تكون هناك إشارات من السلطة لإمكانية عودة أصحاب الأيادي غير الملطخة بالدماء أو غير المتورطة في تطرف أو إرهاب من الإخوان إلي العمل السياسي، ولكن وفق قواعد الدولة، وبحسب رؤيتها، ومن دون أي تنازلات كبيرة من جانبها، إلا بما يخدم صورتها خارجيًا، حسب ما يشير نائب المرشد السابق محمد حبيب.. الرئيس نفسه، وهو رأس الدولة، ومن خلفه المسئولون كافة، قطعوا غير مرة أنه لا مكان للإخوان وإرهابهم وفكرهم، إلا أنهم لم يغلقوا الباب أمام من لم يرتكب جرائم في ممارسة حقوقه الدستورية والقانونية، علي أرضية الدولة الوطنية. تلك نقطة مشجعة للبراجماتيين والانتهازيين داخل التنظيم. بينما تكشف معلومات مسربة من داخل التنظيم أن إفراجات كبيرة تمت في الفترة الأخيرة للعشرات من أعضائه وخاصة في المحافظات، ما يمكن اعتباره بادرة حسن نية من جانب السلطة تجاه الجماعة، لعلها تعود لعقلها. يقول مصدر قريب من الإخوان مقيم في تركيا ل"آخر ساعة"، إن "الجماعة تفتش عن عودة وفق نهجها التقليدي.. تماس مع السلطة في الكواليس يسمح لها بالتواجد في البرلمان، ووجه معارض زائف في الإعلام.. يبدو أنها نالت فرصة لذلك من جانب أولي الأمر في الدولة، وقد يكون الأمر تم عبر وسيط، أو حتي من دون ترتيب، وربما كان إعلان أمين عام التنظيم الهارب، محمود حسين، قبل أسبوعين، أنه لا مصالحات مع الدولة، ما هو إلا خطوة مبكرة لتبيض الوجه، واستباق استعراضي للحرائق المتوقعة داخل التنظيم علي خلفية غضب الشباب والقواعد من العودة للتعاون مع الدولة والاعتراف بمؤسساتها، ولا عزاء لضحايا رابعة".. أما الشرط الثالث اللازم لتحقق عودة الجماعة إلي مربع السياسة، بعد أكثر من عام من التصعيد والتحريض في الداخل والخارج، هو الحصول علي ضوء أخضر من حلفاء الخارج، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية.. براجماتية بروكسلوواشنطن تريد الإخوان في مجلس النواب المقبل، ولو رمزياً، بأي ثمن. تريد لهم شرعية سياسية تتيح الاتصال بهم في العلن ودون معوقات، وطالما أن القادة في السجن، وطالما أن أكثرهم لن يخرج قريباً علي خلفية تورطه في جرائم عدة، فلا ضياع للوقت مع كروت محروقة. التفاهم سيكون مع أي قيادة متاحة خارج السجن في مصر، فضلاً عن كوادر التنظيم الدولي المنتشرين حول العالم. واشنطنوبروكسل يريدان الجماعة، كما هي، جاذبة للتكفيريين كافة، متحكمة في تحركاتهم، بمنطقة تعوم علي براميل بارود علي طول الخط، وعليه فإن وجودها في المشهد المصري مفيد، ولا يجب تضييعه تحت أي ظرف.. "التواجد علي الساحة هو شرط الغطاء الأمريكي والأوروبي للتنظيم".. هكذا يقطع بحسم الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، نبيل عبد الفتاح. المسئول الأعلي عن السياسة الأمنية والخارجية بالاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، التي غادرت منصبها مؤخرًا، قالتها صراحة في بيانها لتهنئة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالفوز بالرئاسة: ضرورة دمج جميع التيارات التي لم تتورط في عنف في العملية السياسية، بما فيها الانتخابات البرلمانية.. الغرب المسير أمريكياً يريد أي إخواني في أول مجلس نواب في عهد السيسي.. ضغط قبلًا ويضغط الآن علي القاهرة من أجل ذلك الهدف، ومن أجل أن يتراجع الرئيس عن تعهده السابق بأن عهده لن يشهد أي تواجد للتنظيم الإخواني أو لأفكاره المتطرفة. إذن أي حديث من جانب الإخوان، أو تحالفهم لدعم الشرعية، أو عن ما يسمي إعلان بروكسل، أو حتي إعلان القاهرة ومجلس اسطنبول الثوري للتنسيق مع القوي الوطنية، والذي تقف خلف بعضه أسماء إخوانية الهوي وفي مقدمتهم الدكتور سيف عبد الفتاح والدكتور حسن نافعة، عن موقفهم من الانتخابات البرلمانية المقبلة، سواء بالمشاركة أو المقاطعة، ما هي إلا تمهيدات وتهيئة للأجواء، انتظاراً لما سيسفر عنه تفاهمات الكواليس بين بروكسلوالقاهرة بشأن مستقبل الجماعة من جانب، وبين النظام وممثلي التنظيم من جانب آخر. في النقطة الأخيرة تحديدًا كلما زاد تعاطي الجماعة مع مؤسسات الدولة، علي طريقة الإدلاء بشهادات للجنة 30 يونيو، وكلما تخلي التنظيم عن شعارات عودة المعزول وشرعيته الزائفة، وساروا أكثر في طريق الاعتراف بالسلطة القائمة، كانت العودة أسرع للمشهد السياسي. لكن يبقي السؤال.. هل لدي الإخوان المنهارين حركياً وسياسياً، المقيد قضائيًا، إمكانيات وكوادر يمكن أن ينافسوا بها في الاستحقاق النيابي المرتقب؟ الخطة الإخوانية للانتخابات البرلمانية، والتي رُصدت لها من جانب الكارتلات المالية للتنظيم بالخارج، ميزانيات ضخمة بالعملة الخضراء، ستنتهج أسلوب التقية والتستر، بحيث يتم الدفع بأعضاء غير معروفين من التنظيم، سيخفون انتماءهم للرأي العام، علي قوائم أحزاب وتحالفات لا تتصدرها الجماعة أو حزبها المنحل (الحرية والعدالة)، وإن كان الأخير سيشارك رمزياً ببعض أعضائه لتأكيد شرعيته علي الأرض من جانب، ومن جانب آخر لتجميع أكبر قدر ممكن من الدفوع القانوينة بشأن أحقيته في العمل العام، ولإجهاض حظره قضائياً. الأحزاب إخوانية الجذور، ك(مصر القوية) و(الوسط)، فضلاً عن بعض الأحزاب السلفية أوالجهادية، كحزب الجماعة الإسلامية، (البناء والتنمية)، أو حزب تنظيم الجهاد، (الحزب الإسلامي)، وكذا حزبي (الفضيلة) و(الوطن) السلفيين، ستكون في مقدمة الواجهات التي سيستخدمها التنظيم لتمرير أعضائه السريين لقوائم الانتخابات. القيادي الجهادي، صبرة القاسمي، يري أن انسحاب الوسط والوطن من تحالف دعم الشرعية، مجرد تمثيلية إخوانية من أجل التستر خلفهما في معركة البرلمان المقبلة. يأتي هذا، بينما تركز الجماعة أيضًا علي تشكيل تحالفات، تدفع بقوائم انتخابية تحت شعارات ثورية ومستقلة، لا علاقة لها بالأحزاب. التنظيم سيستخدم في تلك الحالة الخطوط العريضة المشتركة في عداء الأمن بينه وبين بعض التيارات الشبابية، التي لديها ثأر مع تراث الدولة البوليسية، ومع إجراءات الحد من الحرية، كقانون التظاهر مثلًا، من أجل تشجيع كيانات بعينها ك(6 أبريل) و(الاشتراكين الثوريين) و(طريق الثورة) وما شابه، علي الاشتراك في المنافسة في الانتخابات عبر نوافذ موحدة مع أعضاء الإخوان المستترين. الجماعة ترتكن في جزئية كوادر المنافسة إلي قيادات الصف الثالث والرابع، وغالبية رموزها غير معروفين أو مطروحين إعلامياً، بينما لم تمتد يد الأمن لأغلبهم، علي أمل أن تمكنها بعض تلك الكوادر من اقتطاع جزء ولو بسيط للغاية من كعكة البرلمان.. غير أنها تتخوف من قلة خبرة قادة الصفوف المتأخرة فيها، فضلاً عن معضلة اهتزاز ثقة الناس لدرجة كبيرة للغاية في كافة التيارات الإسلامية والسلفية، التي يمكن أن تتستر بقوائمها وشعاراتها في معركة الصندوق. لكن دعاة الانتخابات داخل التنظيم، وضعوا خطة بديلة تعتمد علي الأحزاب المدنية الهلامية فاقدة التأثير، والتي قد يزيد عددها عن 80 حزباً.. الجماعة، ورغم كل الضربات لمصادر تمويلها يمكنها شراء نصف تلك الأحزاب (تماما كنظيرتها الإسلامية) علي الأقل، من أجل تمرير نواب محسوبين عليها عبر تلك الواجهات الكارتونية. إن إصرار التنظيم علي خوض انتخابات، مجلس النواب هذه المرة، ورغم الحرائق التي سيثيرها هذا القرار بين قواعد الجماعة، جراء الموافقة علي التعامل مع نظام سياسي سبق أن تم تخوينه وتكفيره وإخراجه من الملة، لن يكون مرتبطاً بنهم الاقتراب من دوائر السلطة، تمهيداً للقفز عليها فقط، وإنما سيكون نزولاً علي الرغبة الأمريكية والأوروبية، وسيتماس بالأحري مع الرغبة في اكتساب شرعية سياسية جديدة، تغسل يد التنظيم من الجرائم التي تعيده للمشهد من الباب الضيق.