لم تكن صدفة أن تقصف إسرائيل مطار المزة السوري في قلب العاصمة السورية دمشق، ولم تكن صدفة أن تبدأ حملة لهدم منازل الفلسطينيين ليس في الأراضي المحتلة فقط بل وداخل الخط الأخضر، الذي تعتبره إسرائيل أرضا إسرائيلية خالصة، ولم تكن صدفة أن ترفض إسرائيل الذهاب لمؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط، بل وتصفه بأنه مؤامرة فلسطينية ضدها! أيضاً لم تكن صدفة أن تفعل إسرائيل كل ذلك مع انعقاد مؤتمر السلام في سوريا في »الأستانا» عاصمة كازاخستان وبرعاية روسية، وأخيرا لم تكن صدفة أن توجه إسرائيل كل تلك الرسائل مع تأهب ترامب لدخول البيت الأبيض خلفا لأوباما الذي أيد إسرائيل علي »طول الخط». ومنذ أيام، أطلق الطيران الإسرائيلي عدة صواريخ من شمال بحيرة طبرية سقطت في محيط مطار المزة في العاصمة السورية دمشق، واعتمدت إسرائيل في تنفيذها للعملية علي طائرات »إف35»، وهي الطائرات التي حصلت عليها مؤخرا من أمريكا كأول دولة في المنطقة والعالم تحصل عليها من خارج أمريكا ذاتها، وكان الهدف المعلن من هذه العملية - كما تقول صحيفة »الجارديان» البريطانية تقديم إسرائيل الدعم لمسلحي المعارضة السورية لإضعاف القدرة العسكرية للجيش النظامي السوري، إضافة إلي أن القصف وبهذه الدقة والسرعة التي احتاجت عبور المجال الجوي اللبناني دون توقف للتزود بالوقود ولو حتي في الجو، كان تجربة هامة ومفيدة للطائرات الجديدة كأول مهمة قتالية لها خارج إسرائيل، ويضاف لذلك بالطبع أن مطار المزة يعد مطارا رئيسيا للنظام السوري باحتوائه علي كميات هائلة من الذخائر والسلاح خاصة الروسي الحديث، كما أنه مركز لتجميع القوات والطائرات السورية والروسية قبل شنها لهجماتها علي قوات المعارضة المسلحة سواء في ريف دمشق أو في بلدة »بردي».. وأضف لذلك كله أن إسرائيل أرادت - كما تقول صحيفة »واشنطن بوست» الأمريكية أن تبعث رسالة واضحة لكل الأطراف المعنية بالأزمة السورية بأنها مازالت تملك أوراقا للضغط وكروتا للإرهاب ليس للنظام السوري فقط بل ولحلفائه من الروس وإيران وحزب الله الشيعي اللبناني إضافة لتركيا، وبأنها لابد أن تكون طرفا في أي تسوية قادمة خاصة مع انعقاد مؤتمر في الأستانا في كازاخستان لتسوية الأزمة وبرعاية روسية تركية أساسية وبعيدا عن تدخل العم سام أو حلفائه الأوربيين. أيضا واصلت إسرائيل وفي ذات التوقيت الحرج مع دخول ترامب للبيت الأبيض، سياسة هدم منازل الفلسطينيين لكن داخل الخط الأخضر الذي يعد عمليا وواقعيا جزءا من أراضي إسرائيل.. وتعد إسرائيل تلك الخطوة رسالة للفلسطينيين أولا بعودة سياسة هدم المنازل كوسيلة للعقاب، وهي السياسة التي اتبعتها منذ عام 1967، وكان هدفها المعلن في ذلك هو هدم منازل المنفذين للعمليات الاستشهادية أو عمليات الدهس للجنود الإسرائيليين، وهدم منازل أقاربهم، رغم أن لجنة إسرائيلية كما تقول صحيفة الجيروليزيم بوست الإسرائيلية أوصت منذ نحو 11عاما، بالتوقف عن مثل تلك الممارسات. وتريد إسرائيل من تلك الممارسات التي عادت بقوة خلال الأيام القليلة الماضية، أن ترسل رسائل هامة لكل من: الفرنسيين الذين تبنوا عقد مؤتمر دولي للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين في العاصمة باريس وبمباركة دولية أمريكية وعربية وفلسطينية، ورفض إسرائيلي تام بل ووصل الأمر لوصف المؤتمر بأنه مؤامرة فلسطينية ضدها وبمباركة دولية علي رأسها فرنسا. ويتزامن كل ذلك.. مع دخول ترامب للبيت الأبيض والذي تعده إسرائيل حليفا قويا محتملا لها، وقد سبق له أن صرح بأنه يحث إسرائيل علي التماسك والصمود أمام الموقف الدولي تجاه المستوطنات، وحتي يتولي منصبه رسميا في يناير الحالي، وكتب علي تويتر »ابقوا أقوياء» في إشارة لإسرائيل ورد نتنياهو عليه بقوله: شكرا علي صداقتك الدافئة ودعمك الحاسم لإسرائيل، ورغم أن ترامب كان قد أعلن بأنه سيتخذ موقفا محايدا تجاه القضية الفلسطينية، ولكن كل خطاباته كانت منحازة تماما لإسرائيل. بينما يري سياسيون إسرائيليون، أن ترامب أكثر ميلا للفلسطينيين ولحقهم في إقامة دولتهم المستقلة، وبأنه يؤيد »حل الدولتين»، وبأنه يؤمن بأن أمريكا يجب أن تعود قوية، ويكون لها دور هام في الأزمة الفلسطينية، وسيسعي لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي يحتاج مهلة 6شهور فقط.. وأن ينجز وبقوة في هذا الملف ليحقق عدة أهداف أن: يحتفظ بعلاقات قوية واستراتيجية مع إسرائيل، مع علاقات قوية مع دول عربية فاعلة: مصر والسعودية، ووجود أمريكي بالمنطقة في مواجهة طموحات الدب الروسي.