موقعة الجمل بينما يشتد صراع القوي السياسية بين أنصار الدستور أولا ومؤيدي الانتخابات أولا، وفي الوقت الذي يحشد فيه كل طرف جل طاقته لسوق المبررات القانونية التي تدحض حجج الطرف الآخر وتثبت صحة أسانيده.. وبينما يستنزف هذا الجدل النظري طاقة وجهد هذه القوي.. نجد علي الجانب الآخر تحرك عملي من فلول الحزب الوطني في محاولة للتسلل إلي صدارة المشهد.. وفي خطوة لايمكن تجاهلها لوضع قدم علي الساحة السياسية.. تسلل في غاية الخبث.. دقيق ومحسوب انتهازي.. يدرك أصحابه تماما ألاعيب وحيل اللعبة الانتخابية.. لهم باع طويل بحيلها وأدواتها غير الشرعية التي يتقنون تماما استخدامها.. حواة مهرة.. تمرسوا علي اللعب بألف بيضة وحجر ليخرجوا بأكبر مكاسب ممكنة.. وزعوا أدوارهم بين مختف في الجحور ومن آثر الانحناء لعاصفة التغيير الثوري الرافض لوجودهم. ابتلعوا اللعنات في صمت بينما فضل آخرون من نفس فصائلهم إشعال فتيل الثورة المضادة قاموا بالتخريب وإطلاق حملات الفزع ومؤامرات الفتن.. شجعوا البلطجية علي نشر الفوضي.. عملوا كل مافي وسعهم لوأد الثورة وإجهاضها. تعددت الأساليب وهدف الفلول واحد.. ما إن تتكشف إحدي أوراقهم وتحرقها فطنة وذكاء الشعب الثائر علي مخططاتهم حتي يتفننوا في إظهار ورقة أخري.. كجراب الحاوي الخبيث لاتكف حيلهم.. وإن كانت بالقطع لاتبهرنا بل تزيدنا نفورا واشمئزازا من أقطاب وأعضاء هذا الحزب الفاسد والمنحل خلقيا وحزبيا. آخر هذه الألاعيب وأخطرها هو تكريس الجهود لجمع توكيلات من أكبر عدد من المواطنين تحت ستار تأسيس أحزاب جديدة.. ولأن الزمار يموت ولاتكف يده عن العبث لجأ هؤلاء للرشاوي الانتخابية.. 005 جنيه مقابل كل توكيل يحرر.. لتبدأ أول قصائد الفلول الانتخابية كفرا بالثورة وضربا بمبادئها وتضع بجريمتها هذه أول بذور الفساد الذي قامت الثورة لاقتلاعه من جذوره. تحرك الفلول المقزز يجعلنا نثمن توصية مؤتمر الوفاق الوطني الخاصة بحرمان قيادات الحزب الوطني ومرشحيه من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات، ويقضي ذلك منعهم من الترشح سواء للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو حتي النقابية والعمالية، فضلا عن حرمانهم من تأسيس أحزاب جديدة أو الانضمام لأي حزب قائم.. بالرغم من اعتراض البعض علي هذه التوصية ورفض مبدأ إقصاء أي قوي سياسية وعزلها إلا في حالة التيقن من تورطها في قضايا فساد أو قضايا تزوير للانتخابات. ومع احترامي وتقديري لوجهة النظر هذه إلا أن تسامحها في رأيي يبدو في غير محله وأكثر كثيرا من اللازم ولا يتناسب مع حجم الفساد والتخريب والتجريف السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ارتكبه الحزب الوطني في حق مصر.. ومن ثم يصبح إقصاء كل أعضائه من المشهد السياسي علي الأقل لمدة خمس سنوات هو الجزاء العادل. يجب أن يختفي هؤلاء جميعا من المشهد الآن علي الأقل حتي نطمئن لنجاح الثورة.. وحتي نضع أولي دعائم مصر الجديدة التي قامت الثورة من أجلها.. وفي رأيي أنه من الصعب علينا تحقيق ذلك في ظل وجود هؤلاء المتورطين في إفساد حياتنا بكل صورها.. خاصة أن أيدي هؤلاء لا تكف عن العبث حتي الآن.. وهاهي جرائم الرشوة الانتخابية أكبر دليل علي أن سوء الظن بكل قيادات الحزب وأعضائه من حسن فطن الخائفين علي الثورة.. مازلت أري أن رُب ضارة نافعة وقد يأتي تحرك الفلول المشبوه لجمع التوقيعات بالرشاوي والتحايل والألاعيب لتكون حرب إنذار لجميع القوي السياسية للخروج من دوامة الجدل الذي طال أكثر من اللازم.. وليكن دافعا لهذه القوي للإسراع بالبحث عن حل توافقي يرضي جميع الأطراف.. يقنع المطالبين بالدستور أولا ويطمئن المنادين بالانتخابات أولا.. فيتكاتف الجميع لعبور هذه الأزمة والتقدم بخطوة أكثر ثباتا وفاعلية نحو بناء الدولة الديمقراطية التي نأملها جميعا. علي الجميع أن يدرك أن الخطر مازال قائما وأنه آن الأوان لتوحيد القوي وعودتها للالتحاق والالتفاف حول الهدف الأهم وإنجاز المهمة الأعظم.. يجب أن تتوقف حدة الخلافات ولا ننشغل كثيرا بالاختلافات فننشغل عن الهدف.. يجب أن نتجاوز خلافات الرؤي والايديولوجيات فنفتح الباب لأن تتحول خلافاتنا إلي صراع لاتحمد عقباه مازلنا في بداية الطريق لانملك رفاهية الجدل العقيم الذي لن يضيف إلينا كثيرا بل العكس سيخصم من إنجازاتنا ويرجعنا خطوات إلي الخلف.. وعندها ستكون الخسارة في انتظار الجميع.. علينا أن نتنبه إلي أن الحزب الفاسد وفلوله مازالت ألاعيبهم ومخططاتهم مستمرة للقفز علي المشهد.. ووضع حد لتلك المؤامرات لايكون إلا من خلال رؤية توافقية حول القضايا الخلافية تكون بمثابة ميثاق شرف يلتزم به الجميع ويكون ضمانا لعدم التفاف أي قوي عليه مهما كانت قوتها أو سطوتها.. بدون ذلك لن يُكتب لثورتنا النجاح وسنفتح الباب علي مصراعيه لعودة الحزب الفاسد ووقتها لا تلوم أي من القوي السياسية إلا نفسها.