بين معجزة صنعناها وبهرت العالم أجمع.. وبين لغم يهدد ما صنعناه نتخبط بين الحيرة والأمل.. يتزايد خوفنا علي ثورتنا الوليدة خاصة في ظل أداء حكومي باهت متعثر غير مبشر بالخير من ناحية.. وخطوات من المجلس العسكري لا تبدو منسجمة في كثير من الأحيان مع النبض الثوري.. ما يحدث يحتاج منا إلي وقفة متأنية لنعرف كيف يمكن لنا اجتياز ما نحن فيه؟! كيف تمر تلك الموجة الصعبة بسلام؟! كيف نطمئن إلي أننا نسير في الطريق الصحيح لتحقيق أهداف الثورة؟! من هنا يكتسب الحوار مع شخصية بحجم وثقل عبدالخالق فاروق أهمية كبيرة.. فهو ليس فقط خبيرا اقتصاديا له وزنه لكنه أيضا صاحب رؤية سياسية متعمقة والأهم ذلك الحس الوطني الثوري الذي يجعله دائما لا يعبأ في مواجهة الطوفان.. لم يتورع في كشف عورات النظام الفاسد في عز قوته.. لم يرهبه سيف المعز ولم يبهره ذهبه.. دفع الثمن كغيره من الشرفاء لكنه قدمه عن طيب خاطر.. وأمام خبرته وصيته يظل التساؤل حائرا.. لماذا لا يتم الاستفادة من تلك الكوادر المتميزة ولماذا تتوه عنها بوصلة الحكومة المتوجهة دائما نحو اختيار ما هو أسوأ؟! ❊ نبدأ سلسلة التساؤلات الغامضة لنطرحها تباعا علي الخبير الاقتصادي والسياسي عبدالخالق فاروق أولها عن ذلك التضارب الذي شاب الأرقام والتصريحات الخاصة بالوضع الاقتصادي بين نذر مهددة بإفلاس وشيك وأخري واعدة مبشرة بتدفق استثمارات قريب.. فأيهما نصدق وما حقيقة وضعنا الاقتصادي الآن؟! في هذه القضية تحديدا يجب أن ندرك جميعا أن الحكومة ووزير المالية خاصة أطلقت فزاعة الخوف من الوضع الاقتصادي والغريب أن من أطلق هذه الفزاعة هو نفسه من عاد بعد ذلك ليؤكد أن الوضع الاقتصادي مطمئن وواعد، ولم يحدث ذلك نتيجة للوعود التي قدمها الاتحاد الأوروبي وأمريكا وبعض دول الخليج لتقديم مساعدات إلي مصر.. فهذه المساعدات لم تصبح بعد جزءا من الرصيد الذي يمكن الاعتماد عليه عند تقييمنا للوضع الاقتصادي. وفي رأيي أن إثارة هذه الفزاعة الاقتصادية كانت بهدف تحقيق عدة أغراض، الأول إثارة درجة المخاوف لدي المتظاهرين لدفعهم عن التوقف عن المطالب. وثانيا تهديد بعض الأطراف من أنه قد آن الأوان لاستخدام درجة من درجات الغلظة إن لم يكن العنف أمام التحركات الجماهيرية بحجة إنقاذ مصر. وثالثا هي رسالة للخارج سواء لأطراف عربية أو غربية من أن مصر في حاجة لدعم اقتصادي سريع. ❊ وإلي أي مدي تحقق أي من هذه الأهداف؟! لم يتحقق منها شيء.. وحتي الآن لم تخرج المساعدات التي وعدتنا بها الدول الأخري عن مجرد وعود. والمؤسف أنها أظهرتنا علي تلك الحالة من الاستجداء.. وكان من الممكن أن نصل لكل أهدافنا دون اللجوء إلي الفزاعة الاقتصادية إذا ما استثمرنا حالة الإلهام والإعجاب الدولية بالتطور الديمقراطي الذي أحدثه تفجر الثورة السلمية.. هذه الحالة كانت ستترجم نفسها تلقائيا في رغبة من الأطراف الأخري لتوفير قدر من الاستقرار الاقتصادي ضمانا لاستمرار علاقاتها القوية السياسية والدبلوماسية بمصر من ناحية ورغبة منها في ضمان احتواء الثورة المصرية لتظل في الحدود التي لا تمثل تهديدا لمصالحها. وأيضا لضمان الحفاظ علي العلاقات بين النظام المصري الجديد وبين إسرائيل. ❊ وهنا بالطبع مربط الفرس فلا شك أن هناك استحقاقات يتعين علي مصر تقديمها مقابل هذه المساعدات؟! بالطبع وسوف يأتي موعد استحقاق هذه المساعدات ليجري ربطها بشروط متعلقة بالاستمرار في اتفاقية الكويز وكذلك استمرار ضخ الغاز لإسرائيل والتنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل. ما أريد أن أصل إليه هنا أن رغبة الغرب خاصة الولاياتالمتحدة في مساعدة مصر الآن هي رغبة ملحة ولا حاجة لإثارة المخاوف الاقتصادية لدفع أي طرف لتقديم مساعدات لمصر لأنه يضعها في دائرة التسول فيضعف من قدرتها التفاوضية أمام هذه الأطراف. ❊ وماذا عن المساعدات العربية؟! لدي الدول العربية مخاوف كثيرة بعد نجاح الثورة المصرية، تتعلق بحدوث تغير في السياسة المصرية في اتجاه تصحيح بعض الأوضاع الإقليمية تحديدا إعادة النظر في علاقاتها مع إيران والمقاومة الفلسطينية وهو ما يشكل عنصرا يثير قلقا لدي الدول الخليجية. وهو ما يظهر في رغبة ملحة لحماية نظام مبارك لكل ما يمثله من فساد لأنهم شركاؤه ومازال جزء كبير من أموال مبارك وعائلته ورجاله المقربين لا يقل عن 200 شخص موجوداً في شكل ودائع مصرفية وشراكة مالية في دبي وأبوظبي والكويت والسعودية، وبالتالي فهذه الدول حريصة بشكل أو بآخر علي ضمان حماية مبارك لأنها تشاركه فيما نطلق عليه خندق الاعتلال وليس الاعتدال العربي. ويجب ألا نغفل كذلك أن كثيرا من هذه الدول تسعي لاحتواء الثورة حتي لا يمتد تأثيرها إلي شعوبها ومن هنا يمكن تفسير تقديمها للمساعدات علي أنه رسالة إلي الداخل لتظهر مصر علي أنها علي وشك الانهيار الاقتصادي ومن ثم تستبعد أحلام الشعوب من تكرار الثورة المصرية.. فلا تكون مثلا للاحتذاء. ❊ معني كلامك أن المساعدات التي تدفقت فجأة تحمل في جعبتها ألغاما تفوق ما حملته من وعود مثيرة؟! بالطبع وفي رأيي أن الفزاعة الاقتصادية التي أطلقها وزير المالية لاستجداء المساعدات هي خطيئة استراتيجية كبري له ولكل من وافق علي سياسته سواء من الحكومة أو من المجلس العسكري، فاللعب بإثارة المخاوف من انهيار اقتصادي ثم الذهاب للتسول من شأنه وضع مصر في مواجهة سياسات وعناصر لا تهدف إلي تحقيق أي مصلحة لها ولا نغفل أن هنا استحقاقات سياسية في المقابل سيتعين عليها دفعها إن آجلا أم عاجلا وفيها يكمن جوهر الخطيئة. ❊ لكن ألا يمكن تبرير ذلك بصعوبة الوضع الاقتصادي المصري والفترة الحرجة التي نمر بها الآن؟ لسنا في وضع اقتصادي حرج باستثناء بعض القطاعات التي دائما ما تتعرض لذلك بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة التي بدأت من عصر السادات وتعمقت في عهد مبارك. هذه السياسات اعتمدت بشكل كبير علي ما يطلق عليه العناصر الريعية التي تتأثر بأي حدث مهما بلغ صغره، منها السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين من الخارج. ومع ذلك فإذا نظرنا إلي كل عنصر من هذه العناصر نجد أنه لا يثير المخاوف التي يتعمدها البعض، فبالنسبة للسياحة وإن كانت بالفعل قد تأثرت لكنها واعدة في المستقبل بأكثر مما كانت عليه، خاصة أن هناك جزءا كبيرا من إيرادات السياحة كان يصب في صالح جماعة معينة تدير العملية السياحية لتحقيق مكاسب شخصية ضخمة، وتحرم منها الخزانة العامة.. ينطبق نفس الشيء علي إيراد قناة السويس تلك الثروة التي تعرضت للنهب وهو ما دفعني لتقديم بلاغ للنائب العام أطالبه بتشكيل لجنة تحقيق من خبراء في الملاحة وأعمال الإنشاءات والهندسة للكشف عن إيرادات الهيئة وكيفية استخدامها وتقديري أن هناك ما يتراوح ما بين 400 و500مليون جنيه سنويا من إيراداتها تذهب لحساب سري لرئاسة الجمهورية كان يديره الرئيس السابق ومجموعة قليلة من المقربين علي رأسهم زكريا عزمي. هذا الحساب لابد من فتحه ومعرفة ما كان يتم فيه وعلي أي أساس تم تسريب المبالغ إليه. وأعتقد أن وقف النزيف المهدر من إيرادات الهيئة سيصب في النهاية لصالح الاقتصاد المصري. نأتي بعد ذلك لتحويلات المصريين بالخارج فأعتقد أيضا أنها لن تتأثر، بل علي العكس من المتوقع زيادتها خلال الفترة القادمة. خلاصة ذلك أن الاقتصاد المصري موعود بمصادر دخل أعلي ويكفي أنه تخلص من حجم النهب المنظم المقدر بحوالي 70مليار جنيه سنويا مستنزفاً من إيراد الدولة لصالح النظام الفاسد. ❊ كلامك يدفعني لاعتبار إطلاق المخاوف الاقتصادية جريمة في حق الشعب؟! الدكتور عصام شرف بالرغم من إخلاصه ونزاهته لكنه يفتقر للخبرة السياسية ومن ثم أري أنه أصبح عبئا علي الثورة وكذلك حكومته، وهناك من هو أجدر بكثير منه لإدارة البلاد في هذه الفترة الصعبة. فأداء الحكومة الحالية لا يجعلنا نعتبرها بأي حال من الأحوال حكومة ثورة بل علي العكس تماما يقبع داخلها عناصر الثورة المضادة.. فنصف أعضائها علي الأقل منتم للجنة السياسات أو الحزب الوطني أو شلة جمال وعلاء مبارك أو الأجهزة الأمنية.. والدليل علي ذلك أنها تسير علي خطي حكومات مبارك في كل سياساتها خاصة الاقتصادية منها. ❊ هل يزيد من مخاوفك تلك اتجاه مصر لطلب القروض وما يمكن أن يحمله ذلك من شروط طالما عانينا منها كثيرا في السابق؟! بالطبع وعلي الحكومة أن تدرك أننا لسنا متسولين ويمكن الاعتماد علي مواردنا وإعادة تدويرها ونمط تخصيصها واستخداماتها بشكل أفضل ولن نكون بحاجة لطلب المعونة من صندوق النقد الدولي الذي لم يخجل وزير المالية من الأسبوع الأول له في الوزارة من طلب المعونة الفنية من ذلك الصندوق المعروف عنه مساوئه وإقدامه علي دس أنفه في كل صغيرة وكبيرة في اقتصاد الدول التي تلجأ إليه. معني ذلك أن نظل أسري الارتباط بالسياسات الاقتصادية العقيمة والفاسدة المتمثلة في استمرار الخصخصة وبيع شركات القطاع العام التي يطلق عليها خطأ سياسة الاصلاح الاقتصادي كما يفهمها البنك الدولي. كل هذه المخاطر يمكن تجنبها إذا ما استعنا بمجموعة من الخبراء الوطنيين المخلصين لإدارة شئون البلاد الاقتصادية بقدر أعلي من الكفاءة والتخطيط عندئذ فقط يمكن تجاوز الأزمة الاقتصادية بسلام. الأموال المنهوبة ❊ من المؤكد أيضا أن استرداد الأموال المنهوبة والمهربة للخارج يمكن أن يساعدنا كثيرا في اجتياز هذه الأزمة.. لكن السؤال هل مازال هناك أمل في استعادة مصر لهذه الأموال؟! بالطبع لعدة أسباب أولها أن الحصول علي أحكام قضائية بدت مؤشراتها واضحة لتثبت أن هؤلاء الأشخاص مارسوا عمليات غير مشروعة لنهب المال العام ومن ثم يصبح من السهل علينا استخدام هذه الأحكام بعد صدورها لمخاطبة الجهات القضائية الدولية، ويبقي أمر آخر خاص بالشركات غير معروف أصحابها وتحتاج لوقت وجهد لاسترداد الأموال المهربة عن طريقها، كذلك يشكل الجزء الأصعب تلك الأموال المختفية وراء مشروعات مشتركة مع أمراء من دول الخليج وغيرها.. وإن كان من الممكن أيضا ملاحقتها ومطاردتها قضائيا وسياسيا لاستعادتها. ❊ لكن هناك تخوفا من قدرة هؤلاء الناهبين لأموال مصر علي استخدام الحيل القانونية أو ما يطلق عليه العامة تستيف الأوراق بشكل قانوني يصعب معه استردادها؟! أتفق معك أن هناك جريمة كبري ارتكبت خلال الفترة من 11فبراير وحتي صدور قرار التحفظ علي أموال مبارك وعائلته، خلالها تم ما يطلق عليه »تستيف الأوراق« حيث سافر علاء وجمال مبارك عدة مرات لتأمين أموالهما، ولا يجب أن ننسي أيضا أن وجود هؤلاء في السجن لا ينفي وجود شبكة واسعة مازالت تعمل في أثينا وقبرص ولندن وجزر الباهامس ودول الخليج، هذه الشبكة تضم مصريين وعربا منهم وليد شاش ووليد كبه وياسر ملواني وغيرهم. ❊ وأمام تحرك هذه الشبكة ألا يزال الأمل قائما لاسترداد الأموال؟ نعم رغم كل محاولات الإخفاء إلا أن الإصرار علي استرداد الأموال وبذل أقصي جهد سياسي وقانوني يمكن أن يحقق لنا الهدف، الأمر فقط يحتاج لحكومة ثورية حقيقية تضع هذه المهمة ضمن أهم اهتماماتها، وتدفع بهيئة مستقلة يرأسها قاض كبير محل احترام وثقة يعاونه نخبة من الخبراء القانونيين والاقتصاديين ورجال المحاسبة والمتخصصين في مجال العمل المصرفي المحلي والأجنبي، إضافة إلي رجال متخصصين في التحريات الشرطية. هذه الهيئة كنت أول من طالب بتشكيلها لكن للأسف لم يأخذ اقتراحي هذا الأهمية المطلوبة. ❊ لماذا؟! لأنه بمجرد إعلان الدكتور عصام شرف عن هذه الهيئة بدأ اعتراض جهاز الكسب غير المشروع من جهة والرقابة الإدارية من جهة أخري، بالرغم أن الأولي تقتصر مهمتها علي النظر في الذمة المالية للعاملين في الوظائف الحكومية فقط، والأخري ثبت في ضوء التحريات والبلاغات التي قدمت أنه جري اختراقها علي مدار سنوات طويلة وهناك قائمة نشرت بأسماء 120 ضابطا من هيئة الرقابة الإدارية تورطوا في قضايا فساد بالحصول علي أراض من وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان، فحصل كل منهم علي خمسة فدادين مقابل 30قرشا للفدان. أمام ذلك الفساد كان من المنطقي أن تتولي هيئة مستقلة التحقيق في جرائم الفساد وأعتقد أن التقاعس في تشكيل هذه الهيئة من شأنه زيادة العقبات التي تحول دون استردادنا للأموال المهربة. صراع الثوار ❊ ننتقل إلي المشهد السياسي واسألك كيف تري الصراع الدائر الآن بين القوي الثورية؟! للأسف أن يحدث هذا الصراع الآن بالرغم أن هذه القوي تحالفت قبل الثورة وجمعهم هدف واحد وهو العدو الرئيسي المتمثل في النظام. لكن بالرغم من أن أهداف الثورة لم تتحقق بالكامل بعد إلا أن ما حدث أن جماعة الإخوان المسلمين تصورت أنها اللاعب الرئيسي وأن لها المركز الأكبر للثقل الثوري وانتقل هذا التصور للمجلس العسكري ومن هنا بدأ يفتح خط اتصال مستمر معها وظن الإخوان أنهم قاب قوسين من الصدارة خاصة في ظل المسار السياسي الذي رسمه المجلس العسكري الذي يقضي بإجراء الانتخابات التشريعية ثم وضع الدستور. وهو ما جعلهم يخرجون عن خط القوي الثورية وهنا حدث الانقسام. دون أن يدرك هؤلاء أن مهام الثورة لم تنجز بعد. ❊ لا أعتقد أن خروج الإخوان وحده من يهدد وحدة الصف الثوري لكن ظهر علي السطح أيضا خلافات بين القوي الأخري؟! أعتقد أن هذه القوي تنبهت إلي ضرورة تجمعها وضرورة بناء جسور تواصل وجسور قوية بينها وهو ما يدفعها للتكتل، يزيد من ذلك إحساسها بالخطر المتزايد سواء من قبل النظام السابق أو من قبل الإخوان. وأعتقد أنه من الأمور المبشرة ما أسفر عنه مؤتمر مصر الأول الذي ضم 5 آلاف مشارك في محاولة لبلورة وتشكيل قوة ديمقراطية إضافية يمكن أن تعرض نفسها علي قواعد اللعبة لتصبح رباعية بدلا من الثلاثية التي يتبادلها الأطراف الثلاثة المعروفة وهي الإخوان والحكومة والمجلس العسكري. ❊ هذه الأمور المبشرة التي تتحدث عنها لا تستطيع أن تخفي المشهد الأبرز وهو الخلاف القائم بين القوي الثورية حتي ائتلافات الشباب لم تسلم من ذلك؟! طبيعي أن يحدث الخلاف لكن المهم ألا يطول.. وأعتقد أن جزءا كبيرا من ائتلافات الشباب بدأ يدرك أهمية التحالف خاصة أمام سحب الخطر التي تجمعت من فتنة طائفية وبقايا نظام سابق وخطاب إخواني غلب عليه الاستقواء والتمكن وبدأ يفقد تدريجيا التعاطف معه. كل ذلك نبه القوي الثورية الأخري بما فيهم الشباب إلي ضرورة التكتل وليس العكس. الإخوان والثورة ❊ لكن ألا يمكن أيضا أن يدرك الإخوان المسلمون حقيقة وحجم الخطر الذي يهدد الثورة ومن ثم يعودون إلي التلاحم مع القوي الأخري؟! كنا نراهن دائما علي التطور الديمقراطي لجماعة الإخوان المسلمين والذي نراه يصب في مصلحة مصر كلها وكنا نري أن طرح الإخوان يمكن أن يوصلنا لحالة سياسية أقرب لحزب العدالة والتنمية التركي، وفي رأيي أن تحقيق ذلك يمكن أن ينقل مصر نقلة ديمقراطية هائلة، لكن للأسف جاءت تحركات واختيارات الإخوان لتبعدنا كثيرا عن ذلك التصور. خاصة مع خروج قيادات بارزة لها ثقلها علي رأسها د.عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور إبراهيم الزعفراني. ويزيد من خطورة الوضع أن هناك عددا كبيرا من شباب الإخوان يفكرون في الخروج عن الجماعة ونحن من نطلب منهم الاستمرار لأن وجودهم كفيل بضمان حدوث التطور الديمقراطي داخل الجماعة. وإن كنت أشك كثيرا في استمرار هؤلاء الشباب في ظل هذه الأجواء الإخوانية. وفي رأيي أن خطاب الإخوان ولغتهم وتوجههم بعد الثورة أفقدهم تعاطف الجماهير معهم بل وزاد من التخوف والتوجس منهم. ❊ أمام هذا المشهد المرتبك يتزايد الخوف علي الثورة فكيف يمكن من وجهة نظرك أن نجتاز هذه المرحلة التي تبدو أنها الأخطر عليها؟! تحقيق هذا الأمل مرهون باختيار حكومة ثورية تضم الرجال الحقيقيين الذين شاركوا في الثورة فهم فقط القادرون علي تخطي المراحل الصعبة وضمان نجاح تحقيق كل أهداف الثورة. ساحة مفتوحة ❊ وماذا عن الاتهامات بالاختراق من قبل بعض السفارات الأجنبية لبعض العناصر المحسوبة علي القوي الثورية؟! لا يجب أن نضخم ونبالغ في هذا التخوف.. وعلينا أن نضعه في إطاره الطبيعي.. وكما هو متوقع عندما تصبح الساحة مفتوحة من المتوقع أن تتسلل بعض العناصر، وهذا ما حدث وتشير وثائق أمن الدولة التي تم العثور عليها بعد اقتحام مقرات الجهاز عن وجود تسجيلات تدين عددا من الشباب المشارك في الثورة وثبت تورطهم بصلات ببعض السفارات الأمريكية تحديدا وهذا أمر وارد ولم نفاجأ به ولم يدفعنا اكتشافه للخوف كما لم ينل من نقاء الثورة وطهارتها لأن هذه العناصر المشبوهة والموظفة لا تتعدي العشرين أو الخمسة وعشرين فردا علي أقصي تقدير، فماذا يمثل هؤلاء أمام الزخم الثوري الذي وصلت أعداده إلي أكثر من 13مليون ثائر. ❊ في إطار المخاوف أيضا التي تهدد الثورة ذلك الجدل الدائر حول صياغة الدستور والانتخابات البرلمانية وأولوية كل منهما.. كيف يمكن حسم ذلك الخلاف؟! من المؤكد أن هناك مسارين مختلفين بشأن هذا الجدل، أحدهما أكثر واقعية وهو الهادف لاختيار 100 شخصية تكون مهمتها وضع الدستور يجري بعد ذلك الاستفتاء عليه وهو ما يضمن تحقيق توازن بين سلطات مجلس الشعب ورئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية.. وينفي إمكانية فرض أي طرف لسيطرته واستئثاره بالسلطة، في مقابل ذلك هناك مسار آخر يسعي لإجراء انتخابات تشريعية بعدها يتم تشكيل لجنة لصياغة الدستور، وهو علي عكس المسار الأول يعد أكثر خطورة ويمهد الطريق للاستقواء والاستئثار من قبل بعض القوي الإخوان تحديدا ومن هنا جاء الخلاف والجدل بين أنصار كلا المسارين. ❊ لكن هذا الجدل خلق حالة من الارتباك خاصة في ظل تمسك كل طرف بقناعاته؟! حالة الارتباك والجدل التي تتحدثين عنها بالفعل هي أحد المخاطر التي تواجه الثورة الآن وهي إحدي نقاط ضعفها، والذي يخشي معها أن يقودنا لموقف صدامي يسفر عن تمكن تيار بعينه من فرض وجهة نظره وتكون النتيجة أن يصيغ الدستور وفق رؤيته وهواه.. لكن في تقديري أيضا أن استمرار القوي الثورية في ممارسة الضغوط يمكن أن تدفع المجلس العسكري إلي تبني وجهة نظرها والأخذ بالمسار الأكثر أمنا وهو صياغة الدستور أولا. أو البحث عن مسار توافقي. ❊ يري الطرف الآخر أن هذا الضغط مخالف للديمقراطية وحجتهم الاستفتاء الذي صوتت الأغلبية بنعم عليه؟! إذا كان من المفترض أن يحترم الجميع نتيجة الاستفتاء فنتساءل هنا من الذي خرج وانقلب عليه.. فما فائدة الاستفتاء بعدما تم نسفه بالإعلان الدستوري، ألا يعد ذلك عودة للمسار الذي ارتضاه من قال لا.. أعتقد أن الانقلاب والخروج علي نتائج الاستفتاء يجعل من السهل تغيير المسار ولا غضاضة في ذلك مادام الأمر في النهاية يحقق مصلحة مؤكدة للعملية السياسية. ❊ أمام هذا المشهد المعقد والخطير هل تري أن ثمة أملا يمكن أن يراودنا لتخطي هذه المرحلة الصعبة بسلام؟! بالطبع هناك أمل.. نستمده من تلك المعجزة المصرية التي تحققت بثورة 25يناير، واستكمالها بالطبع يتطلب حكومة ثورية من جهة وقيام المجلس العسكري من جهة أخري بحماية مطالب الثورة بتطهير البلاد من كل عناصر النظام الفاسد القديم، والوقوف علي مسافة متساوية من جميع القوي السياسية وعدم الميل لأي منها حتي لا يتحول الصراع بينها إلي صدام وهو ما لا يتمناه أحد. وأربأ بكل القوي الثورية أن تصل إليه.