الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الألماني جيدو فيستر فيللا للقاهرة الأربعاء الماضي تمثل أهمية قصوي ودلالة قوية علي مدي اهتمام العالم بمصر ومايجري فيها من أحداث جسام بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.. هذه الثورة التي نالت تقدير كافة شعوب وزعماء العالم وفي مقدمتها الشعب الألماني وكافة قياداته الحزبية والسياسية والنخب الفكرية وهو مادعا هذا المسئول السياسي رفيع المستوي أن يزور مصر للمرة الثانية بعد ثورة يناير. وتأتي أهمية هذه الزيارة إلي موقع ودور فيستر فيللا في المنظومة السياسية الألمانية فهو زعيم حزب الأحرار الديمقراطي FDP المشارك في الحكم كما أنه نائب المستشارة أنجيلا ميركل.. وحزب الأحرار الديمقراطي بقيادة الأب الروحي للحزب هانز ديتريش جينشر لعب دورا بارزا في الحياة السياسية الألمانية علي مدي العقود الخمسة الماضية مشاركا في الحكم مرة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD ومرة أخري مع الحزب المسيحي الديمقراطي CDU كما كانت له بصمات واضحة في السياسة الخارجية لألمانيا وخاصة مايتعلق بقضايا الشرق الأوسط. ولقد أجري فيستر فيللا خلال زيارته القصيرة لمصر محادثات هامة مع رئيس الوزراء د.عصام شرف ونظيره المصري د.نبيل العربي تم خلالها تبادل وجهات النظر بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر بعد ثورة 52 يناير وما يمكن أن تقدمه ألمانيا من مساعدات حتي تتمكن مصر من تخطي هذه المرحلة الانتقالية الصعبة وتمضي قدما علي طريق الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مؤكدا أن ألمانيا لا تبغي من وراء ذلك أي نوع من أنواع السيطرة أو الهيمنة سواء كانت سياسية أو اقتصادية وإنما الهدف الأساسي الذي تسعي إليه هو إنجاح هذه الثورة التي حازت ثقة الجميع في أنحاء العالم وذلك من خلال المساهمة في بناء الكيان السياسي والديمقراطي ودعم الاقتصاد المصري ورفع مستوي معيشة أبناء الشعب المصري وتوعيتهم وتشجيعهم علي المساهمة بإيجابية في الحياة السياسية والحزبية.. وفي هذا الإطار فقد استمع المسئول الألماني إلي تأكيدات رئيس الوزراء شرف ووزير الخارجية د.نبيل العربي أن مصر حريصة بل ومصممة علي المضي قُدما في توجهاتها الديمقراطية علي أسس الحرية وحقوق الإنسان وأن الشعب المصري برغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها إلا أنه حريص علي المشاركة بإيجابية وفاعلية في الحياة السياسية وبناء الكيانات الديمقراطية والتعاون مع الدول الصديقة المتقدمة في هذه المجالات لتحقيق أهدافه من أجل التقدم والتنمية من أجل رفاهية كل أبنائه وبصرف النظر عن القدرات الهائلة للاقتصاد الألماني والعلاقات المتميزة التي تربط بين البلدين منذ عقود طويلة والمشاعر الطيبة التي يكنها الشعب الألماني للشعب المصري والنوايا الحسنة لقياداته السياسية والتي عبر عنها فيستر فيللا عندما أعلن أن ألمانيا قررت تشكيل لجنة حكومية ألمانية لبحث احتياجات مصر في المرحلة الحالية لمساعدتها في تخطي المشاكل والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها وأن هناك وفدا اقتصاديا ألمانيا سيزور مصر خلال الأسابيع القادمة لتحقيق هذا الهدف.. برغم كل هذا وذاك فإننا لابد أن نعي دور ألمانيا البارز والمؤثر ليس فقط في الاقتصاد العالمي وإنما داخل الاتحاد الأوروبي الذي يعد أكبر أقوي تكتل سياسي واقتصادي في العالم الآن.. ولاشك أن تحرك ألمانيا بهذا القدر من الصدق والإيجابية والحماس سيساعد أيضا علي تحرك دول المجموعة الأوروبية بنفس القدر وفي نفس الاتجاه وغالبا مايكون هناك اتفاق بين أعضاء المجموعة علي مثل هذه التوجهات خاصة أن كل هذه الدول تربطها بمصر علاقات تاريخية قوية وفي مقدمتها إيطاليا وفرنسا واسبانيا واليونان. وألمانيا لديها تجربة لا تبعد كثيرا عن تجربتنا وذلك عندما سقط النظام الشيوعي الديكتاتوري في ألمانياالشرقية قبل عشرين عاما وبدأت حكومة ألمانيا الموحدة بعد سقوط سور برلين في بناء الجزء الشرقي ليس فقط اقتصاديا وتكنولوجيا وإنما نفسيا ومعنويا لسكان هذا الإقليم الذين عاشوا عقودا طويلة تحت ذل وقهر النظام الشيوعي ولم يكونوا يعرفون شيئا عن الديمقراطية والحرية السياسية وحقوق الإنسان.. كما أنهم يعلمون تماما أهمية مشروع مارشال الذي ساهم بقدر كبير في إعادة بناء الاقتصاد الألماني ليصبح واحدا من أهم الاقتصادات في العالم. وإذا كان الألمان والأوروبيون قد أعربوا عن رغبتهم الصادقة في مساعدة مصر لتعبر محنتها وتتغلب علي ظروفها الصعبة وأن هناك وفدا اقتصاديا ألمانيا سيزور مصر قريبا فإننا لابد أن نكون أيضا علي مستوي المسئولية وأن نؤكد للجميع أننا واعون لمتطلبات المرحلة القادمة التي تهدف إلي بناء الإنسان المصري العصري بكل ما تحمله الكلمة من معان وأننا حريصون أيضا علي أن نكون جزءا من المجتمع الديمقراطي الحامي لحقوق الإنسان وإننا نفرق بين الحرية التي نقدسها والفوضي التي نرفضها لأنها ليست في صالح شعبنا والتي لا تتفق أبدا مع الدولة المدنية التي ندعو إليها والتي تقوم علي أساس احترام القانون والمساواة بين كافة المواطنين. إن مفهوم الأمن والأمان والاستقرار لابد أن يترسخ لدينا جميعا حكومة ومحكومين .. كما أنه لابد أن تعود للدولة وجميع مؤسساتها الهيبة والاحترام حتي نحظي باحترام وتقدير دول وشعوب العالم التي تسعي لمساعدتنا والتعاون معنا.