أثار التسجيل الصوتي الذي أذاعته قناة العربية الإخبارية للرئيس السابق حسني مبارك، كأول حديث له بعد ثورة 52 يناير وتنحيه عن السلطة، ردود أفعال متباينة بين الخبراء السياسيين والأحزاب والمواطنين، ففي الوقت الذي اعتبره البعض خطوة جريئة من الرئيس السابق للرد علي الاتهامات الموجهة ضده بالفساد السياسي والاستيلاء علي أموال الشعب، اعتبره البعض الآخر خطاباً تمثيلياً حاول من خلاله مبارك استدرار استعطاف الشعب المصري، والهروب من المحاكمة. مبارك عبر في خطابه عن تألمه لما تعرض له وأسرته من حملات ظالمة وإدعاءات باطلة تستهدف الإساءة لسمعته والطعن في نزاهته ومواقفه وتاريخه العسكري والسياسي الذي اجتهد خلاله من أجل مصر وأبنائها، وقال في خطابه:" لقد آثرت التخلي عن منصبي كرئيس للجمهورية، واضعاً مصالح الوطن وأبناءه فوق كل اعتبار واخترت الابتعاد عن الحياة السياسية، متمنياً لمصر وشعبها الخير والتوفيق والنجاح خلال المرحلة المقبلة، إلا أنني وقد قضيت عمراً في خدمة الوطن بشرف وأمانة، لا أملك أن التزم الصمت في مواجهة تواصل حملات الزيف والافتراء والتشهير، واستمرار محاولات النيل من سمعتي ونزاهتي، والطعن في سمعة ونزاهة أسرتي، ولقد انتظرت علي مدار الأسابيع الماضية أن يصل إلي النائب العام المصري الحقيقة من كافة دول العالم والتي تفيد عدم ملكيتي لأي أصول نقدية أو عقارية أو غيرها من ممتلكات بالخارج". كان النائب العام قد أصدر قراراً قبل تصريحات مبارك بساعات، بطلب مثول الرئيس السابق ونجليه للتحقيق، وأرسل خطاباً بذلك لوزير الداخلية لتنفيذ القرار. وعقب حديث مبارك أكد النائب العام في بيان له أن كلمة مبارك علي قناة العربية لم تؤثر علي إجراءات النيابة العامة في التحقيق مع مبارك وأسرته في الوقائع المنسوبة إليه، ومنها جرائم الاعتداء علي المتظاهرين، وسقوط قتلي وجرحي أثناء أحداث 52 يناير، ووقائع أخري تتعلق بالاستيلاء علي المال العام، واستغلال النفوذ والحصول علي عمولات ومنافع من صفقات مختلفة. جماعة »الإخوان المسلمون« طالبت الرئيس السابق حسني مبارك بإثبات صدق كلامه الذي قاله في التسجيل الصوتي الذي أذاعته قناة العربية، وكشف خلاله عن استعداده للكشف عن الأكواد السرية لحساباته في البنوك، معتبرة أن عدم ذكره لحسابات أولاده دليل علي إدانتهم. وقال صبحي صالح عضو الجماعة البارز يبدو أن مبارك لم يفهم ما حدث في مصر منذ 52 يناير حتي الآن، وأنه لا يزال يتصور أن ال08 مليون مصري أغبياء، ولا يعرفون أن ثروته بالمليارات وتملأ البنوك بالخارج. صالح اعتبر أن كلام مبارك يعد صورة من الاستكبار والتعالي غير المبرر، ووصفه بالاستهزاء بمشاعر الناس، متوقعاً أن تتسبب هذه الكلمة في زيادة نسبة الرفض لعدم محاكمته. خطوة جريئة فيما أكد الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن الحديث الصوتي الذي أذاعته قناة العربية للرئيس السابق حسني مبارك هو حدث نراه لأول مرة في تاريخ مصر السياسي. واعتبر حمزاوي ظهور مبارك علي الشاشة للدفاع عن نفسه بعد مرور أكثر من شهرين من تنحيه عن منصبه خطوة جريئة مفادها أن رئيسا سابقا يقول إنه مستعد للمساءلة القانونية في حالة وجود أرصدة له وأسرته خارج جمهورية مصر العربية، مشيراً إلي أنه من حق كل مواطن مصري أن يدافع عن نفسه بطريقة قانونية خاصة أنه أصبح شخصاً عادياً شأنه شأن أي مواطن. وعن سبب اختياره قناة العربية لإذاعة كلمته قال حمزاوي: »إن هذا يعد موضع تساؤل كبير حيث يظهر ذلك بأنه فقد سيطرته وهيمنته علي التليفزيون المصري أو القنوات التابعة للحكومة المصرية، فلجأ لقناة عربية غير مصرية لتشاهد الملايين خطابه وتتأثر بكلامه«، مؤكداً أن مبارك قام باستخدام الوسيلة الإعلامية المناسبة للجمهور المصري للدفاع عن نفسه وعن كافة التهم الموجهة إليه وهي الحديث عبر شاشة التليفزيون لكسب تعاطف المواطنين. من جهته أكد أيمن نور أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة، ومنافس مبارك في انتخابات الرئاسة الماضية، أن الصوت الذي تم الاستماع إليه في قناة العربية يدحض كافة الإدعاءات بمرض الرئيس السابق، ويؤكد أنه لا يزال في كامل وعيه ويستطيع المثول أمام التحقيقات والقضاء، وهو الأمر الذي يخول جهات القضاء لاستدعائه والتحقيق معه في التهم المنسوبة إليه. ودعا نور المواطنين لعدم التأثر بهذا الحديث المرسل الذي أدلي به مبارك، مذكراً بخطابه الأخير الذي تلاه مباشرة بعد موقعة الجمل في ميدان التحرير، وكان سبباً مباشراً في زيادة اشتعال الثورة ضده. فيما أصدر تحالف ثوار مصر بياناً حول الخطاب واصفين إياه بأنه خطاب تمثيلي، وجاء علي نحو يشعر مستمعيه وكأنه مازال رئيساً، وجاء في البيان: »إن مبارك المتهم بسرقة وتجريف مصر وقيادة عصابة من القتلة والحرامية لظلم الشعب المصري، أخذ يكرر كلمتين طوال كلمته وهما (قررت ووافقت)، وكأنه ما زال يشعر أنه رئيس مصر، شعرنا بأننا أمام ممثل بارع، ذكرنا بالممثلة القديرة أمينة رزق وهي تتقمص الأدوار الدرامية لتبكينا جميعاً«. وأشار البيان إلي أن تحالف ثوار مصر يؤكد أن هذا الحديث سوف يتم الرد عليه بقوة من ثوار مصر، وأن هذا الأمر لن يثني عن السعي للقبض عليه ووضعه في مكانه الصحيح وهو قفص الاتهام لمحاكمته علي جرائم قتل شهداء الثورة . مواقع التواصل الاجتماعي علي شبكة الإنترنت وخاصة فيس بوك وتويتر، شهدت حالة من السخرية الشديدة تجاه التصريحات الصوتية التي بثتها قناة العربية للرئيس السابق، ففور انتهاء إذاعة البيان قام بعض الشباب بالدعوة لمظاهرة أمام السفارة السعودية بالقاهرة للمطالبة بعدم تدخلها في الشأن المصري، خاصة أن البيان تم إذاعته حصرياً علي قناتها الإخبارية.