هذا الانفلات الأمني الذي شهدته البلاد خلال الأسبوعين الماضيين يسلتزم منا حكاما ومحكومين جميعا بكل تأكيد مزيدا من الحسم والحزم لاستعادة الأمن والاستقرار ووضع الأمور في نصابها الصحيح. إن ما شهدته البلاد من حالة فوضي وعدم استقرار حتي بات المواطن غير آمن علي نفسه ولا علي ممتلكاته وتوقفت عجلة الإنتاج في العديد من المصانع وهو ما يعني حدوث خسائر فادحة ليس فقط لهذه المصانع وأصحابها سواء كانت قطاعا خاصا أو عاما وإنما بالنسبة للاقتصاد القومي ككل وهو ما أشار إليه المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في تقريره وهو شيء مذهل للغاية استنادا إلي بيانات البنك المركزي المصري حيث بلغت الفجوة بين المصروفات والموارد 124مليار جنيه في موازنة 2009/ 2010 كما بلغت نسبة الدين الداخلي والخارجي حوالي 90٪ من إجمالي الناتج القومي المصري.. وأشار الملط في تقريره إلي فساد وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي وسوء إدارته للمال العام وهو ما أدي إلي ارتفاع الدين العام إلي ترليون جنيه بعد أن كان 300 مليار في العام السابق وقال إن مديونية وزارة المالية عندما استولت علي أموال صندوق المعاشات بلغت 121 مليار جنيه وكذلك د.محمود محيي الدين الذي سهل بيع عمر أفندي هذا الصرح الاقتصادي الهام لمستثمر أجنبي بأبخس الأثمان وسعي كلاهما إلي العمل في مؤسسات دولية تاركين سفينة الوطن تغرق في ديونها ومشاكلها المالية. وأعتقد أنه لابد من عودتهما للمثول أمام القضاء وإبراء ذمتهما مما نسب إليهما من اتهامات إحقاقا للحق وحفاظا علي سمعتهما في المؤسسات الدولية التي سعيا للعمل فيها علي حساب مصلحة البلد والتي من المؤكد أنها ستتأثر كثيرا إذا ما ثبت تورطهما في أعمال فساد وأيا كان حجم الفساد في الحكومات السابقة ومع ضرورة بذل كل الجهد لاسترداد الأموال المنهوبة سواء الموجودة داخل البلاد أو خارجها وتقديم كل من تثبت عليه جريمة الفساد للعدالة حتي ينال كل مفسد نصيبه.. إلا أننا لابد أن نهدأ ونلتقط الأنفاس وألا نظل طويلا نبكي علي اللبن المسكوب ونبدأ علي الفور في إدارة عجلة الإنتاج في جميع القطاعات بجهود مضاعفة تعكس وطنيتنا وعقلانيتنا لتعويض مافات واللحاق بركب الدول المتقدمة من أجل خلق ظروف معيشية أفضل كثيرا عما سبق للمواطن المصري في كل ربوع البلاد وخاصة في صعيد مصر حيث بلغت نسبة الفقر في اسيوط %61 وفي سوهاج %47 وفي بني سويف %41 وفي أسوان %40 وهو ما يعد شيئا مفزعا للغاية وليس هناك أبلغ مما أفتي به الفقيه الإسلامي المرحوم الشيخ محمد متولي الشعراوي في وصفه للثورات والثوار حيث قال: الثائر الحق هو الذي يثور ليقضي علي الفساد.. ثم يهدأ لكي يبني الأمجاد ويرد مظالم الناس ويعدل بين كافة الطوائف ولا يعين طائفة علي أخري حتي يعم العدل وينعم المجتمع بالاستقرار. ثقتي كبيرة في الشباب الواعي المثقف الذي فجر ثورة 25 يناير والذي حاز علي تقدير الجميع في الداخل والخارج ولكني أعتقد أنه آن الأوان لكي نتدبر أمورنا بعقلانية كي تمضي سفينة الوطن إلي بر الأمان خاصة بعد أن حققت الثورة معظم أهدافها التي أعلنتها منذ اللحظات الأولي للثورة وصممت علي تحقيقها كما أننا يجب أن ندرس تاريخ الثورات في مختلف أنحاء العالم حتي نتجنب ما يمكن أن نقع فيه من أخطاء تخرج ثورتنا عن مسارها المنشود وعلينا أن نفرق بين هؤلاء الفاسدين من موظفين ورجال أعمال وبين أبناء الوطن الشرفاء وهم كثيرون في جميع المجالات وأن نساعدهم لكي يقوموا بواجباتهم علي الوجه الأكمل في ظل مناخ الحرية والديمقراطية والشفافية التي تتسم بها المرحلة الحالية ولاشك أن التحديات التي يواجهها شعبنا في هذه المرحلة تحديات كبيرة وخطيرة ولابد من التكاتف والتضامن في مواجهتها ومن أهم وأخطر هذه التحديات هي الفتنة الطائفية التي تفجرت قبل أسبوعين في بلدة صول / أطفيح بمحافظة حلوان ويحاول البعض تأجيجها بهدف عرقلة مسيرة الثورة البيضاء والدخول بهذا البلد إلي نفق مظلم يبعد الثورة عن مسارها الوطني ويحقق أعداء الوطن الذين يستهدفون زعزعة أركانه وحسنا فعل المجلس الأعلي للقوات المسلحة عندما أصدر قانونا بتشديد العقوبة علي أعمال البلطجة وترويع المواطنين لتصل إلي عقوبة الإعدام حتي تكون رادعا قويا لأولئك الذين يسعون إلي خلق حالة من الفوضي وعدم الاستقرار تسهل لهم القيام بأعمال السلب والنهب وتخويف أبناء الشعب كما أننا نأمل أن تتمكن حكومة د.عصام شرف الدين وهو رجل وطني فاضل وعالم قدير في مجال تخصصه من النجاح في مهمتها وهي مهمة لاشك ضخمة في وقت عصيب لكي تحقق الأمن والاستقرار للوطن والمواطنين وخاصة بعد نزول رجال الشرطة في الشوارع للقيام بواجبهم المنوطين به حماية وتأمينا لأفراد المجتمع ومؤسساته الاقتصادية والخدمية. كذلك فإن البدء في محاكمة قيادات الشرطة الأربعة الكبار قد أحدثت نوعا من الارتياح في نفوس الناس وأعطتهم الأمل في إظهار الحقائق لكل ماجري من تعتيم وتدعيم للفساد والمفسدين وأن هناك مناخا أفضل يسود الآن يتأكد من خلاله الدور الجديد لرجل الشرطة وعلاقته بأفراد المجتمع والتي تقوم علي الثقة والاحترام المتبادل مع الإسراع في إعادة هيكلة جهاز مباحث أمن الدولة لكي يكون بالدرجة الأولي جهازا لأمن الوطن والمجتمع وليس جهازا لحماية الحاكم والتستر علي الفساد والمفسدين.. ويبقي العمل وزيادة الإنتاج ورفع معدلات الإنتاجية هو أهم أهدافنا في تلك المرحلة الدقيقة حتي يمكن الوفاء بكل متطلبات هذا الشعب ورفع المستوي المعيشي لكل أبنائه.