أول مرة أشاهد فيها عمرو أديب من خلال الشاشة الصغيرة في بيت أبيه المرحوم الصديق عبدالحي أديب.. جلست مع والدته أتابع البرنامج.. وأعجبت كثيرا بمقدم هذا البرنامج »القاهرة اليوم«.. بعدها مباشرة اشتركنا في قناة الأوربت.. واشترينا تليفزيونا جديدا لنري فيه البرنامج بوضوح.. فعمرو يتمتع بكاريزما غير موجودة عند الكثيرين باستثناء مفيد فوزي.. تحس إنه يجلس معك في منزلك.. بل إن المشاهدين ينادونه باسمه دون أن يسبقها كلمة أستاذ ويتحدث بتلقائية شديدة كأنه أحد أفراد العائلة.. وفي نفس الوقت ينتقد بعض أخطاء الحزب الحاكم وكبار المسئولين.. كان يتابع باهتمام الأحداث الجارية في بلدنا ويذهب إلي مواقع الأحداث نفسها.. وفي نفس التوقيت الذي تحدث فيه.. من ضمنها مثلا قضايا الساعة وماحدث في الصعيد من أحداث دامية.. وتحدث يومها إلي محافظ المنيا ليسأله »أين أنت الآن؟« فقال المحافظ في مكتبي.. فرد عمرو بدهشة شديدة »لسة في مكتبك؟« »المفروض أن تكون الآن في مكان الأحداث!« والتقي عمرو لأول مرة مع أحد المسئولين من كبار رجال الدولة في منتجع »مارينا«.. وحذره المسئول لكي يقصر لسانه.. لكن عمرو لم يسكت فأحرقوا له عربته.. ويظهر علي الشاشة ليقول لنا عن حرق السيارة علي أيدي مجهولين.. لكننا نعرف تماما من هم المجهولون وحين تحدث مرة في إحدي حلقات البرنامج عن أحداث مؤسفة حصلت في الصعيد وأنهاها بجملة »أين كان الأمن؟« وأعتقد أن هذه الجملة هي التي قصمت ظهر البعير.. وأوقف البرنامج.. بل وقناة الأوربت.. فافتقدناه كثيرا. وحين أُلغي برنامجه.. بل أغلقت الأوربت طلبت منه إحدي القنوات الفضائية عمل برنامج فيها.. وحين رأيته في هذا البرنامج أحسست أن عمرو ليس عمرا.. أحسست فيه بالانكسار.. لا يبتسم وقد انخفض صوته »المجلجل«.. وقد قال وقتها إنه لايصلح أن يكون مذيعا.. وأن بيته الحقيقي هو »القاهرة اليوم« كان يختار المواضيع التي تجذب المشاهد.. وكان أحيانا يتخطي الخط الأحمر. ❊ ❊ ❊ كنت أعرف والده عبدالحي أديب الصديق وكاتب السيناريو الذي أثري السينما المصرية بأعماله الغزيرة.. ويكفي أن أول فيلم له هو »باب الحديد« ليوسف شاهين الذي هوجم في البداية من الجمهور ثم أصبح الآن من أهم كلاسيكيات السينما المصرية.. أول ماعرفناه من خلال الجمعية المصرية لكُتاب السينما.. وكان بالنسبة لنا الأب الروحي. ❊ ❊ ❊ وفي أحد الأيام كنت أوصله بعربتي من مدينة السينما إلي بيته.. حكي لي عبدالحي قصة حياته وكفاحه التي بدأت من الصفر.. وذلك حين كان يدرس في معهد السينما.. وحين تزوج لم يكن له دخل ثابت إلا حينما يقدم سيناريو.. وكانت شريكة حياته الفاضلة »بسيمة« تتولي مصروف البيت.. ليستطرد قائلا: فبالرغم من قلة المورد فقد صممت أن أعلم أولادي أحسن تعليم.. ألحقتهم بأحسن مدرسة لغات »فيكتوريا جوليچي« حيث بدأ يطلب منه كتابة سيناريوهات وكان الأبناء الثلاثة أذكياء نابهين.. أكبرهم الإعلامي القدير عماد الدين أديب.. والابن الثاني عمرو أديب . أما السيدة الفاضلة أم الأولاد وشريكة العمر.. فقد استطاعت أن تشارك زوجها كفاحه حتي أصبح كاتب السيناريو المرموق.. كانت تحكي لي أحيانا وأنا أجلس معها علي »ترتوار« فندق الشيراتون أيام مهرجان الإسكندرية كل مايخطر ببالها ببساطة شديدة.. حينما قلت لها مرة إن عماد إنسان جميل وشخصية نادرة.. كانت تقول لي »بس تخين!«. ❊ ❊ ❊ هؤلاء الشباب الثلاثة يكنون كل الحب والوفاء لأبويهم فحين رحل عبدالحي عن عالمنا.. حل الحزن فترة طويلة علي الأسرة خاصة ابنه الأكبر عماد الذي بكي بحرقة.. ولم يستطع أن يقف ليكمل أخذ العزاء من الناس.. وقد حمل صندوق أبيه ليودعه بالبكاء الحار.. وأذكر في مهرجان دمشق من ذلك العام.. وبعد وفاته بشهور أنه قام المهرجان بتأبينه فقد كان يدعي للمهرجان كل عام.. وقد دعي عمرو والسيدة الفاضلة شريكة حياته لحضور حفل التأبين.. وتحدث كل أصدقائه ومحبيه بإلقاء كلمة خارجة من القلب.. فقد قدم لنا العديد من الأفلام الناجحة التي كتب لها السيناريو حوالي..100 فيلم كان أولها »باب الحديد«.. الذي أصبح الآن من كلاسيكيات السينما.. وحين قامت ثورة 25 يناير 2011..عدت إلي بيتك كما كنت تقول ياعمرو وسعدنا كثيرا بعودتك.. وانت تهل علينا بحضورك الذي تتمتع به وخفة ظلك وصراحتك لتقدم لنا أهم الموضوعات لقد زال العهد الذي ظلمك.. وظلم كثيرين غيرك وأخذ جزاءه.. فهو الآن وراء القضبان أما أنت فعدت إلي بيتك.. إلي حريتك.