د. عفاف أمين طوفان من الأغذية الفاسدة غير المطابقة للمواصفات أصبح يحاصر مائدة طعام المصريين، وذلك من واقع الإحصائيات التي قدّرت عدد مصانع الغذاء العشوائية، المعروفة ب «مصانع بير السلم»، بحوالي 27 ألف مصنع، «آخرساعة» ناقشت هذا الموضوع مع الدكتورة عفاف أمين أستاذة صحة الطعام والميكروبيولجي بالمعهد القومي للتغذية.. وإلي نص الحوار. حدثينا عن مهام المعهد القومي للتغذية؟ - مهام المعهد تنقسم إلي شقين، الأول يتعلّق بالقيام بأبحاث تتعلق بسلامة المنتجات الغذائية، والثاني خاص بتحليل عينات من شركات الأغذية من أجل إعطائها تصريحا ببيع منتجاتها في الأسواق، فعيِّنات المنتجات الغذائية تأتي من جهات التصنيع الداخلية أو الخارجية إلي المعهد القومي من أجل استخراج التراخيص للسماح ببيع منتجاتها، وقبل إعطائها الترخيص لابد من مرور هذه المنتجات بسلسلة من الاختبارات الدقيقة للتأكد من خلوها التام من جميع الميكروبات الضارة بصحة الإنسان، حيث يتم أخذ عيِّنة من المنتج الغذائي وتُفحص عبر معامل التحاليل الكيميائية وبعد ذلك تمر باختبارات معامل التحاليل الميكروبيولوجية - «الكائنات الدقيقية» - التي تتضمن عملية زرع معملي للميكروب لمعرفة احتمال تواجده داخل العيِّنة، فإذا كان غير موجود يكون هذا مؤشرا علي سلامة المنتج الغذائي. كيف يتم تصنيف درجات التلوُّث الغذائي؟ - درجات التلوث تُصنّف حسب نوع الميكروب، فهناك الميكروبات الهوائية التي تطال الأغذية المكشوفة، فإذا تم تناولها تخترق الغشاء المخاطي المبطن للمعدة والأمعاء ليبدأ سريانها في مجري الدم، لكن هذا النوع يمكن القضاء عليه عبر تسخين الطعام، أما النوع الثاني فهو الأخطر، لأنه يفرز سموماً لا يمكن القضاء عليها بالحرارة، علي عكس النوع الأول مثل ميكروبات الكلوستريفيم والبوتيولينم وهي ترتكز في المنتجات البحرية، بينما يقوم النوع الثالث بالبدء في إفراز السموم بعد دخوله جسم الإنسان لينشط بعد ذلك داخل الخلايا بصورة مطردة مثل ميكروب السالمونيلا وهو يؤثر بصورة مباشرة علي كبار السن والحوامل والأطفال. رغم تعدد التشريعات الخاصة بمكافحة الأغذية الفاسدة إلا أنها تظل في تصاعد مستمر فما السبب؟ - هذا يرجع إلي عدم تطبيق الكثير من الشركات الغذائية في مصر ما يعرف بنظم إدارة سلامة الغذاء، نظراً لارتفاع تكاليفها، رغم أنها تعطي في النهاية منتجا غذائيا سليماً 100% يمكن تصديره للخارج، ولكي يكون المنتج الغذائي سليماَ ومطابقاَ للمواصفات يجب تطبيق ما يعرف ب «نظم إدارة سلامة الغذاء العالمية»، ومن ضمنها نظام (haccp) - وهو مختص بسلامة الغذاء من خلال تحديد المخاطر التي تهدد سلامته سواء كانت بيولوجية أو كيميائية، وكذلك نظام الأيزو 22000. هناك إحصائيات قدّرت عدد مصانع الغذاء العشوائية بحوالي 27 ألف مصنع فهل أجهزة الرقابة علي الغذاء قادرة علي مواكبة هذا العدد الضخم؟ - في عام 2009 كان هناك 500 مراقب غذائي فقط من وزارة الصحة يتولون مهمة الرقابة علي الأغذية يساعدهم في تلك المهمة مفتشو وزارة التموين، ولم تزد أعدادهم بصورة مناسبة منذ ذلك الحين، ومن جانبنا في المعهد القومي للتغذية قدمنا بعض التوصيات في كتيب يضم رؤيتنا لإصلاح منظومة الغذاء في مصر وبناء عليها يتم سن قوانين لمواجهة هذه الظاهرة. هناك مصانع لحوم ودواجن تتجاهل شروط السلامة الغذائية بخصوص خطوط التصنيع وغالبا تكون حاصلة علي تراخيص إنتاج غذائي بالفعل؟ - هذا الأمر عاينته بنفسي أثناء زيارتي لأحد المصانع المرخصة لإنتاج الدواجن المجمدة، حيث تفاجأت بقيامهم باستخدام مادة الكلور بكثافة مع الماء المستعمل في تنظيف الدواجن، ومن المعروف أن استعمال الكلور مع أي مادة عضوية يعطي مادة مسرطنة، ففي بعض الاحيان يخشي أصحاب مصانع الدواجن من أن يحدث عطل في الثلاجات المبردة، لذلك يقومون بزيادة كميات الكلور المستخدمة مع الدواجن كي لا تتلف، بل إنهم في بعض الأحيان يقومون بحقن الدواجن بمادة الكلور كمادة امتلاء خاصة في منتجات «البانيه» لإعطائها حجماً يفوق حجمها الحقيقي، وفي المقابل نجد إفراطاً في استعمال مادة نترات الصوديوم التي يتم استخدامها في مصانع اللحوم علي كافة المنتجات بطريقة تتخطي حدود الجرعات الآمنة التي يمكن أن يتحملها جسم الإنسان وهي 1 ميكروجرام لكل كيلو جرام من اللحوم المصنعة، ولكن استخدامها بإفراط ينتج ما يعرف «بنيتروز أماين» المصنف في الجداول الغذائية علي أنه من المواد المسرطنة. ماذا عن سلامة أغذية الأطفال خاصة أن أغلبها مستورد من الخارج؟ - أجرينا تجارب فعلية داخل المعهد علي حوالي 100 عبوة من أغذية الأطفال التي يدخل في مكوِّناتها الذرة والشوفان والأرز، ووجدنا أن 46 عبوة منها تحتوي علي نسب من الأفلاتوكسين وهي سموم فطرية، بينها 13 عبوة بها نسبة أفلاتوكسين أعلي من الحدود الآمنة بعشرين ضعف نتيجة سوء التخزين، وذلك بسبب عدم معرفة البائع بقواعد حفظ تلك المواد، فمن المفترض أن يتم نقل هذا النوع من الأغذية في درجات حرارة باردة حتي لا يكون هناك ظروف بيئية مواتية لنمو الميكروب، وتُحفظ بعد ذلك مباشرة في أماكن خالية من الرطوبة عند درجة حرارة تتراوح مابين 10 الي 15 درجة مئوية. لماذا لا يتم إنشاء هيئة تُعني بسلامة الغذاء في مصر أسوة ببقية دول العالم؟ - هناك جهات متعددة في مصر تقوم بمراقبة سلامة الأغذية منها وزارة الصحة وهيئة الرقابة علي الصادرات والواردات وهيئة المواصفات والجودة، ومن الأفضل وجود هيئة واحدة تضم كل هذه الجهات تضطلع بتنظيم وسن كافة القوانين الخاصة بالرقابة الغذائية، مثلما هو الحال في معظم دول العالم، ومن بينها الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الاوروبي وكذلك السعودية والأردن التي تمتلك هيئة موحدة لسلامة الغذاء والدواء، ونحن لدينا رغبة حقيقية في إنشاء تلك الهيئة علي أسس سليمة، لكن هناك اختلاف حالياً في وجهات النظر حول مهامها الأساسية، فهناك من يقترح أن تكون الهيئة معنية بمتابعة المنتج الغذائي في صورته النهائية، لكننا نري في المعهد القومي للتغذية ضرورة متابعته من خلال مراقبة جميع خطوات الإنتاج وليس مراقبة شكل المنتج النهائي فقط. كيف ترين معايير الرقابة علي المصانع التي يتم من خلالها منح تراخيص إنتاج للمواد الغذائية؟ - مصر تمتلك بالفعل نظاماً رقابياً وهو نظام «إيجاك» - الاعتماد الوطني - الذي يتبع هيئة التجارة والصناعة، لكن بعض الشركات تقوم بشراء شهادات السلامة الغذائية من الخارج من دول مثل انجلترا، لذلك لابد من وجود رقابة مشددة علي مصانع إنتاج الغذاء بحيث تتولي جهة حكومية التفتيش عليها وبعد ذلك يمكنها الحصول علي شهادة سلامة غذاء معتمدة، ولا تجدد تلك الشهادة إلا بعد التفتيش السنوي علي المصنع.