ظاهرة تثير الدهشة والفرحة معا، أن يحقق فيلم مصري نجاحا تجاريا ويعيد لدور السينما ظاهرة الطوابير والحجز قبل العرض ،حتي أن بعض القاعات تشهد كلمة كامل العدد بعد سنوات من اختفائها! والجدير بالإعجاب أن يكون فيلم هيبتا خارج الخلطة التقليدية للنجاح التي ابتكرها السبكي واحتكرها لسنوات، وهي خلطة المطرب الشعبي والرقاصة والبلطجي والأحياء العشوائية، فهيبتا لا يعتمد علي أي من التحابيش السابقة، بل جاء علي العكس تماما، حيث يدور في أجواء راقية بلا بذخ، ويبتعد عن ادعاء السياسة والأطروحات التقليدية عن الفساد والمجرمين والقتلة، إنه فيلم بسيط موضوعه عن الحب، ليس علي طريقة الستينيات وحكاية شمس حبنا التي لا تغيب كما قدمها فيلم بين الأطلال، ولا حتي بمنطق ومفهوم الحب في السبعينيات والثمانينيات علي طريقة حبيبي دائما، هيبتا عن الحب ومراحل تألقه وأفوله عن رابطة الحب التي تجمع بين شخصين، يجد كل منهما في الآخر الملاذ والأمان وسوف تدرك أن الناس قد ملت من أحاديث السياسة والفساد وأصبحت في أشد الاحتياج للحديث عن أجمل عاطفة تجمع بين القلوب فتسعدها أو تشقيها! فيلم هيبتا مأخوذ عن رواية لمحمد صادق، أحدثت ضجة عند طرحها بالأسواق، كتب له السيناريو وائل حمدي وأخرجه هادي الباجوري تبدأ الأحداث بمحاضرة يليقها د.شكري أو ماجد الكدواني، والقاعة تمتلئ عن آخرها بالحضور بينهم نجوم مثل نيللي كريم وشيرين رضا، ومحمد فراج، ونفهم أن المحاضرة عن أركان الحب، أو المراحل التي يمر بها، انطلاقا من الحديث عن سحر رقم سبعة، وهو معني كلمه "هيبتا"، ويؤكد دكتور شكري أن علاقات الحب تمر غالباً بسبع مراحل"بعض العلاقات مش بتلحق تكمل مرحلة أو اثنتين" أهم المراحل السبع تتعلق بالبدايات وهي مرحلة الاكتشاف والشغف والجنون والانبهار، وهي المراحل التي يكتشف فيها كل طرف شريكه ويكون في قمة الانبهار به، ومعه يكتشف نفسه أيضا، فكثير منا يكتشف مزايا أو عيوب كانت كامنة داخل طيات نفسه، ولا تظهر إلا عندما يلتقي بالطرف الذي يثير اهتمامه! وبشكل متوازٍ مع إلقاء المحاضرة، نتابع بعض العلاقات التي لا نستوعب تفاصيلها، إلا كلما توغلنا في الحكاية، في البداية نتابع علاقة حب بين طفلين، بينهما ما يمكن أن نطلق عليه الحب البريء، الناتج من علاقة أسرتيهما، ثم نتابع الشاب "كريم" أو أحمد مالك، الذي يقيم في مستشفي استثماري فاخر في انتظار إجراء جراحة، ويبدو وحيدا مما يثير تعاطف الممرضة "سلوي محمد علي" ويتعلق كريم بعلاقة إعجاب مزمن مع دينا «جميلة عوض» التي تحرص علي زيارته دون علم أسرتها، وسهل أن نتفهم أن كريم ودينا، هما نفس الطفلين اللذين شاهدناهما سابقا، ولكن طبعا صعب جدا أن تكتشف أن الشاب رامي الرسام البوهيمي "أحمد داوود"،هو امتداد لشخصية كريم، أو أن يوسف "عمرو يوسف " هو امتداد بشكل ما لكل منهما، مش مهم تفهم قوي، تبقي تشوف الفيلم، لأن أروع ما يميزه هو أسلوب السرد، الذي لا يسير في خطوط تصاعدية، وتشابك أحداث، ولكنه يترك المشاهد في نقاط فاصلة وحادة، ومصيرية، لينتقل إلي حالة مختلفة أو مرحلة مختلفة من الحب، فبعد الإعجاب والانبهار،تبدو أحيانا جعبة العاشق وقد خوت وفرغت من الألعاب المثيرة، ولم يعد ما كان يثير انبهار الطرف الآخر له نفس السحر، فيجد العاشق فتورا من شريكه يصل بهما إلي حالة الملل، والتململ، وربما يضطر أن يعلن عن احتياجه ويظهر نقاط ضعفه، التي ربما لا تجد استجابة، وهنا قد يتحول الحب والشغف إلي كراهية، فالذي استنجدت به، وأظهرت له نقاط ضعفك، لم يمد يده حين كنت في شدة الاحتياج له!! كثير منا كان يوماً الطرف الأول أو الطرف الثاني أو مرت علينا تفاصيل الحكاية بشكلٍ ما، أو كنا شاهد عيان لنهاية حب بين شخصين كانا مضربا للأمثال في قوة علاقتهما وشغف كل منهما بالآخر، ولكن النفوس تتغير كما تتغير الملامح أحيانا، ولذلك كان لكل مرحلة من مراحل الحب السبع اثنان من الممثلين يجسدونها، بأسماء مختلفة، فأنت عندما تراجع حياتك منذ خمسة عشر عاما أو يزيد ربما تشعر بغربة، وكأنك شخص آخر،أفضل أو أكثر سوءا فهذا يعتمد علي أشياء كثيرة وعوامل قد لا تكون مسؤولا عن جميعها! بالإضافة للحضور الطاغي لماجد الكدواني، لابد أن تخطفك شخصية أحمد داوود المقتحمة وأسلوبه في التعرف علي "دينا الشربيني"ومغازلتها! ومن باب الصدفة أن كلا من أحمد داوود وماجد الكدواني كانا أيضا أفضل عناصر فيلم "قبل زحمة الصيف" مع اختلاف نوع وتركيبة الشخصية التي قدمها كل منهما في الفيلمين! ياسمين رئيس تلقائية ولعبت الشخصية في بساطة وعفوية رغم ظروفها القهرية التي كان يمكن أن تحطم أي فتاة غيرها، ولكنها تبدو أقوي من الرجل"عمرو يوسف" الذي قرر الانتحار في لحظة يأس فتكون له ،طوق النجاة، وتدفعه للتمسك بالحياة مرة أخري! هل يمكن أن يؤدي الفشل في الحب إلي الانتحار؟ فعلتها كندة علوش وأفسدت حياة ابنها، وأحدثت في نفسه شرخا لم يندمل، وربما تكون فكرة الانتحار هي أقرب ما خطر علي باله بعد سنوات من فقده لأمه، لينتهي عذاب فشله في علاقته الزوجية! طوال المحاضرة التي يلقيها د. شكري "ماجد الكدواني"عن مراحل الحب السبعة، تتابع الكاميرا امرأة جميلة في منتصف العمر، تجلس بين الحضور"شيرين رضا" وتحمل ملامحها، ظل ابتسامة تجمع بين الشجن والاشتياق وتداعي الذكريات، وبدون أن تنطق بكلمة، يمكن أن تدرك بسهولة أن ثمة علاقة كانت تربطها بدكتور شكري، لتضع الدقائق الأخيرة من الفيلم القطع الناقصة في لوحة البازل، وتتعرف علي طبيعة علاقات كنت تظن أن كلا منها منفصل تماما عن غيرها، وتساهم حركة كاميرا "جمال البوشي" في الربط بين السطح الذي ظهرت منه ياسمين رئيس، وبين البالكون المقابل الذي كان يستعد عمرو يوسف للانتحار من فوق سوره! أجمل الأفلام تلك التي تترك علامات استفهام تلازمك بعد أن تخرج من دار العرض، هيبتا يتمتع بأسلوب سرد ممتع وحوار أخاذ "وائل حمدي"، يجعلك في حالة يقظة دائمة، ومن أقوي عناصره كاميرا البوشي، واختيار أماكن التصوير التي لم تهرسها السينما المصرية من قبل، وروعة أداء فريق التمثيل، وموسيقي هشام نزيه.