انتصر الإسلام سنة 8 هجريا بدخول الرسول صلي الله عليه وسلم مكة فاتحاً، وبعد انتهاء الفتح وتثبيت الإسلام في مكة والطائف، قرر الرسول العودة إلي المدينةالمنورة، وقبل أن يغادر مكة سلم رئاستها عتاب بن أسيد، الشاب الصغير من بني أمية الذي لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، فكان دارسا نبويا لشيوخ مكة في التواضع لمن رفعه الإسلام، ودارساً للشاب الصغير في أن يتعلم المسئولية في مدرسة النبوة. كان عتاب بن أسيد من شباب مكة الذين تربوا علي الوثنية، وعداء الإسلام، ولما لا فهو سليل البيت الأموي الذي كانت له الزعامة علي قريش، وقاد العداء ضد محمد والدين الجديد، إلا أن هذا الشاب ما انفتحت عيناه علي نور النبوة عند دخول النبي مكة فاتحا، حتي خر مسلما ودخل الإيمان قلبه من أوسع الأبواب، وكان عند حسن حظ الرسول به فقد كان النبي يقول لما قرب من مكة: "أربعة أربأ بهم عن الشرك عتاب بن أسيد وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام وسهيل بن عمرو". استعمل رسول الله صلي الله عليه وسلم "عتاب" علي مكةالمكرمة عندما اعتزم العودة إلي المدينةالمنورة، وكان غرض الرسول من تعيين عتاب أن يرسي مبدأ جديدا علي عقلية العرب، بأن المناصب للأكثر كفاءة، وليست للأكبر سناً، فتجاوز شيخ مكة أبا سفيان، لأن الدولة الجديدة دولة إيمان تقدم من قدمه الله ورسوله بغض النظر عن العمر. وعاش عتاب علي الكفاف لا يمد يده إلي أموال أهل مكة، مكتفيا بما خصصه له الرسول من أموال مقدارها درهمان في اليوم. وعند وفاة الرسول في سنة 11 هجريا، وقف عتاب بجوار سهيل بن عمرو لمواجهة موجات الشك التي أخذت بأهل مكة فاستطاعا إرجاع الهدوء إلي مكة فلم يرتد فرد واحد من أهل مكة، وظل عتاب واليا علي مكة في عصر خليفة رسول الله أبي بكر، ومن تصاريف القدر أن يتوفي عتاب في نفس يوم وفاة الصديق أبي بكر في السنة الثالثة عشر من الهجرة النبوية، فكان في حياته كلها التي انتهت في عز الشباب قدوة حسنة علي إمكانية تولية الشباب أعلي المناصب في الدولة التي أسسها رسول الله صلي الله عليه وسلم. ابن جعفر.. يتيم في رعاية النبي عندما قبل جعفر بن أبي طالب أولاده الثلاثة، قبل خروجه علي رأس جيش الإسلام في غزوة مؤتة، كانت تلك هي المرة الأخيرة التي رأوه فيها، فقد استشهد جعفر وجاء الخبر للرسول باستشهاد جعفر وزيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة قادة الجيش الثلاثة في مواجهة دامية مع جيوش الروم. أبناء جعفر - ومن ضمنهم عبد الله- كانوا صغارا عندما جاء خبر استشهاد والدهم في ساحة المعركة، فلم يكن يتجاوز عمر أكبرهم وهو "عبدالله" الثامنة، فجري عليهم اليتم بعد فقد الأب، إلا أن رسول الله ضمه هو وإخوته إليه، وتولي رعايتهم في صورة رائعة من صور حنان النبي صلي الله عليه وسلم. أمام المصاب الجلل لم يجد رسول الله من يبلغ أسرة ابن عمه جعفر نبأ وفاته، لذلك اضطلع هو بهذه المهمة، واحتضن أبناء جعفر الطيار والدموع في عينيه، وليبعد الأطفال الصغار عن جو الحزن اصطحبهم الرسول لمدة ثلاثة أيام في بيوت نسائه، وعندما هدأت الأمور بعض الشيء أعادهم إلي منزلهم بعد انتهاء مراسم الحزن والبكاء. تربية عبد الله بن جعفر في حجر النبي علمته الشجاعة وحب هذا الدين والدفاع عنه، حتي أنه وعبد الله بن الزبير بايعا النبي صلي الله عليه وسلم وهما طفلان صغيران ليس عليهما فرض ولا حد، فلما رآهما رسول الله تبسم وبسط يده وبايعهما. وتوفي عبد الله بن جعفر سنة ثمانين للهجرة عن ثمانين عاما، وكان إبان بن عثمان بن عفان صديقه ووالي المدينة آنذاك هو من صلي عليه، وودعه قائلا: "كنت والله خيرا لا شر فيك، وكنت والله شريفا واصلا برا، كنت والله وكنت".