تشهد الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة، آخذة في التنامي، كشفتها محاضر رسمية في أقسام الشرطة حول هروب الأزواج من زوجاتهم دون أي مقدمات واختفائهم في أماكن غير معلومة، بما يهدد النظام الأسري في مجتمعنا، حيث أكدت دراسة صدرت حديثا عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن هناك 18 ألف زوج هربوا من زوجاتهم وحياتهم تقدمت 11 ألف زوجة لمحكمة الأحوال الشخصية طالبة الطلاق، بينما لم تفقد الأخريات الأمل في عودة أزواجهن إلي البيت. الدراسة تشير إلي أن الأزمات الاقتصادية شديدة الصعوبة كانت السبب الرئيس للاختفاء ثم جاءت صعوبة التكيف مع الزوجين في المرتبة الثانية وهذا يجعل الزوجة معلقة لا تعرف هل هي مازالت زوجة أو أرملة أم مطلقة، ناهيك عن نظرة المجتمع لها باعتبارها المسئول الأول عن "تطفيش الزوج"، إضافة إلي ضياع الأبناء الذين يهربون إلي الشارع علهم يجدون العون والسند بعد أن تخلي عنهم "الأب". حاولنا رصد الظاهرة ومعرفة أسبابها ورصد بعض القصص الإنسانية التي تعاني ألم فراق الزوج ومتاعب هروبه، وكانت البداية مع "نادية" التي استيقظت مبكرا كعادتها لتعد طعام الإفطار وتوقظ أبناءها الثلاثة ليلحقوا ميعاد المدرسة، لكنها لم تجد زوجها "طه" في فراشه ولاحظت أن الفراش منظم كما تركته في الليلة السابقة، فبحثت عنه في جميع الغرف ولم تجد له أثرا. نادية سارعت بالاتصال بزوجها إلا أن هاتفه كان مغلقا، فساورها قلق وحاصرتها المخاوف فزوجها اعتاد الرجوع للمنزل في منتصف الليل بعد الانتهاء من وردية عمله الليلية، حيث يعمل "ديليفري" بأحد المطاعم بجانب وظيفته كإداري بإحدي المدارس في منطقة "الوراق" بالقاهرة، ليوفر لها ولأبنائها احتياجاتهم ومتطلباتهم التي لاتنتهي من دروس خصوصية وإيجار شقة وغيرها من الأساسيات مما أصابه في الأيام الأخيرة قبل اختفائه ببعض المتاعب الجسمانية والنفسية وكان يحاول التغلب عليها لأجل أبنائه. تذكرت الزوجة كل ذلك قبل أن تسرع إلي السؤال عنه بمنزل والدته، لكنها لم تجد إجابة شافية، بل إن سؤالها كان بمثابة المفجر لدموعها وحيرتها التي تضاعفت بعد مرور أكثر من شهرين دون "حس أو خبر"، فما كان من نادية إلا أن ذهبت لتقدم بلاغا بواقعة اختفاء زوجها ولم تكتف بالبلاغ بل وجهت نداء انسانيا لذوي القلوب الرحيمة ممن يتعرف عليه فيتصل بها وله مكافأة كبري، ورغم مرور أكثر من سنتين علي غياب الزوج فإن نادية لم تيأس أو تفقد الأمل في رجوع زوجها. لم تكن "نادية" وحدها ضحية اختفاء الزوج. فهذه "كوثر" تلك الشابة الحسناء التي لم تتجاوز سن 27 عاماً، عانت الأمرين منذ أن قرر زوجها الهروب من حياتهما الزوجية إلي مكان لا يعلمه أحد تاركا لها مسئولية رعاية طفلتين لم تتعد أكبرهما الخامسة. المأساة بدأت عندما تعرف "محمود" الزوج الغائب علي "حسن" زميله الذي التحق لتوه بالعمل كمراجع حسابات بإحدي شركات الأغذية في منطقة "شبرا الخيمة"، وقد أعجب محمود بشخصية صديقه الجديد فهو لا يتواني عن إسعاد نفسه دون الالتزام بقواعد مجتمعه أو عرفه أو التفكير في أسرته وكانت هوايته الوحيدة اصطياد الفتيات الصغيرات من شبكة الإنترنت والوصول لقلوب بائعات الهوي مهما تكبد من أموال وأسس صفحة علي موقع "فيسبوك" سماها «حسن الدونجوان» وحمل علي عاتقه مهمة إقناع صديقه محمود بمتعة مغامراته وتجاربه وسرعان ما انغمسا في هذا الطريق وتعرف الزوج المخادع علي الكثير من الفتيات وانخرط في علاقاته غير عابئ بزوجته الشابة ولا ابنتيه. أحست زوجته بتغير في معاملته معها وبرود في مشاعره فعللت ذلك بضغوط العمل ومسئولياته الجسيمة دون أن يخطر ببالها خيانته لها إلا أن علاقته ب"زوزو" إحدي صديقاته علي "فيسبوك" اتخذت منحني آخر فشعر بميل نحوها فقرر مفاتحتها في هذا الشأن إلا أن "زوزو" ثارت عليه وأقنعته بأنها ليست فتاة لعوباً وعليه أن يدخل البيت من بابه، ولكن كيف سيهرب من مسئولية أسرته الصغيرة ليؤسس بيتا آخر ودارت به الدنيا فقرر الهروب الفعلي فأعد حقيبته ولملم حاجاته دون أن تشعر به "كوثر" التي كانت تغط في نوم عميق. وفي صبيحة اليوم الثاني فوجئت بهروب الزوج دون أن يبلغها كلمة واحدة تشفي غليلها وترد علي تساؤلاتها وطالت فترة الغياب لتصل لستة أشهر فما كان عليها إلا أن تلجأ لمحكمة الأسرة لتطلب الطلاق لهجر زوجها لها. إلي ذلك، يقول الدكتور صبحي كمال أستاذ علم النفس بجامعة الزقازيق: اختفاء الأزواج أضحي ظاهرة في مجتمعنا خاصة في الطبقات الأشد فقرا التي لا تجد قوت يومها أحياناً، فيلجأ الزوج للهرب من تلك المسئوليات دون التفكير في عواقب قراره لتتحملها الزوجة التي تنزل للعمل لتنفق علي ابنائها وهناك سبب يكمن في الشعور بروتينية الزواج وأن تلك المؤسسة بنيت علي أساس خاطئ فقوامها المشاركة والتعاون بين الطرفين إلا أن الزوج يشعر بأن كافة المسئوليات تقع علي عاتقه دون مشاركة زوجته فيصبح الزواج غير مجد له بل يجلب له "صداع الرأس" إضافة إلي تغير معاملة الزوجة له تلك الكائن الرقيق الذي عشقه في فترة الخطوبة تحول إلي شخصية أخري تماما فتدب الخلافات وتنشب الصراعات وتصبح الحياة الزوجية جحيما لا يطاق. يتابع: ثمة فئة أخري من الأزواج تعاني من الأنانية المفرطة وعدم القدرة علي تحمل المسئولية للتدليل الزائد من جانب عائلاتهم فيلجأون للهرب تاركين خلفهم زوجات وأبناء يعانون الأمرين مما يدفع الزوجة للجوء إلي محكمة الأسرة لتضع حدا لمأساتها التي قد تطول إلي سنوات وسنوات دون أن تعرف الضحية "رأسها من رجليها" وعادة مايكون الطلاق هو رغبتها لترتاح من هذا الكابوس. في حين تقول الدكتورة نجوي عبدالحميد أستاذة علم الاجتماع بجامعة حلوان: هذه الظاهرة كانت جديدة علي مجتمعنا منذ أكثر من خمس سنوات إلا أنها بدأت تتزايد في البيوت المصرية بصورة مخيفة نظرا لتغيرات المجتمع من ارتفاع الأسعار وزيادة نسب البطالة ولك أن تعلم أن الهروب من استمرار الحياة الزوجية أصبح لا يقتصر علي الأزواج فقط فهناك زوجات هربن من أزواجهن وهذا يؤكد خلل النظام الاجتماعي وتفشي قيم غريبة علي مجتمعنا كما أن الشباب هم أكثر الفئات هروبا من بيوتهم فهم لايتحملون الضغوطات بعكس الكبار الذين لديهم خبرة في الخروج من نفق المشكلات.. تواصل: آثار غياب الزوج تطال الأم والأبناء مما يزيد من حالات التفكك الأسري والتسرب من التعليم حيث تضطر الأم إلي قبول الأعمال المتدنية، أما الأبناء فينحرفون بدورهم ويفشلون في التعليم ويهربون إلي الشارع فيزداد عدد أطفال الشوارع وزيادة الجرائم، ولذلك علي الزوج والزوجة أن يراعيا ذلك ولا يصلا إلي تلك المرحلة، لأن الهرب لن يحل المشكلات. يتفق معها الدكتور علي الرشيدي أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها، حيث يقول: أصبحت الظروف الاقتصادية الصعبة هي الدافع وراء هروب الأزواج وهي ظاهرة جديدة علينا فالمصري معروف طوال التاريخ أنه مرتبط بعائلته وأبنائه ولايتخلي عنهم مهما حدث خاصة أبناءه ولكن ضيق اليد هو السبب الرئيسي ولايوجد قانون يلزم الزوج بالعودة للمنزل كإنذار الطاعة للزوجة الذي ينذرها بالعودة لمنزلها لذا لابد من سن مثل تلك القوانين حتي لاتتفاقم الظاهرة وتدفع الزوجة والأولاد الضريبة. فيما تقول الدكتورة مها رسلان أستاذة الشريعة بكلية البنات: فكرة هرب الزوج من بيته تدل علي سوء التخطيط من قبل الزوج لحل مشكلاته فالقرآن عندما أورد حل الخلافات التي تحدث بين الزوجين لم يذكر الهرب وحتي الطلاق اعتبره أبغض الحلول وقال تعالي "والصالحات قانتات حافظات للغيب"، أي اللاتي يحرصن علي بيوتهن، ثم جاء التدرج في قول الله تعالي (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) بمعني تقديم النصيحة والتوجيه للزوجة وهذا يستلزم وقتا علي الزوج أن يقوم به تجاه الزوجة، ثم جاء قول الله تعالي "واهجروهن في المضاجع"، والهجر في المضاجع أقسي علي المرأة من اللوم والنصح وهذا الأسلوب في تقويم الزوجة يأخذ وقتا أيضا حتي ينصلح حالها. ثم جاء قول الله تعالي "واضربوهن" والضرب هنا له حدود، بحيث لا يحدث عاهات أو يترك آثارا، فإسلامنا يدعو إلي تقويم الأسرة وإصلاحها بالاستعانة بأقارب الطرفين "حكما من أهله وحكما من أهلها" وإذا استحالت العشرة يمكن تطليق الزوجة بالحسني مع إعطائها كافة حقوقها.