لفشل في الحياة الزوجية قد تكون نتيجته اختيار أصعب الحلول وهو الانفصال بين الزوجين.. ولكن هناك بعض الأزواج رفعوا شعار"الهروب" تاركين وراءهم زوجات وابناء يبحثون عنهم بلا نتيجة .. وهذا ما كشفت عنه دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تؤكد أن عدد الأزواج الذين هربوا من زوجاتهم وحياتهم الأسرية قد تجاوز 18 ألف زوج.. وأكثر من 60% من هؤلاء الزوجات تقدمن إلى محكمة الأحوال الشخصية لطلب الطلاق.. في حين لم تفقد النسبة الباقية الأمل في رجوع أزواجهن وإن طال الغياب... الدراسة كشفت أن سبب هروب الأزواج يعود إلى سببين رئيسيين هما الأوضاع الاقتصادية شديدة الصعوبة، وفشل الأزواج في التواصل مع زوجاتهم ، فتحولت الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، وأشارت الدراسة إلى تعدد البلاغات في أقسام الشرطة والقضايا المتعلقة بهروب عدد كبير من الأزواج بسبب عدم قدرتهم على تحمل مسئوليتهم وتوفير احتياجات أسرهم، وهو ما يعني أن الظاهرة خلفت وراءها أكثر من 18 ألف أسرة بلا عائل، وأكثر من 18 ألف زوجة معلقة بلا طلاق ولا زواج في ظل اختفاء أزواجهن تماما، كما أكدت الدراسة أن الأزواج الهاربين تركوا منازلهم وتوجهوا إلى مكان آخر لا يعرفهم فيه أحد ، وكشفت الدراسة أن نسبة كبيرة من الأزواج هربوا من زوجات سليطات اللسان، اتخذن الشجار والصوت العالي وسيلة للتفاهم مع أزواجهن، وخلقن في المنزل مناخاً متوتراً دفع الأزواج إلى الهرب بدلا من الانتحار أو ارتكاب جريمة. وتضمنت تلك الدراسة عدة نماذج من الزوجات اللاتي تبحثن عن أزواجهن.. فأكدت إحداهن أن زوجها اختفى وتركها منذ ستة أشهر وبحثت عنه في كل مكان وأبلغت الشرطة ووجهت نداء إنسانيا أيضا من خلال ملصقات لكل من يتعرف عليه بالاتصال بها، مؤكدة أنه هرب وتركها تتحمل مسئولية 5 أبناء في مراحل تعليم مختلفة بعد أن عجز عن الوفاء بالتزاماتهم ، كما تسجل محاضر الشرطة الكثير من قصص هروب الأزواج، وأرجعت هروبهم لأسباب مختلفة .. إلا أن عجز الأزواج عن الوفاء بالتزامات الأسرة كان من أكثر أسباب الهروب، حيث أكدت إحدى الزوجات أن زوجها فشل في توفير احتياجات الأسرة، والديون كانت تلاحقه في كل مكان، وعجز عن زيادة دخله لسداد ديونه فاختفى ولا تعلم عنه شيئا، وأخرى أكدت أنها تبحث عن زوجها بعد هروبه واختفائه لكي تحصل علي الطلاق وليس من أجل العودة للحياة الزوجية، حيث أكدت أنها تريد حريتها. وقد استطلعنا آراء بعض الأزواج في هذه الظاهرة.. يقول محمد صبحي: من يهرب من زوجته ومنزله ليس رجلا، فهو يفتقد لمعنى الرجولة، فيجب على الرجل أن يتحمل المسئولية، ولو لم يكن على قدرها لا يفكر في الزواج من الأساس، فالزوجة والأسرة أمانة في رقبة كل زوج سيسأله الله عز وجل عنها في يوم القيامة، والمشاكل لا يكون حلها بالهرب، ولكن بالمواجهة والنقاش. أما محمود عبد المنعم فيسأل : لماذا يهرب الرجل بينما الله سبحانه وتعالى أحل لنا الطلاق ؟! فإذا لم يستطع الرجل توفير احتياجات زوجته ولم يستطع مواجهة المشاكل فعليه أن يفكر في الانفصال ، فهو أهون كثيرا من الهروب، فهو يدمر حياته وحياة أسرته بهذا الهروب غير المبرر. أما عن آراء بعض الزوجات.. فتقول شيماء عصام: الزوج الهارب لا يستحق أن تبحث عنه زوجته، ولو تعرضت لذلك سألجأ للمحكمة من أجل الطلاق فقط، لأن زوجي في هذه الحالة ليس الرجل الذي يمكن أن أعيش معه، لأنه غير قادر على المسئولية، فيعطني حريتي ويهرب كيفما يشاء ولكن لا يتركني معلقة، ويجب أن يحمينا القانون من تلك الظاهرة. وتضيف سمر يحيي: يجب على الزوجة أن تتأكد أولا أن هذا الزوج هارب وليس غائبا لسبب آخر، فمن الممكن أن يكون وقع له أي حادث ، وإذا أيقنت أنه هارب فعليها أن" تفضحه" في كل مكان، ليعلم الجميع أن ليس رجلا، حتى يفقد احترامه لنفسه، وإذا عاد إليها لا تقبل استمرار الحياة معه، لأن من يهرب مرة يستطيع الهرب مرات عديدة! وكتحليل نفسي لظاهرة هرب آلاف الأزواج من بيوتهم يقول د. أحمد عبدالله- أستاذ علم النفس بجامعة الزقازيق-: هناك ظاهرة أصبحت موجودة في العالم الآن وهي فكرة "موت الزواج"، فيشعر الزوج بأن الزواج لم يعد مفيدا له ولا يؤتي بثماره، وهناك أمور أصبحت غير متماشية مع التغييرات التي تحدث في العالم كله وتؤثر على الحالة الاقتصادية، بجانب أن فكرة الاقتصار على شخص واحد طوال العمر أصبحت غير مقبولة لدي البعض، ويأتي الهروب من منزل الزوجية كنتيجة لذلك، فالرجل يكون مدفوعا بالضغط الاجتماعي لتكوين أسرة، ولكن يصل في بعض الحالات إلي حالة من التشبع من الأشياء التي دفعته للزواج، ثم يبدأ في تأمل المسئوليات التي أصبحت تحاصره ويجدها كبيرة بجانب مشاكل الحياة، فيجد المعاناة، وحتى الأولاد الذين كان يحلم بهم تحولوا - في اعتقاد البعض - من نعمة إلي نقمة بسبب مصاريفهم وأعبائهم، كما أن طلبات الزوجة لا تنتهي ، ويجد نفسه في دائرة لا يستطيع أن يخرج منها، بجانب سوء التعامل من الزوجة، فيرى أنه لا يأخذ شيئا من هذه المنظومة الزوجية التي وضع نفسه فيها، وربما لا يجد أحداً يسمعه أو أن الزوجة لا تحترم كلامه، فيرى عجزه عن سد الاحتياجات، ويشعر بأنه في نظر الجميع فاشل.