المنظومة الجديدة تشمل العاملين فى الأراضى الزراعية بنظام اليومية "أنا الفلاح في أرضي أراعيها كما عرضي وأحرثها وأزرعها أغذيها صدي نبضي وتشهد سنبلات القمح والمنجل مدي كدي". أبيات من قصيدة "الفلاح المصري" لأمير الشعراء الراحل أحمد شوقي، عبرت عن مدي ما يمثله الفلاح المصري من أهمية كبري في مد احتياجات الدولة من المحاصيل الزراعية والنهوض بالتنمية الزراعية والثروة الحيوانية، ورغم كل هذا ظل الفلاح لعقود طويلة فريسة للمرض يلتهم كبده دون وجود مظلة تأمين صحي تحميه. الواقع يؤكد أن العاملين بقطاع الزراعة في مصر يقدر عددهم بنحو 20 مليون مواطن محرومين من حقهم في وجود مظلة تأمينية تحميهم حتي استيقظت الدولة مؤخرا وتحقق الأمل الذي كانوا يحلمون به بضمهم تحت مظلة التأمين الصحي وصدر القانون رقم 127 لسنة 2014 بشأن التأمين الصحي علي الفلاحين وعمال الزراعة باعتبار التأمين عليهم كما نصت اللائحة التنفيذية نظاما تكافليا وإلزاميا يقدم لهم جميع الخدمات التي تقدمها الهيئة العامة للتأمين الصحي للمنتفعين من خلال جهات العلاج التي تحددها داخل أو خارج وحداتها وفقا لمستويات الخدمات الطبية والقواعد التي يصدر بها قرار من وزيرالصحة. بالإضافة إلي ذلك ستتم الاستعانة بالوحدات الصحية الموجودة بالريف فضلا عن المستشفيات العامة والمركزية ومستشفيات التكامل في حالة الاحتياج وتمويل نظام التأمين الصحي علي الفلاح وعامل الزراعة من خلال الاشتراكات السنوية التي لا تتجاوز مبلغ 120 جنيها سنويا بالإضافة إلي الاشتراكات السنوية التي تتحملها خزانة الدولة بواقع 200 جنيه سنويا عن كل مشترك في هذا النظام، إضافة إلي نسبة 2% من مقابل الخدمات التي تقدمها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ، فضلا عن التبرعات والمنح والإعانات والهبات التي تقدم لأغراض هذا النظام ، وعدد الفلاحين الذين تم رصدهم حتي الآن في نحو 25 محافظة يشملهم القانون بعد مراجعة تامة للكشوف من قبل مديريات الزراعة وهيئة التأمين الصحي يقدر بنحو 9 ملايين فلاح ، ويجري الآن إصدار 350 ألف اشتراك للفلاحين بعد ما تم التدقيق في البيانات الخاصة بالحيازات الزراعية. المعروف أن التأمين الصحي الاجتماعي المصري بدأ عام 1964 حيث صدرت عدة قوانين منظمة للتأمينات الاجتماعية والصحية وكانت تستهدف وقتها كفالة الحق في الحماية الصحية التأمينية تدريجيا لجميع المواطنين خلال عشرسنوات وهذا ما لم يتحقق حتي يومنا هذا ، ومنذ منتصف التسعينات عام "1996" كانت هناك محاولات متكررة لاصلاح النظام الصحي هيكليا والذي كان يتعرض لانهيار مستمر وانتقادات قوية بسبب ضعف دوره وأدائه وغياب الرؤية لتطويره في اتجاه الإنصاف والعدالة في توفير وتوزيع المواد اللازمة له حيث انخفض الإنفاق الحكومي علي الصحة حتي وصل لحدود غير مقبولة وارتفع إنفاق الأسر من جيوبهم إلي مستويات خطرة بلغت "60%" من الإنفاق الكلي الأمر الذي هدد الكثير من المواطنين بمزيد من الفقر والعوز من جراء الحصول علي الخدمة الصحية، وفي العامين الأخيرين قبل ثورة يناير قامت حكومة النظام الأسبق بتكثيف جهودها في ثلاث محاولات متكررة لإصدار قانون جديد موحد للتأمين الصحي لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل. وفي أغسطس 2014 بعد انتخاب الرئيس السيسي رئيسا للبلاد انتهت اللجنة المنوط بها وضع قانون التأمين الصحي من المسودة الأساسية للقانون وطرحها للحوارالمجتمعي علي مختلف الأطراف من كيانات أكاديمية ومنظمات أهلية ونقابات وأحزاب مختلفة لضمان أكبر مساحة من المشاركة المجتمعية حول المشروع الذي يعد عمودا أساسيا في إصلاح المنظومة الصحية الشاملة والعدالة في الصحة تمهيدا لوضع خطة تنفيذه الأكثر تفصيلا فنيا وماليا لعرضها علي مجلس النواب المقبل، ونحن في انتظار تنفيذ القانون ولائحته التنفيذية، نتساءل هل صدور القانون سيؤدي إلي إصلاح منظومة التأمين الصحي في مصر، وهل نمتلك إمكانيات التأمين الصحي؟ يقول محمد برغش رئيس الاتحاد العام للفلاحين إن هناك أجيالا كثيرة سعت لدخول الفلاحين تحت منظومة التأمين الصحي وقد تحقق الحلم، فالفلاح ظل فريسة للمرض لسنوات طويلة دون وجود مظلة تأمين صحي تحمية ونحن في انتظار تنفيذ القانون ولائحته التنفيذية، لافتا إلي وجود بعض العناصر التي يجب مراعاتها ومنها الحصر فالمعروف أن عدد الفلاحين والعاملين بقطاع الزراعة لا يقل عن 30 مليون مواطن وأن عدد من قام بتسجيل الاشتراك حتي الآن وصل إلي 350 ألفا فقط، مشيرا إلي أن وزارة الزراعة تقوم بحصر أعداد الفلاحين المستفيدين من المشروع وبياناتهم تشتمل علي الرقم القومي وتحصيل الاشتراكات المستحقة للراغبين في الاشتراك في التأمين الصحي ثم يتم توريدها للهيئة العامة للتأمين الصحية أما وزارة المالية فتقوم بسداد نسبة الحكومة الخاصة بالاشتراكات لمن تم حصرهم وإصدارالبطاقات الذكية الإلكترونية لهم. وأوضح أن الفلاحين وعمال الزراعة يعملون في بيئة مرضية ومعرضون للإصابات بفيروس «C» والبلهارسيا وأمراض الفشل الكلوي والكبد أكثرمن غيرهم وهذه الأمراض تحتاج إلي تكلفة عالية لعلاجها فالفلاح يجب أن يتمتع بكافة أنواع الفحوصات الطبية كالخدمات التشخيصية والعلاجية والتأهلية إضافة إلي الخدمات الطبية التي يقوم بها الممارس العام في العيادات الشاملة التي تتبع الهيئة العامة للتأمين الصحي أو الرعاية الصحية الأساسية التي تتبع وزارة الصحة والوحدات الصحية الموجودة في الريف إضافة إلي الخدمات الطبية علي المستويات التخصصية. ويطالب برغش بأن تشمل منظومة التأمين الصحي زوجات الفلاحين لأن أسرة الفلاح سواء كانت زوجة أو أبناء تعاونه بشكل دائم في زراعة الأرض وتتعرض لما يتعرض له من إصابات وأمراض خاصة تلك الأمراض المزمنة، لافتا إلي أن الارتقاء بالخدمات الطبية المقدمة أو التخلص من مشكلة قوائم الانتظار للحصول علي العلاج أو إجراء العمليات الجراحية تتطلب رفع قيمة الاشتراك من 10 جنيهات إلي 200 جنيه. يتفق علي رجب وكيل النقابة العامة للفلاحين مع الرأي السابق من أن الفلاح أكثر عرضة للإصابة بالأمراض ويشعر بأنه مهمش من جانب الدولة برغم كونه فردا منتجا وليس عالة علي الدولة ولذلك التأمين الصحي علي الفلاح كان مطلبا رئيسيا من مطالب النقابة وأن إعادة دمجه في منظومة التأمين جعل الفلاحين متساوين مع كل المواطنين مما سيمنحهم الشعور بالاطمئنان. ومن وجهة نظرها تقول الدكتورة مني مينا أمين عام نقابة الأطباء أن الكلام عن التأمين الصحي الشامل لجميع فئات الشعب لايتماشي مع ميزانية وزارة الصحة إضافة إلي أن الميزانية الجديدة التي ارتفعت إلي 9مليارات جنيه فقط ووصلت الميزانية الكلية إلي 42 مليارجنية الآن لم تؤد إلي تحسين خدمة صحة المواطنين وأن الميزانية الجديدة لم تصل لأي قطاع سوي قطاع أجور الفريق الطبي مشيرة إلي أن الميزانية المخصصة لوزارة الصحة ضعيفة ومهدرة في أشياء كثيرة ومن هنا فنقابة الأطباء مهتمة فقط بتحسين صحة المواطن. أما الدكتور علي السيد حجازي رئيس هيئة التأمين الصحي فيؤكد أن عمر نظام "التأمين الصحي" الحالي تجاوز 51 عاماً منذ نشأته بالقرار الجمهوري رقم 1209 لسنة 1964 وأن هذا النظام به بعض العيوب كتعدد القوانين المنظمة له إضافة إلي أن نواته الفرد وليس شاملا للأسرة لافتا إلي أن منظومة التأمين الصحي تضم أكثرمن نصف سكان مصر أي يضم نحو 58 % من المواطنين إضافة إلي الزيادة المستمرة في تعداد المؤمن عليهم ومن هنا نلاحظ أن المرضي منهم 15 مليوناً مابين موظف وعامل وأصحاب معاشات وأرامل وامرأة معيلة اضافة إلي 514 طفل منذ الولادة وحتي سن المدرسة ونحو 620 مليون تلميذ وطالب في المراحل التعليمية قبل الجامعي هذا فضلا عن وجود نحو40 مستشفي تأمين صحي بمختلف محافظات الجمهورية وهناك بعض المحافظات التي لايوجد بها مستشفيات تأمين كمحافظة مطروح وشمال وجنوب سيناء والوادي الجديد والبحر الأحمر والأقصر ، إضافة إلي العيادات الشاملة المنتشرة علي مستوي الجمهورية والتي تبلغ نحو249 عيادة شاملة ، لافتا إلي أن هذه المستشفيات والعيادات وعدد المؤمن عليهم كل ذلك يستلزم وجود ميزانية ضخمة لتقديم خدمة صحية وعلاج جيد يرضي عنها الناس دون شكاوي دائمة. يضيف أن ما يتم تجميعه من ميزانية وأموال قليل وضعيف جدا لايكفي لتقديم خدمة متميزة لهؤلاء الناس لكننا نقوم بدورنا ونقدم كل ما في استطاعتنا وقدرتنا في ظل وجود قصور كبير وبعض السلبيات المؤثرة والميزانية القليلة التي تشكل من تمويل قدره 73 مليار جنية يتم جمعها من المؤمن عليهم وهذه الميزانية لا تكفي لتقديم علاج مناسب للمرضي. وتابع: ملامح قانون التأمين الشامل المقبل سيكون قانونا موحدا وتكون نواته الأسرة مع حرية اختيار المؤمن عليه بين مقدمي الخدمة، أي الكشف والعلاج سواء كان الطبيب أو المستشفي، إضافة إلي أن القانون الجديد يتضمن فصل الخدمة عن التمويل بفصل الإدارة عن مقدم الخدمة إضافة إلي أن التأمين سيكون إلزاميا للجميع دون استثناء باشتراكات سيحددها القانون.