الثروة السمكية في مصر مشكلات عدة، وتهددها أخطار جمة، تجعلها توشك علي الانقراض، ويعتبر استاكوزا النيل أو"جراد البحر الأمريكي" كما يطلق عليه العامة، أحد أشد تلك الأخطار، وبحسب تقرير أصدرته أخيراً "منظمة العدل والتنمية لحقوق الانسان" فإن هذه المخلوقات بنوعيها الحمراء والسوداء تهدد بانقراض ثروتنا السمكية، حيث يتغذي هذا الجراد علي الزريعة "السمك الصغير"، ما أدي إلي اختفاء أنواع عديدة من الأسماك، بالإضافة إلي أنه يقوم بالحفر علي جانب الشريط النيلي، ما يهدد بانهيار الكباري وعشرات المنازل المقامة علي ضفتي النيل في مدن الصعيد. بقاؤه في النيل يهدد المنازل والكباري بالانهيار الصينوأمريكا تخاطب وزارة الزراعة لاستيراده والأخيرة لا تعلم شيئا مديرية الطب البيطري وهيئة الثروة السمكية تحذران من تناوله الغريب أن الاستاكوزا الأمريكي وفد إلي مصر بدعوي القضاء علي ورد النيل تلك المشكلة المؤرقة التي لم تحل إلي وقتنا هذا فهو يتغذي عليه وبمرور الوقت اكتشفنا أنها حجة زائفة فهذا المخلوق لا يتغذي سوي علي الأسماك الصغيرة وقد قام باستيراده من أمريكا أحد المستثمرين من منطقة منيل شيحة بالجيزة، بتصريح من يوسف والي وزير الزراعة آنذاك لينشئ مزارع لتربيته ولتصبح لحومه بديلة للجمبري الفاخر، إلا أن الذوق المصري لم يقبله فما كان من ذلك المستثمر إلا أن ألقي بتلك الكميات في النيل فتكاثرت بصورة مرعبة وانتشرت في معظم مدن الدلتا والصعيد فاستغل الجراد دفء مياه النيل ليتوطن فيها وينمو بصورة شرهة. وقد استغل بعض الصيادين والتجار الفقر الذي تعيشه بعض القطاعات في دولتنا وجهلهم بالجمبري والاستاكوزا البحرية، ليغرقوا الأسواق الشعبية وأرصفة الشوارع بهذه الأنواع من الاستاكوزا ليباع الكيلو الواحد بعشرين جنيها، مما جعل الكثيرين يقبلون علي شرائه دون أن يعلموا أنه من أخطر أنواع المخلوقات البحرية نظرا لأنه يقوم بتخزين وامتصاص المواد الثقيلة بجسمه كالحديد والرصاص وهي مواد سامة تصيب الجسم البشري بالسرطانات المختلفة وقد تؤدي للوفاة وهذا ما جعل وزارة الصحة تشن عدة حملات للتخلص من تلك القشريات كما حذرت مديرية الطب البيطري بالقاهرة وهيئة الثروة السمكية من تناولها نظرا لعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي كما أوضحت مواصفات الجمبري الأصلي وتلك الاستاكوزا المائل لونها للسواد. ويتساءل الكثيرون عن كيفية القضاء علي تلك المشكلة المتوطنة منذ أكثر من ثلاثين عاما ولك أن تعلم أن هناك دولا عدة كالصينوأمريكا خاطبت وزارتي الزراعة والري لاستيرادها للاستفادة من لحومها وطحن هياكلها لتصبح علفا للدواجن إلا أن الوزارتين لم تبديا ردا مقنعا إلي الآن أو سببا للرفض مما يجعلنا نتعجب ونطالب بإجابة شافية عن تلك الأسئلة.. ناهيك عن مشكلة ورد النيل التي لم نلمس حلولا جذرية لها علي الرغم من وجود وحدة خاصة بأبحاثها ومكافحتها بمركز البحوث الزراعية يشرف عليها أساتذة أجلاء يتعاونون مع علماء من دول أوربا وأمريكا ولكن أحقا تنفذ تلك النتائج ويعتد بها؟ سنحاول في هذا التحقيق الإجابة عن جميع الأسئلة. كان "محمد علي باشا" أول من أدخل ورد النيل الي مصر بغرض الزينة في قصره لجمال منظره وألوانه الزاهية وتكاثره السريع إلا أن العاملين بالقصر قاموا بالتخلص من النباتات الزائدة بإلقائها في النيل فتكاثر بصورة رهيبة وامتد ليغطي معظم محافظات الدلتا والصعيد إلا أن الفيضان كان يجرفه بعيدا فيذبل ويموت وعندما بني السد العالي تفاقمت المشكلة بل وصلت إلي دول حوض النيل التي تعاني هي الأخري من نفس المشكلة، ومن المعروف أنه يستهلك كميات هائلة من المياه كما يعيق الملاحة والصيد إضافة إلي أنه يقضي علي الثروة السمكية التي يحرمها من الضوء والأكسجين اللازم لنموها مع دوره في إزدياد قواقع البلهارسيا التي تلتصق بحوافه مما لزم القضاء عليه وقد بذلت وزارتا الري والزراعة دورا منشودا للتخلص منه سواء عن طريق أنواع خاصة من البكتيريا الحيوية التي تتغذي عليه أو برش المبيدات الحيوية القاتلة للأسماك إلا أن هناك وسائل مجدية للتخلص منه كما فعلت اليابانوالصين اللتان قامتا بطحنه وإضافته لعلف الدواجن أو استخدامه في تصنيع الورق والبلاستيك دون الاستعانة بمخلوقات بحرية أخري كجراد البحر وغيره.. علي الجانب الآخر، نجد "سعيد" هذا الشاب الثلاثيني يقف بقلب ميدان العتبة يمسك واحدة من الاستاكوزا النيلي الكبري الحمراء ليعرضها علي زبائنه ويقسم لهم بأغلظ الايمان أنها مثل جمبري الأغنياء بل إنها أعلي قيمة بل إن الأمريكيين خاصة الرئيس باراك أوباما يفضلها علي السبيط والجمبري الجامبو والاستاكوزا البحرية مستغلا جهل زبائنه فيبيع الواحدة بثلاثة جنيهات فقط بعد أن يشرح طريقة طبخها وتقشيرها ويعدد الكثير من الأطباق التي تعتمد علي تلك الاستاكوزا الأمريكية مع تزيينها بالليمون بقصد إخفاء معالمها السيئة. يقول الدكتور محمد رضا فيشار رئيس معهد علوم البحار السابق: انتشرت استاكوزا النيل بصورة رهيبة في التسعينيات بعد أن أدخله أحد المستثمرين بعد إقناع الحكومة أنه الحل السحري للقضاء علي ورد النيل دون الإفصاح عن نيته بإنشاء مزارع خاصة لتربيته ونظرا لعدم توافقه مع الذوق المصري فشلت التجربة فتخلص منه في النيل فتكاثر بصورة مرعبة وتغذي علي زريعة السمك وهدد الصيادين بسرقة قوت يومهم ومن المعروف أن التماسيح هي العدو الأول لهم ولكن من المستحيل إدخالها إلي نيلنا بعد بناء السد العالي الذي كان يقف عقبة أمام تكاثرها. يضيف فيشار: لكن لا توجد أبحاث رسمية تؤكد علي مدي سميته وتخزينه للعناصر الثقيلة في جسمه فهو ليس بالخطر فهو يحتوي علي نسبة ضئيلة من البروتين مقارنة بالأسماك وهناك طرق أخري للاستفادة منه كطحن هياكله وخلطها بأعلاف الدواجن بديلا عن مساحيق الأسماك المرتفعة ثمنها، وقد خاطبت الصينوأمريكا وزارة الزراعة لاستيراد شحنات من الاستاكوزا النيلية لتلك الأغراض إلا أن وزارة الزراعة لم تعط أي رد شاف. ويتفق معه الدكتور إسماعيل غراب أستاذ الثروة السمكية فيقول: الاستاكوزا النيلية ليس لها أضرار صحية بالغة الخطورة كما يروج الكثيرون فهي مصدر للبروتين الحيواني الرخيص، ولكن منظرها العام يجعلنا لا نتشجع للإقبال عليها كما أن لونيها الشديدا السواد والاحمرار يرسخان هذا النفور ولكن من الصعب القضاء عليها حيث إنها تكاثرت بصورة نعجز عن تخيلها فأصبحت وباء يهدد ثروتنا السمكية كما يهدد الكباري التي تحفر تحتها فلابد من إبرام تعاقدات سريعة مع الدول التي طالبت باستيرادها للتخلص منها. وحول فاعليتها في القضاء علي ورد النيل قال: كل هذه الأحاديث ليس لها أي صحة فالاستاكوزا لا تتغذي سوي علي زريعة السمك وقد كانت حجة لدخولها إلي بلادنا بدعم من يوسف والي ونظام المخلوع ككل وأنا لا أتفق مع من يهوِّلون في مشكلة ورد النيل فهي ليست مشكلة فالفلبينيون والصينيون يطلقون عليها الثروة نظرا لاستخداماتها العديدة كصناعة حبال والأحذية والحقائب وأواني الزرع وعدة مصنوعات أخري، وذلك بعد استخلاص أليافها التي تصلح للتصنيع وفي الهند استخدموها لتوليد البيوجاز عن طريق استخراج النبات وتجفيفه جزئيا عن طريق تركه في الهواء ثم وضعه في تانكات وتركه ليتخمر بعد وضع كمية قليلة من روث الماشية معه وبعد تخمره استخرجوا منه كميات كبيرة جدا من البيوجاز ولكن لايجوز استخدامها في صناعة علف الدواجن حيث إنها تمتص المعادن الثقيلة فتنتقل بعد ذلك إلي جسم الإنسان. وحول رد وزارة الزراعة علي تلك التساؤلات يقول عيد حواش المتحدث الإعلامي للوزارة: بذلت وزارة الزراعة بالتعاون مع الري جهودا منشودة للتخلص من ورد النيل وهناك وحدة مكافحة ورد النيل بمركز البحوث الزراعية تقوم علي قدم وساق لحل الأزمة بالتعاون مع خبراء فرنسيين باستخدام العدو الحيوي وهو حشرتا نيوكتينا إيكورني ونيوكتينا بروكي من فصيلة السوس وهذه الحشرات إذا لم تجد وردة النيل تموت، لأنها تأكل النبات وتضع البيوض في الوردة نفسها وبعد شهرين وجدنا أن هذه الحشرة تمنع تكاثر النبات، لأنها تتغذي عليه وقد كانت بحيرتا البرلس وإدكو بادرة تطبيق التجربة وإلي الآن يتم تنفيذها لتعطي نتائج رهيبة. وعن رغبة دولتي أمريكاوالصين في استيراد الاستاكوزا النيلية قال: لا أعلم شيئا عن تلك المخاطبات والوزارة لم تتلق أي عروض رسمية بهذا الشأن، وكل من يزعم ذلك ما هو إلا اجتهاد شخصي منه ليس له أساس.